“مزرعة الحيوان”.. ثورة أصبحت بحاجة إلى ثورة

tag icon ع ع ع

“جميع الحيوانات متساوية، لكن بعضها أكثر مساواة من غيرها”، هذه الاستعارة المبتكرة التي رسمها الكاتب جورج أورويل، في روايته العالمية “مزرعة الحيوان”، قدمت هجاءً ساخرًا ونقدًا لاذعًا للأنظمة الشمولية والظلم السياسي والحكم الجائر، الذي تحتكره فئة قليلة على حساب المجتمع كله.

وبفهم عميق للواقع انتقد النفوس البشرية التي تتحول هي أيضًا لتفعل ببني جلدتها ما كانت تستنكره من قبل، ولتثبت أن بعض الضعفاء المقهورين يظلون ضعفاء.

لا نجد كاتبًا في الأزمنة الحديثة، تحدث عن الاستبداد السياسي كما فعل جورج أورويل، الصحفي والروائي البريطاني، الذي كتب في النقد الأدبي والشعر الخيالي والصحافة الجدلية.

أشهر رواياته كانت “1984” و”مزرعة الحيوان”، التي نشرت في إنكلترا عام 1945، عندما كانت المملكة المتحدة في تحالف مع الاتحاد السوفييتي، ووقتها حظي ستالين (القائد الثاني للاتحاد السوفييتي الذي استلم الحكم في منتصف عشرينيات القرن الماضي) بتقدير كبير لدى الشعب البريطاني بسبب معاهدة بين الجانبين، ما أثار حفيظة أورويل، وهذا ما أكده في إحدى رسائله بأن رواية “مزرعة الحيوان” كانت “لمواجهة ستالين”.

صنفت مجلة”Time” الرواية من بين أفضل 100 كتاب باللغة الإنكليزية، وكان ترتيبه 31 في قائمة “Modern Library” لأفضل روايات القرن العشرين.

وفازت الرواية بجائزة “هوجو” بأثر رجعي عام 1996، كما أنها مدرجة في مجموعة “كتب عظيمة في العالم الغربي”.

وهي من روايات الأدب “الديس توبي” الخالدة (عكس المدينة الفاضلة).

تعتبر الرواية إسقاطًا لأحداث ما قبل عهد ستالين وخلاله، ممثلة بالثورة الروسية وما بعدها.

بقصة وهمية مكونة من عشرة فصول، للحيوانات الموجودة في مزرعة السيد جونز التي ثارت عليه وعلى طغيانه واستغلاله لها، وما يتبعها من مخاطر تؤدي إلى فساد الثورة على أيدي قادتها في حال لم يتم الانتقال إلى حكومة الشعب.

تُزرع أفكار الثورة لدى الحيوانات المجتمعة جميعها لسماع ميجور الخنزير العجوز، الذي تكلم عن حلمه بعالم تعيش فيه الحيوانات بحرية وسعادة، وعلمهم النشيد الثوري.

وقد أصبح خطابه بعد موته “مذهبًا حيوانيًّا” تم نشره بين جميع الحيوانات.

تحقق الثورة في البداية نجاحها، بالتخلص من السيد جونز واستغلاله، وتضع الحيوانات لنفسها سبع وصايا كقانون يجب الالتزام به.

بدايةً “كل من يمشي على قدمين هو عدو”، وتوصي أخيرًا بأن “كل الحيوانات متساوية في الحقوق والواجبات”.

غير أن الخنازير “الثائرة” تستأثر بالسلطة، مبررةً ذلك بأنها أكثر ذكاءً من بقية الحيوانات، وتتخذ من نابليون قائدًا لها، في بيئة تسيطر عليها الفوضى والجهل.

يثبت نابليون أنه قائد جائع للسلطة، يسرق حليب الأبقار وثمار التفاح لنفسه وللخنازير الأخرى، ولم يلبث أن يجعل من سكويلر، المتحدث الإعلامي باسمه، هذا المتحدث البارع في ”التطبيل“ وتقديس نابليون وأعماله، والهجوم على معارضيه.

ينشأ بين نابليون وخنزير آخر اسمه سنوبل خلاف لاقتراحه بناء طاحونة هوائية لتوفير الكهرباء، ويعارض نابليون فكرته بشدة، ويتهمه بعمالته لصالح الإنسان ويقوم بطرده من المزرعة، بواسطة كلابه الشرسة.

مثلت الرواية جميع أفراد المجتمع في أثناء الثورات وبعدها، بدءًا من الخنازير المستبدين بالسلطة، والأحصنة ذات البنية القوية المخلصة في عملها، والخائفين الباحثين عن إمتاع أنفسهم، والطبقة الكادحة الأولى في المعارك ضد البشر من المزارع الأخرى.

الرغبة في التغيير تتبعها الفوضى، والتحكم في عقول الشعوب المقهورة لا يحتاج إلا لخطابات براقة ووعود من السياسيين.

وتنتهي بتصديق شريحة كبيرة من المجتمع أي شيء يقال لها، هنا تظهر قوة الإعلام والحملات الدعائية السياسية “البروباغندا”.

حُظرت الرواية سابقًا في الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة وكينيا.
وفي عام 2002 بررت الإمارات العربية منعها باحتوائها نصوصًا تتعارض مع الدين الإسلامي.
وإلى الآن، لا تزال الرواية ممنوعة في كوبا وكوريا الشمالية.

تعرض الرواية فكرة فساد الثورة على أيدي قادتها، وتعد أيضًا رواية تحذيرية من خطورة الحركات السياسية الثائرة، إذا انحرفت عن مسارها فيما بعد، لتصبح ديكتاتورية للحفاظ على سلطتها.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة