tag icon ع ع ع

ضياء عودة | مراد عبد الجليل | أسامة أبو زيد

غادر عادل، الشاب الثلاثيني، مدينته حرستا في بداية الثورة السورية، وانتقل إلى حي ركن الدين الدمشقي، ليعمل، كما أخبر عنب بلدي، في مشغل للخياطة مقابل أجر مادي لا يتجاوز 60 ألف ليرة سورية.

يقول عادل، الذي طلب عدم نشر اسمه الحقيقي لاعتبارات اجتماعية، إنه كان مضطرًا لإعالة عائلته المؤلفة من أمه وأخواته الخمس بعد أن توفي والده، و”نتيجة ضغوطات الحياة” أصبح يعتمد على تدخين الحشيش.

“كنت أدخن الحشيش في المناسبات وخلال السهرات مع الأصدقاء، لكن فيما بعد أصبح الأمر يتكرر بشكل يومي”، يقول عادل، متابعًا، “سيكارة وحدة بتنسيك همومك”.

استمر عادل في الاعتماد على الحشيش، وهو إحدى المواد المخدرة الطبيعية، حتى بعد خروجه من سوريا، حيث بات تعاطي المواد المخدرة والمنشطة منتشرًا على نطاق أوسع.

مناطق سيطرة النظام لم تكن الحاضن الوحيد لهذه الظاهرة، التي باتت شبه معممة في سوريا، حيث ساعدت الحرب مروجيها ومهربيها على تكثيف أنشطتهم، وأعطت لمتعاطيها مبررات كثيرة.

ورغم عدم وجود أرقام وإحصائيات دقيقة تشخص الظاهرة، استطاعت عنب بلدي في هذا الملف التواصل مع مصادر عدة في مناطق سيطرة النظام، ومناطق سيطرة فصائل معارضة أو “قوات سوريا الديمقراطية”، للوقوف على واقع انتشار المواد المخدرة في سوريا.

جنود من قوات الأسد قبل عملية خاصة في دوما- 19 تشرين الثاني 2015 (سبوتنيك)

النظام يحارب المخدرات “إعلاميًا”

تعلن “إدارة مكافحة المخدرات” التابعة لوزارة الداخلية في حكومة النظام السوري باستمرار عن ضبط كميات كبيرة من الحبوب المخدرة (الكبتاغون) والحشيش في مناطق مختلفة خاضعة لسيطرة النظام، دون الإفصاح عن مصدرها، ما يوحي بازدياد المتاجرة بالمواد من قبل أشخاص وجدوا في سوريا بيئة خصبة لترويجها بين فئة الشباب، بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية التي عصفت بالبلاد جراء حرب السنوات الماضية.

أسعار المواد المخدرة في مناطق سيطرة النظام

كيلو الحشيش 175 ألف ليرة سورية

“مشد الحب” (كبتاغون) (200 حبة) نحو 30 ألف ليرة سورية
الحبة الواحد من الكبتاغون (أم هلالين) 1500  ليرة سورية

وصدرت عن مسؤولين في حكومة النظام خلال الأشهر الماضية تصريحات تؤكد انتشار تعاطي المخدرات بين فئة الشباب، إذ قالت رئيسة دائرة المخدرات في وزارة الصحة، ماجدة الحمصي، إن مادة الحشيش والحبوب المنشطة هي الأكثر تداولًا بين الشباب السوري.

وأكدت الحمصي لوكالة “سبوتنيك”، في آذار الماضي، عدم وجود إحصائيات دقيقة للمتعاطين، لكنها أشارت إلى أن أعدادهم في تزايد، خاصة بين الشباب وطلاب الجامعات والمدارس، معتبرة أن الظاهرة دخيلة على المجتمع السوري ويعود سببها إلى الحرب التي تسببت في تهريب المخدرات إلى داخل سوريا.

وفي 27 من آذار الماضي، قال قاضي محكمة الجنايات، ماجد الأيوبي، لصحيفة “الوطن” المقربة من النظام، إن ظاهرة تعاطي المخدرات ازدادت في الآونة الأخيرة وخاصة بين طلاب الجامعات والمدارس، الذكور والإناث، وكشف عن بلوغ نسبة متعاطي المخدرات بين الشباب 60% من الدعاوى المنظورة أمام القضاء، الأمر الذي وصفه بـ “سابقة نادرة”.

ووفق إحصائية صادرة عن وزارة الداخلية، في حزيران الماضي، ففي العام الحالي (2018) تمت إحالة 3329 شخصًا إلى القضاء بتهم التعاطي والمتاجرة، في حين تم ضبط 679.740 كيلو غرام من الحشيش المخدر، وأكثر من مليون و875 ألف حبة مخدرة، و21.323 كيلو غرام من القنب الهندي، و18 كيلو غرامًا من مواد أولية لصناعة المخدرات.

ونتيجة هذا الواقع تدور تساؤلات حول مصدر المواد المخدرة وطريقة وصولها إلى يد الشباب في ظل حملات النظام الأمنية، وسط اتهامات لشخصيات من النظام و”حزب الله” اللبناني بالوقوف وراء ترويجها.

وزير الداخلية في حكومة النظام، محمد الشعار، قال في حزيران الماضي إن “سوريا تعد بلدًا نظيفًا من زراعة وإنتاج وتصنيع المخدرات بشتى أنواعها، وتصنف عالميًا بأنها بلد عبور للمواد المخدرة بحكم موقعها الجغرافي”.

وبحسب مصدر مطلع على عمليات تهريب المخدرات (طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية)، قال لعنب بدي إن “الحشيش والحبوب المخدرة تصل من مناطق حزب الله في البقاع اللبناني، وتدخل إلى مناطق النظام عبر طريقين، الأول من قبل شخصيات تابعة للحزب والدفاع الوطني ودرع القلمون التابعين لقوات الأسد، والثاني عن طريق تهريبها عبر الحواجز المنتشرة على طول الطريق الذي يسلكه المهربون من حمص وريفها والقلمون الشرقي”.

وأضاف المصدر، “كلفة المرور على الحواجز خمسة آلاف دولار أمريكي، وهو ما يسمى (فتح طريق)، إذ يدفع التاجر المبلغ إلى الحاجز مقابل فتح الطريق لساعات معينة ومرور السيارة دون تفتيش”.

وتعتبر منطقة جرمانا بالقرب من دمشق “وكرًا ومقرًا للمخدرات والتسليم بين التجار”، بحسب المصدر، الذي أشار إلى أن البضاعة تصل إلى تجار كبار (الراس الكبير) في جرمانا قبل توزيعها وتسليمها إلى تابعين له، مشيرًا إلى أن سعر كيلو الحشيش يبلغ 175 ألف ليرة سورية، في حين يبلغ “مشد الحب” (كبتاغون) (200 حبة) نحو 30 ألف ليرة سورية، وتباع الحبة الواحدة (يطلق عليها اسم العدسة أو أم هلالين نسبة إلى وجود هلالين عليها) بسعر ألف إلى 1500 ليرة سورية.

حشيش و”كبتاغون” في ريف حلب

شهدت مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي في أثناء سيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية” عليها وعقب دخول فصائل “الجيش الحر” إليها، عام 2016، رواجًا لتجارة الحشيش والحبوب المخدرة، عن طريق تجار كان عملهم لا يقتصر على منطقة بعينها بل بعملية عابرة للحواجز العسكرية المنتشرة على الأرض.

ويقول القائد العام لـ “الشرطة الوطنية”، اللواء عبد الرزاق أصلان، إن المواد المخدرة “يتم تناقلها عبر أشخاص يروجون لها في مناطق الريف الشمالي، ورصدت قوات الشرطة في اعزاز بؤر توزيع”، متهمًا النظام و”مجموعات تابعة لداعش وPKK” بالترويج لها والتشجيع على استهلاكها.

وأشار قائد الشرطة في حديث سابق لعنب بلدي إلى “مخابئ سرية وسيارات ووسائط نقل جماعية وفردية، تتم من خلالها عمليات نقل المخدرات، بعد إخفائها بين منتجات أخرى لا تلفت الانتباه، إضافةً إلى تهريبها عبر الزوارق عن طريق نهر الفرات بحجة صيد الأسماك”.

ومنذ مطلع عام 2017 حتى شهر تشرين الثاني 2018 لم تنقطع الضبوطات التي أعلنت عنها الفصائل العسكرية في ريف حلب، بينها مدينة الباب في 18 من تشرين الثاني، إذ قالت “قيادة الشرطة والأمن العام” في الباب عبر صفحتها الرسمية في “فيس بوك”، إن قسم “مكافحة المخدرات” التابع لها ألقى القبض على أحد المتهمين بتجارة “المخدرات” وترويجها، وصادر كمية كبيرة منها.

وأضافت قيادة الشرطة، أنها أجرت مع المتهم تحقيقًا وستقدمه إلى القضاء مع المواد المصادرة أصولًا لـ “استكمال التحقيقات”، راجيةً من الأهالي التعاون مع قوى الشرطة في مدينة الباب، لـ “تعقّب وإلقاء القبض على مروجي ومتعاطي المخدرات.”

وتبعت الحادثة المذكورة أخرى مشابهة، قالت تركيا بشأنها إنها ضبطت سيارة إسعاف في ولاية كلّس، وبداخلها 20 كيلو غرامًا من الحشيش، مضيفةً في بيان نقلته وسائل إعلام تركية أن السيارة قادمة من معبر “çobanbey” التركي المقابل لمعبر الراعي على الطرف السوري.

وبحسب قائد الشرطة، “تدخل المواد المخدرة عبر الطرق الفاصلة بين مناطق الريف الشمالي المحرر ومناطق ميليشيا قسد من جهة، ونظام الأسد من جهة أخرى، إلى جانب كميات مخزنة قبل انتشار قوات الشرطة في المنطقة، تعود إلى مخلفات مرحلة الفوضى التي سادت في وقت سابق”.

لكن مصدرًا عسكريًا في ريف حلب (طلب عدم نشر اسمه لأسباب أمنية) قال لعنب بلدي إن “شخصيات منضوية في الفصائل العسكرية العاملة في ريف حلب الشمالي تتولى عملية إدخال هذه المواد لقاء مبالغ مالية”.

كما أن “الحواجز الأمنية المنتشرة على الطرق الرئيسية في المنطقة، لها دور في هذه التجارة عن طريق التسهيلات وغض النظر عن الكميات التي تدخل بشكل أساسي من مناطق سيطرة الأسد ضمن الأدوية التي تحتاجها صيدليات المنطقة”.

إلى جانب التجارة والتهريب، كانت فرقة “السلطان مراد” أحد فصائل “الجيش الحر” العاملة في المنطقة قد ضبطت، مطلع حزيران 2017، أراضي مزروعة بالحشيش من نوع “القنب” في قرية الجطل التابعة إداريًا لمدينة منبج، بمساحة دونم واحد زرعها أحد النازحين في المنطقة.

وقال قائد “الشرطة الوطنية” حينها، إنه “تم رصد حقل على ضفاف الفرات مزروع بالقنب الهندي (الحشيش)، ليتم إتلافه بشكل كامل، والاستدلال على المزارعين وتقديمهم للقضاء، مضيفًا أن “قوات الشرطة لديها أقسام أمن جنائي موزعة في كل المناطق مختصة بمتابعة هذا الملف بشكل دقيق، وخلال فترة ليست ببعيدة سيتم الحد من هذه الظاهرة”.

ومن وجهة نظره، فإن “النشاطات المشبوهة ما زالت حتى اللحظة ضمن إطار النشاطات الفردية من قبل أشخاص ضعيفي النفوس ومجندين لجهات خارج المنطقة، للقضاء على التركيبة المجتمعية فيها”، معتبرًا أن “هذه الظاهرة لم ترقَ إلى مستوى الجريمة المنظّمة”.

ويعزو الناشط الإعلامي، الشاب علي الأحمد، من بلدة دابق شمالي حلب، انتشار المخدرات والحشيش في المنطقة إلى “ضعف الوازع الديني لدى أغلب الشبان، إلى جانب ضيق الأراضي المسيطر علها والمساحات الضيقة، إذ غدت المنطقة شبة محاصرة بين قسد وقوات الأسد”.

وطالب الفصائل العسكرية العاملة في المنطقة بـ “فرض أشد العقوبات على متعاطي الحشيش والمخدرات، كونها مسؤولية الفصائل والشرطة”.

ومن وجهة نظر اللواء عبد الرزاق، يعود السبب الرئيسي لانتشارها في هذه الفترة إلى أسعارها الرخيصة، المدعومة من قبل جماعات “مناوئة للثورة”، إضافةً إلى “إدمان شريحة من المواطنين عليها خلال فترة الانفلات الأمني، وغياب الجهة الرقابية آنذاك”.

الرقة.. ترويج وتعاطٍ رغم قبضة “قسد” الأمنية

بالانتقال إلى المناطق التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) حل تعاطي وتجارة الحشيش والمخدرات كظاهرة أساسية توسعت مع إحكام السيطرة على معظم المناطق من يد تنظيم “الدولة الإسلامية”، والذي شهدها أيضًا في أثناء سيطرته على مناطق شمال شرقي سوريا، وخاصة في مدينة الرقة ومحافظة دير الزور.

ومع قلة المعلومات الدقيقة المرتبطة بالظاهرة في شمال شرقي سوريا، سلطت تقارير إعلامية سابقة الضوء عليها، وتحدثت بشكل أساسي عن انتشار زراعة الحشيش في مناطق تل أبيض وعين العرب (كوباني) والمناطق المحاذية لنهر الفرات، تحت عين القوات الكردية، والتي تتقاضى جزءًا من المردود الذي تنتج عنه.

ويقول مصدر مقرب من “قسد” لعنب بلدي، إن زراعة الحشيش والخشخاش راجت في أثناء سيطرة تنظيم “الدولة” على الرقة، في عام 2013، وفي السنوات التي تبعتها.

ويضيف المصدر (طلب عدم نشر اسمه الحقيقي لمخاوف على سلامته) أن المناطق التي اشتهرت بزراعتها هي العكيرشي بريف الرقة الجنوبي، والرقة السمرة بالريف الشرقي، وسلوك بالريف الشمالي.

وبحسب المصدر، “شهدت زراعة الحشيش في الرقة رواجًا كبيرًا أيام حكم التنظيم، كون الحشيش يسهل إخفاؤه، وقد انخفض سعره بعد انفتاح الحدود مع تركيا والتي تشتهر بسوقها المفتوح وسهولة التهريب، أما في أثناء سيطرة “قسد” فيشير المصدر إلى أن “ترويج الحشيش انخفض بسبب عودة الخمور إلى الأسواق”.

لا يقتصر الأمر على ما سبق، بل تشهد محافظة الرقة رواجًا للأدوية المخدرة ومسكنات العصب المركزي، ويوضح المصدر أنه ورغم محاولات عدة من قبل لجنة الصحة في “المجلس المدني للرقة” ومنع الصيدليات من بيع الأدوية المخدرة تحت طائلة الإغلاق والعقوبة، لا يزال مهربو الأدوية المخدرة يروجون لبيعها لكن بـ “السر”.

عضو في القوات الموالية للنظام السوري يدخن سيجارة في بلدة الرابية – كانون الثاني 2017 – (رويترز)

دير الزور.. “حبوب” تباع في صيدليات

تخطت الظاهرة حدود محافظة الرقة، وامتدت إلى المناطق الأخرى التي تسيطر عليها “قسد” في شمال شرقي سوريا، وصولًا إلى مدينة دير الزور، التي يسيطر النظام السوري على جزء منها.

ويقول الناشط الإعلامي، سلامة الحسين، الموجود في دير الزور وعضو منصة “فرات بوست” الإعلامية، إن مناطق النظام ومناطق “قسد” تشهد انتشارًا واسعًا للمخدرات، لكن الأخيرة هي الأكثر بسبب الكثافة السكانية، بينما مناطق النظام تشهد قلة في عدد السكان والسبب هو الدمار، إضافة إلى عمليات الاعتقال.

ويوضح الحسين لعنب بلدي أن انتشار المخدرات في مناطق “قسد” يتم عبر ما يسمى بـ “المروجين”، وهم أشخاص مدعومون من قياديين في القوات الكردية، ويعملون على بيع الحبوب والمخدرات البودرة إلى المراهقين “عن طريق الحبة أو السيجار والدخان”.

وتتنوع طرق بيع وانتشار الحبوب المخدرة، ولا تقتصر على التناقل من أشخاص إلى آخرين في أماكن معينة، بل انتقلت إلى الصيدليات التي تعمل على بيع حبوب “الترامادول والكبتاغون”، لكن بشكل غير علني وعشوائي.

وتعتبر مدينتا منبج والحسكة المصدر الأساسي للحصول على الحبوب المخدرة، ويشير الناشط إلى أن ضباطًا في “قسد” يسهلون الطريق أمام التجار، كما يقوم بعضهم بحمل المواد المخدرة بسياراتهم، كي لا تتعرض للتفتيش على الحواجز.

وحاولت عنب بلدي التواصل مع “قسد” للوقوف على المعلومات المذكورة، إلا أنها لم تتمكن من ذلك، وكانت الذراع الأمنية لـ “وحدات حماية الشعب” (الكردية) “أسايش” أعلنت مرات عدة عن ضبط كميات من الحبوب المخدرة، كانت في طريقها إلى المناطق التي تسيطر عليها “قسد”.

وفي آب 2018، أعلنت “أسايش” إلقاء القبض على تاجري “حشيش” في محافظة الحسكة، وقالت عبر صفحتها في “فيس بوك” إن حاجزًا لعناصرها عند مدينة رأس العين في الحسكة، ألقى القبض على شخصين كانا ينويان تهريب “الحشيش” بغرض التجارة بالمحافظة.

وسبقت الحادثة أخرى مشابهة، في تموز 2018، وقالت “أسايش” حينها إنها ألقت القبض على تاجر للحبوب المخدرة في ريف بلدة تل حميس، بحوزته 3000 حبة مخدرة من نوع “كبتاغون”.

وبحسب الناشط الإعلامي، يختص “مكتب الجريمة المنظمة” التابع لـ “قسد” بضبط المواد المخدرة، والذي يعمل على حجز من يعمل بتجارة الحبوب لمدة لا تتجاوز عشرة أيام، دون عقوبات أوغرامات مالية.

ويشير إلى أن بيع الحبوب المخدرة في الصيدليات جاء بعد توجه الأشخاص من غير حاملي شهادات الصيدلة إلى العمل فيها، وذلك بعد التدريب لفترة مؤقتة، معتبرًا أن “الكثير من الشباب اتجهوا إلى العمل في الصيدليات، والتي تحولت لبؤر بيع الحبوب بعيدًا عن العمل الإنساني واحترام المهنة”.

لا يختلف الوضع في مناطق سيطرة النظام السوري بمدينة دير الزور عن مناطق “قسد”، لكنه يتميز بالطريقة التي تدخل بها الحبوب المخدرة وطريقة توزيعها.

ويقول الحسين إن “الفرقة الرابعة هي الطرف المسؤول عن إدخال الحبوب والحشيش إلى مناطق سيطرة النظام (…) تنقل المخدرات في أثناء تنقل قوات الأسد من دير الزور إلى دمشق أو إلى مناطق أخرى ‏عن طريق البر أو الجو”.

ويوضح أنه تم إلقاء القبض في الفترة الأخيرة على صيادلة في مناطق النظام يقومون ببيع الحبوب وبـ “الجرم المشهود مع دلائل”، وتمت مصادرة تلك المواد المخدرة الممنوعة.

فراس الفراتي ناشط في “مكتب دير الزور الموحد”، قال لعنب بلدي إن “المخدرات تأتي من لبنان على شكل حبوب وبودرة، ويتسلمها أشخاص يقومون بترويجها مستهدفين بشكل أساسي المدارس الثانوية والدوائر الحكومية عن طريق أشخاص يعملون في المدارس والدوائر”.

ويضيف أن الحبوب تروج بكثرة في الصيدليات وتباع بأسعار من 250 ليرة حتى 1000 ليرة سورية، للحبة الواحدة.

وبحسب الناشط، كانت الحبوب المخدرة تهرب في الأيام الماضية من مناطق النظام نحو مناطق “قسد”، لكن الأخيرة شنت حملة، وأغلقت جميع المعابر المائية للحد من تهريبها باتجاه مناطقها، وأغلقت المعبر البري لفترة وجيزة، قامت خلالها بتجهيز غرف تفتيش.

وتحدثت وزارة الداخلية في حكومة النظام السوري، في 22 من تشرين الثاني 2018، عن ندوة توعوية أقامتها قيادة شرطة دير الزور بالتنسيق مع مديرية الثقافة في كلية الآداب والعلوم الإنسانية حول المخدرات وآثارها السلبية على المجتمع.

وأشارت الوزارة عبر “فيس بوك” إلى أن الندوة كانت بحضور كل من أحمد العلي مدير الثقافة في دير الزور، وأكرم الجوري معاون مدير الصحة، والعقيد ماهر إبراهيم رئيس فرع مكافحة المخدرات في دير الزور.

ما الفرق بين الحشيش والكبتاغون؟

يعتبر القنب الهندي (الحشيش والماريجوانا) من أكثر المخدرات تعاطيًا وانتشارًا على الصعيد العالمي، ووفق تقرير المخدرات العالمي الصادر في أيار 2017، فإن عدد المتعاطين في العام 2015 لمادة القنب بلغ 183 مليون شخص، في حين بلغ عدد المتعاطين للأمفيتامينات والمنشطات (كبتاغون) 37 مليونًا.

والحشيش هو منتج من نبات القنب الهندي الذي تنشط زراعته في المناطق الاستوائية والمعتدلة، ويستعمل بطرق مختلفة، إما بالمضغ أو عن طريق التدخين، ويعتبر من أكثر المخدرات، ذات التأثير النفسي، انتشارًا في العالم بسبب رخص ثمنه وسهولة تعاطيه.

ويحتوي الحشيش على العديد من المواد الكيماوية، لكن أهم مادة فيه هي رباعي هيدرو كانابينول، والتي تؤثر على الإفرازات العصبية في الدماغ وتتسبب في مؤثرات عقلية، ما يؤدي عند تعاطيه إلى تنشيط مفرط لأجزاء الدماغ ما يسبب الشعور بالنشوة لدى الشخص المتعاطي، وإصابته بنوبات ضحك مفرطة.

في حين تعتبر حبوب الكبتاغون من مشتقات مادة الأمفيتامين المخدرة والمنبهة للجهاز العصبي ما يؤدي إلى منح متعاطيها نشاطًا زائدًا في الجسم إذ تقل الحاجة للنوم، وهو ما يدفع سائقي الشاحنات على طريق السفر إلى تعاطيها، كما تعتبر الحبوب مقويًا جنسيًا بسبب شعور المتعاطي بجنون العظمة، بحسب ما قال الدكتور أكرم خولاني، المتخصص في طب الأسرة، لعنب بلدي.

رجل يفر من مدينة منبج يدخن سيجارة بعد وصوله إلى المناطق التي استولت عليهاقوات سوريا الديمقراطية – 2016 (رويترز)

 بين أربع جهات..

سوريا ممر تجارة المخدرات الإقليمية

مع تقلص القبضة الأمنية في مواجهة عمليات تهريب المواد المخدرة إلى سوريا ومنها، تزايد عدد الشبان السوريين الذين يعملون كمهربين يجنون أرباحًا لا توفرها مهن أخرى.

محمود يبلغ من العمر 27 عامًا، وهو لاجئ سوري في لبنان يقيم حاليًا في بعلبك بمنطقة البقاع على الحدود اللبنانية- السورية، يعمل على نقل المخدرات ما بين لبنان وسوريا، سواء كانت مواد أولية أو نبات القنب (الحشيش) أو حبوب الكبتاغون، وقد تم الوصول إليه عبر سلسلة من أصدقائه، ووافق على التصريح لعنب بلدي مقابل عدم نشر اسمه أو أي معلومات عنه.

وخلال حديثه، أفصح محمود عن آلية عمله في لبنان حيث مكان إقامته، وقال، “أقوم أنا وثلاثة من أولاد عمومتي بنقل حمولات من لبنان إلى سوريا وبالعكس، من سوريا أقوم بإدخال كميات من مواد كيماوية ومنها الإنفيتامين الذي يعد أساس حبوب الكبتاغون، بينما أنقل من لبنان إلى سوريا عشرات الكيلو غرامات من الحشيش ومئات حبوب الكبتاغون”.

وأضاف محمود أنه يحصل على مبلغ قدره ألف دولار أمريكي، يتقاسمه مع أبناء عمومته مقابل نقل البضاعة عبر الطرق الوعرة لجبال القلمون وتحديدًا قبالة بلدة عسال الورد السورية، مضيفًا أنه يسلم البضاعة “للمطب” (مصطلح لمنطقة ترانزيت تسليم البضاعة لناقل آخر).

وحول الفائدة المادية من عمله، قال محمود، “لا يقل دخلي الشهري عن 3000 إلى 4000 دولار في بداية الخريف حين موسم حصد الحشيش، ولا يقل عن 2500 إلى 3000 دولار شهريًا في باقي العام”.

صالح، أحد أبناء عمومة محمود، الذي يقيم في منطقة عسال الورد ويتردد خلال عمله بالتهريب إلى لبنان، أكد لعنب بلدي أنه “خلال الأحداث في سوريا باتت منطقة حسياء الصناعية تضم عددًا كبيرًا من مكابس حبوب الكبتاغون التي يسهل أيضًا وضعها ضمن حمولات تجارية ونقلها بين المناطق والمحافظات”.

وتابع صالح، “وجود معامل الصناعات الكيماوية في المدينة الصناعية بحسياء الواقعة جنوب حمص والموازية لجبال القلمون والحدود اللبنانية، يجعل من التغطية على المواد الأولية للمخدرات أسهل بكثير”.

أبو نايف (اسم مستعار بناء على طلبه) من ريف حمص الشرقي، معروف في تجارة المخدرات منذ عام 2008، حين كان في سوريا، بحسب ما أخبرنا بعض سكان الريف، واستمر في العمل من لبنان بسبب علاقته مع تجار من بعلبك والهرمل اللبنانيتين.

شرح أبو نايف، خلال محادثة معه عبر “فيس بوك” باستخدام اسم وهمي، كيفية تهريب المخدرات وكيف أن لسوريا دورًا أساسيًا خاصة ما بعد عام 2011 واندلاع  الأحداث.

بحسب “أبو نايف”، فإن غالبية تجار المخدرات قبل الثورة هم عشائريون لكون التاجر يحتاج نفوذًا أكثر والعشيرة بأعداد شبابها هي من توفره، كما لا يخفي أبو نايف دور العلاقات بشخصيات في الدولة في ذلك.

يقول أبو نايف إنه بعد خروجه إلى لبنان عاود العمل مرة أخرى بعد أن توقف مع بدايات 2011، وأعاد التواصل مع “شركاء له” في كل من السعودية والكويت، ومع آخرين باتوا في أوروبا وتركيا.

يضيف التاجر، “المواد الأولية تأتي من إيران إلى سوريا وصولًا للبنان، وإضافة إلى الوضع الأمني الذي وفر ملاذًا لمنتجي المخدرات، فإن صناعتها في سوريا ولبنان يسهل من عملية تصديرها نحو البلدان الأخرى”.

ويتابع، “عملية التهريب البرية تنطلق من سوريا نحو الأردن ومنها إلى دول الخليج، كما أنها تنتقل إلى تركيا ليعاد إرسالها لاحقًا عبر ميناء مرسين إلى موانئ دول الخليج وأحيانًا إلى بلدان شرق أوروبا”.

“كما يستخدم ميناء طرابلس البحري في نقل وتهريب المخدرات واستيراد المواد الأولوية القادمة أحيانا من أمريكا اللاتينية، إضافة إلى استخدام مطار بيروت من خلال تسهيل مرورها من ضباط المطار نحو الخليج لكونها أهم أسواق بيع المخدرات” وفق ما أكده التاجر.

وحول المبالغ التي يتم دفعها لقاء التهريب، يقول أبو نايف، “عشرة آلاف دولار تسهل نقل حمولة تقدر بـ 50 كيلو غرامًا من الحشيش أو 250 ألف حبة كبتاغون، وتقدر قيمة هذا الحمولة سواء من الحشيش أو حبوب الكبتاغون بنحو 100 ألف دولار أمريكي”.

 

 

خريطة تظهر طرق تهريب المخدرات من وإلى سوريا (عنب بلدي)

ماذا يعني الإدمان على الحشيش

يقول الطبيب أكرم خولاني، المتخصص في طب الأسرة، لعنب بلدي، إن الإدمان يبدأ بالإدمان النفسي وبهروب الشخص من الحالة لنفسية التي يمر بها إلى التعاطي، فيشعر بالنشاط والفرح والضحك، ما يدفعه إلى الاستمرار في التعاطي، فيصل إلى مرحلة التحمل وهي طلب جسمه للمادة المخدرة بكمية زائدة عما قبلها من أجل الوصول إلى حالة النشاط والفرح التي أحس بها في بداية التعاطي، وهناك يكون قد وصل إلى مرحلة الإدمان.

وتقسم الأضرار إلى قسمين، أضرار قصيرة المدى تنتج عن التعاطي غير المنتظم وهي اضطراب التركيز وضعف في الانتباه وتسرع في دقات القلب والشعور بالغثيان واحمرار العينين والهلوسة والانفصال عن الواقع، وإصابة المتعاطي بعدم المبالاة، وهذه الاضطرابات تزول خلال ساعتين أو ثلاث.

والقسم الثاني أضرار طويلة المدى عندما يصل الشخص إلى حالة الإدمان، تتفاقم هذه الأضرار وتصل إلى حالة من فقدان الذاكرة ونقص التركيز المستمر إضافة إلى نقص في الشهية والاكتئاب المستمر، كما يصبح لديه اضطراب في تقدير المساقات والزمن (يفكر الشخص أنه يقفز عشرة أمتار في حين هو يقفز قفزة عادية)، إلى جانب العجز الجنسي، وتقل لديه الاهتمامات والواجبات اليومية، ويصبح جل تفكيره كيف يؤمّن مادة الحشيش.

علاج الإدمان

يقوم علاج الإدمان على جزأين، الأول هو علاج معرفي سلوكي، بحسب خولاني، يتم بتوعية المتعاطي بالأضرار الناجمة عن التعاطي، إضافة إلى علاج الأسباب والضغوطات النفسية التي دفعته إلى التعاطي من أجل الهروب منها.

والجزء الثاني هو العلاج الكيماوي، ويتم إعطاء المدمن أدوية ومهدئات تخفف من أعراض الانسحاب (مرحلة طرد السموم من الجسم)، وهي نوبات عصبية شديدة وتوتر وأرق وغضب، تصيب الشخص بعد يومين من عدم التعاطي وتستمر لمدة أسبوع أو أكثر، وفي هذه الحالة يتم إعطاء مهدئات يكون تأثيرها مشابهًا لتأثير الحشيش أو الحبوب المخدرة تساعد في تخفيف آلام الانسحاب، قبل إيقافها تدريجيًا من قبل الطبيب قبل أن يدمن الشخص عليها.

English version of the article

مقالات متعلقة