مهجرون “مظلومون” في عفرين بسبب “فوضى الإحصاء”

camera iconعودة المدنيين إلى منازلهم بعد تأمينها من الألغام في مدينة عفرين – 18 آذار 2018 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عفرين- معتز الحسيني

أثارت قضية توزيع المساعدات الإغاثية في منطقة عفرين جدلًا واسعًا منذ سيطرة “الجيش الحر” عليها، فما بين فوضى الإحصاء والاتهامات بعدم عدالة التوزيع يبحث السكان، وغالبيتهم من المهجرين، عن وضع مريح يحفظ لهم كرامتهم ويقدم يد المساعدة ولو بشكل بسيط.

حسين، مواطن مهجر من دير الزور ويقطن في مدينة عفرين (طلب عدم ذكر اسمه كاملًا)، يقول لعنب بلدي إنه لم يحصل على حصة إغاثية من المنظمات العاملة في المنطقة حتى اليوم، رغم وجود مركز لتوزيع المساعدات قبالة منزله.

ويضيف أن عدم حصوله على المساعدات يأتي بسبب “عدم عدالة التوزيع” من قبل الأشخاص المسؤولين عن ذلك، وهو ما أكدت عليه فاطمة، من سكان مدينة عفرين الأصليين، وتقول إنها لم تحصل على الإغاثة أيضًا، في حين استلم عدد من الأشخاص “ميسوري الحال” حصصًا لأكثر من مرة.

وفق الإحصائية الأخيرة التي نشرها فريق “منسقو الاستجابة”، في 9 من تموز الماضي، فإن عدد العائلات المقيمة في عفرين، منذ آذار الماضي، بلغ 28461 عائلة، من ضمنها 21352 ألف عائلة من السكان الأصليين موزعين كالتالي: ناحية عفرين 20 ألفًا، ناحية شران 115 عائلة، ناحية راجو317 عائلة، ناحية معبطلي 250 عائلة، ناحية بلبل 20 عائلة، الشيخ حديد 650 عائلة، بينما لا تزال نواحي بفيليون وجنديرس قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الأهالي الأصليين.

وبلغ عدد العائلات النازحة من دمشق وريفها 6863 عائلة موزعة على ناحية عفرين 5800 عائلة، وناحية راجو 280، وناحية معبطلي 420، وناحية بلبل 83، وناحية بفيلون 30، وناحية جنديرس 250، وبقيت ناحيتا شران والشيخ حديد قيد الإحصاء بالنسبة لعدد الوافدين إليها من مهجري ريف دمشق.

ووصل عدد المهجرين القاطنين في عفرين من ريف حمص إلى 246 عائلة موزعة على نواحي شران 79 عائلة، راجو 77، معبلطي 30، الشيخ حديد 60، بينما لا تزال كل من نواحي عفرين وبلبل وبفيلون وجنديرس قيد الإحصاء.

كيف توزع المساعدات؟

تواصلت عنب بلدي مع عدد من المسؤولين الإغاثيين في عفرين، وقالوا إن المساعدات الإغاثية المقدمة إلى المنطقة توزعت بأسلوب المحاصصة بحسب عدد العائلات التي تسكن المنطقة، وقد تم إحصاء 25 ألف عائلة بشكل تقريبي من مختلف المحافظات السورية بالإضافة إلى المقيمين.

ويقول مازن عثمان (أبو خديجة)، ممثل المنطقة الشرقية في المكتب الإغاثي التابع للمجلس المحلي في عفرين، إن التوزيع تحدد بنظام المحاصصة بين المحافظات، لكن هذه العملية لا تحقق العدل.

ويضيف لعنب بلدي، “العدل أن يحصل الجميع على حصة إغاثية، لكن في الوقت الحالي يقدم عدد معين من الحصص، وتأخذ كل محافظة نسبتها فيحصل بعض السكان ولا يحصل آخرون بسبب قلة عدد الحصص، وفي بعض الأحيان لا تكون ثمينة، ما يسبب المشاكل مع العائلات المسجلة”.

ويوضح المسؤول الإغاثي أن بعض المحافظات لا تحصل عائلاتها على معونة بسبب عدم وجود قوائم، في حين أن البعض كان أكثر تنظيمًا، كمهجري الغوطة الشرقية، والذين شملهم الدعم بشكل كامل.

نقطة أخرى أشار لها عثمان، وكانت أحد الأسباب التي أفضت إلى عدم عدالة التوزيع وهي توزيع الحصص في الشوارع، الأمر الذي يؤدي إلى وصولها إلى غير المستحقين.

ويقول إنه تم التقدم في هذا الملف، في الأيام الماضية، و”مع انطلاقة العام الجديد سنكون وصلنا إلى درجة ممتازة من التنظيم تساعد على إنجاح هذا العمل الإنساني المهم”، وفق قوله.

فوضى إحصاء

تعتبر الإحصائية التي أصدرها فريق “منسقو الاستجابة” عن عدد سكان عفرين بعد دخول فصائل “الجيش الحر” إليها، في آذار 2018، عامة ولا توضح عدد مهجري كل منطقة لوحدها، إذ يوجد أشخاص من المنطقة الشرقية مسجلون في قوائم الغوطة الشرقية، وينطبق الأمر على بقية المناطق التي قدم منها النازحون.

وأدى ذلك إلى فوضى كبيرة في إحصاء السكان، كل بحسب منطقته، الأمر الذي انعكس على توزيع المساعدات الإغاثية، وحصول مهجري بعض المناطق على حصص أكبر من نظرائهم في المنطقة.

مكتب “شرق”، هو الممثل الإغاثي لأهالي دير الزور في عفرين تم إنشاؤه بعد السيطرة عليها، وتوافد أهالي دير الزور الهاربين من المعارك في المنطقة الشرقية.

ويقول مدير المكتب، عمر الجابر، “أهالي المنطقة الشرقية تعرضوا لأبشع أنواع الظلم حتى وصلوا إلى الشمال، لكن الأمر لم يتغير واستمروا على حالهم بسبب عدم تلقيهم الدعم المطلوب، على خلفية غياب الجهة التي تمثلهم، فكانوا يستثنون من المساعدات الإغاثية التي تصل إلى عفرين”.

ويضيف الجابر لعنب بلدي، “المساعدات الإغاثية شملت مرة واحدة على الأقل المسجلين لدينا، إضافة لكفالة اليتيم الشهرية والتي تقدم لـ 50 طفلًا، وتم تقديم مساعدات غذائية وشتوية وصحية”.

يقوم المكتب بمسح للعائلات المهجرة من المنطقة الشرقية، وهذه العملية تجري بشكل شهري، إذ تم توثيق 800 عائلة بجميع التفاصيل والحالات المرضية والأرامل والأيتام وتم تقديم الأسماء للجهات المانحة، بحسب الجابر.

وإلى جانب المنطقة الشرقية، يقول مسؤول المكتب الإغاثي لمحافظة حلب، أحمد معاوية، إن أهالي مدينة حلب الذين نزحوا إلى عفرين، يعانون أيضًا من “الظلم في توزيع الحصص الإغاثية”، لغياب الإحصائية الكاملة والدقيقة الخاصة بهم في المنطقة، رغم المدة الزمنية الطويلة التي مرت على تهجيرهم.

وتشابه أحوال مهجري حلب ودير الزور أهالي محافظة الحسكة القاطنين في عفرين، ويوضح مندوب مهجري الحسكة، الملقب بـ “أبو الحارث”، أن “أهالي الحسكة مسجلون بشكل متفرق، فمنهم مسجلون مع مهجري الغوطة أو مع دير الزور أو مع محافظات أخرى، والسبب عدم وجود مكتب يهتم بهم ويحصيهم ويقدمهم بشكل ملائم للمنظمات الإغاثية (…) بدأنا الآن بتنظيم أنفسنا وإجراء إحصائيات دقيقة لساكني عفرين من أهالي الحسكة”.

خطوات لتشكيل “هيئة عامة”

في إطار قضية توزيع المساعدات الإنسانية، اجتمعت لجان المهجرين لجميع المحافظات السورية، الأسبوع الماضي، في عفرين واتفقت على إنشاء هيئة عامة موحدة للمهجرين تقوم بتمثيل السكان من كل المناطق لزيادة التنظيم والعدل في التوزيع.

وحضر ممثلو كل من محافظات دمشق، وريف دمشق، وحلب، وحمص، وحماة، ودير الزور، والحسكة، وأجمعوا على تشكيل لجنة من خمسة أو ستة أشخاص لها رئيس واحد يقوم بإدارة الملف بشكل كامل والتفاهم مع المجلس المحلي لمدينة عفرين.

أبو راتب (طلب ذكر اسمه بهذه الصيغة)، رئيس مكتب مهجري ريف دمشق، يقول إن “إنشاء مؤسسة واحدة تمثل المهجرين بمدينة عفرين أصبح ضرورة ملحة”.

ويضيف لعنب بلدي أن غياب التنظيم والإحصاء الدقيق ينعكس سلبًا على الأهالي، فالمنظمات والجهات المانحة لا تجد قوائم إحصائية دقيقة، فإما أنها تبتعد عن العمل في عفرين أو توزع حسب تقديرها فتذهب الإغاثة إلى غير المستحقين أو تظلم محافظات لا توجد لديها بيانات عن سكانها القاطنين في المدينة.

ويوضح المسؤول الإغاثي، “نحتاج إلى رأس واحد يتحدث باسمنا، وقاعدة بيانات موحدة ودقيقة تشمل جميع المهجرين، حتى نشجع المنظمات على العمل، ونستطيع الضغط على الجهات التي تسيّر أمور المدينة بشكل فعال بما يسهل عملنا”.

عرقلة وتدخّل من الفصائل

بعد السيطرة على مدينة عفرين وعودة السكان المحليين وتوافد المهجرين إليها، لوحظ بشكل واضح تحجيم عمل المنظمات الإنسانية العاملة بمجال الإغاثة، وتم حصر توزيع الحصص الإغاثية، غير الكافية، بالمكتب الإغاثي في المجلس المحلي التابع لـ “الائتلاف السوري” المعارض.

ويقول محمد حسن، مسؤول المكتب الإغاثي في المجلس المحلي، “منذ بداية عمل المجلس وانطلاق المكتب الإغاثي وضعنا على عاتقنا تقديم المشاريع الإغاثية بشكل فعال على أن تطال جميع المستحقين في المدينة، حيث تم إحصاء العائلات المقيمة والوافدة وإصدار دفاتر إغاثية ووضع مندوب عن المكتب في كل حي يتم التوزيع من خلاله وإحصاء الوافدين الجدد”.

ويضيف الحسن، “قلة المنظمات العاملة في عفرين يرجع سببها إلى الحاجة للترخيص من تركيا، وبسبب قلة الخبرة بهذا المجال والبيروقراطية وغياب تنظيم المجلس في البداية، لكن الآن يتم تلافيها من خلال إحداث مكتب قانوني في المجلس المحلي بدأ بتسيير أمور ترخيص المنظمات”.

ويشير المسؤول الإغاثي إلى مشاكل أخرى عرقلت عمل المكتب، منها الصدام مع الفصائل العسكرية المسيطرة على المدينة، فقد “تم إغلاق المكتب الإغاثي أكثر من مرة بسبب عدم عدالة التوزيع بحسب زعم الفصائل، كما أنه حتى وقت قريب تمكنا من استلام مقر المكتب وبعض الأبنية التي تخدمنا كالفرن الآلي مثلًا”.

ويبحث المكتب الإغاثي حاليًا عن جهة مانحة حقيقية تقدم له الدعم، وبحسب حسن، “الأتراك يقدمون جزءًا من حاجة المكتب، لكن نحتاج إلى عدد أكبر من العمال إضافة إلى سيارات ومعدات لوجستية”.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة