سوريا نافذة الإمارات لمواجهة أزمتها الاقتصادية

camera iconأعمال الحفر في ماروتا سيتي من قبل شركة أمان دمشق- 1 كانون الأول 2018 (Marota city)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- مراد عبد الجليل

انطلاقًا من مبدأ أن السياسة والاقتصاد توأمان لا يمكن الفصل بينهما وأحدهما يكمل الآخر، كما يردد اقتصاديون، يمكن تفسير عودة دولة الإمارات العربية المتحدة إلى سوريا وإعلان افتتاح سفارتها في العاصمة دمشق، في 27 من كانون الأول الماضي، بعد قطيعة دبلوماسية استمرت لسنوات مع النظام بعد اندلاع الثورة ضده في 2011.

عودة الإمارات إلى سوريا، وإن كان ظاهرها سياسيًا لإعادة “تفعيل الدور العربي في سوريا، كونه أصبح أكثر ضرورة تجاه التغول الإقليمي الإيراني والتركي”، كما برره وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، لكنها قد تخفي وراءها أهدافًا اقتصادية تتجسد في حجز الشركات الإماراتية مقعدًا لها على طاولة إعادة الإعمار التي يروج النظام السوري لانطلاقها عبر إعلامه الرسمي والموالي لجذب المستثمرين.

استثمارات إماراتية ضخمة سابقة في سوريا

وسبق افتتاح السفارة عودة الشركات الإماراتية إلى السوق السوري للاستثمار، إذ بحث وفد من “شركة داماك العقارية الإماراتية”، التي تعتبر من أكبر الشركات العقارية في الشرق الأوسط والعالم العربي ويقع مقرها في دبي، في 20 من كانون الأول الماضي، مع شركتين سوريتين “مجموعة تلسا” و”شركة الديار الدمشقية” في فندق فورسيزونز بدمشق، سبل التعاون في مجال التطوير العقاري خلال المرحلة المقبلة.

كما نقل موقع “روسيا اليوم” عن مصادر وصفها بالمطلعة، في 26 من حزيران العام الماضي، عن اجتماع بين شركة “ماجد الفطيم” الإماراتية وموظفين في وزارة السياحة في حكومة النظام السوري لمعاودة تمويل وتنفيذ المشاريع المتعاقد عليها قبل الثورة.

وكانت الإمارات حاضرة في سوريا قبل الثورة باستثمارات كبيرة، إذ نجح النظام باستقطاب المستثمرين الإماراتيين، وتم الاتفاق على عدة مشاريع ضخمة أبرزها مشروع “البوابة الثامنة” في دمشق بإشراف شركة “إعمار” الإماراتية وتبلغ القيمة التطويرية للمشروع 500 مليون دولار، ومشروع “خمس شامات” الذي يعتبر المشروع السياحي الأكبر والأول في سوريا، وكان من المقرر إقامته في منطقة يعفور، لشركة “ماجد الفطيم” العقارية، بتكلفة مليار دولار.

إضافة إلى مشروع “مدينة بنيان” السياحية والعقارية في منطقة جبل الشيخ قرب مدينة قطنا بريف دمشق والتي يعود لشركة “بنيان الدولية” الإماراتية، وتم الاتفاق عليه في 2006، بخطة تنفيذ تصل إلى 12 عامًا بتكلفة تبلغ 15 مليار دولار، و”منتجع خليج ابن هاني” في اللاذقية وهو مشروع منتجع سياحي بتكلفة تبلغ 250 مليون دولار، لشركة “الديار القطرية”.

وفي تصريح لوزير تطوير القطاع الحكومي في الإمارات، سلطان بن سعيد المنصوري، في كانون الثاني 2008، بحسب التلفزيون السوري، قال إن حجم الاستثمارات الإماراتية كافة في سوريا بلغ 20 مليار دولار.

كما سبقت ذلك محاولة النظام السوري استقطاب الشركات الأجنبية للاستثمار من خلال إصدار قوانين تعطي ميزات كبيرة للشركات، وكان آخرها طرح المسودة الأولية لمشروع قانون الاستثمار الجديد الذي تعمل الحكومة على إقراره، في تموز الماضي، وبحسب المسودة التي اطلعت عليها عنب بلدي، فإن القانون يمنح المزيد من الإعفاءات الضريبية والجمركية للشركات، وتأمين أراض وعقارات مملوكة للدولة دون مقابل أو بأسعار مخفّضة للمشاريع الاستراتيجية، وعدم نفاذ القرارات أو التعاميم أو البلاغات الصادرة من الجهات العامة والتي يمكن أن تعيق تنفيذ المشروع أو استمرارية عمله.

أزمة اقتصادية في الإمارات

وتعاني الإمارات، وخاصة مدينة دبي، من أزمة اقتصادية نتيجة عدة عوامل، منها فرض الضرائب على عدد من السلع والخدمات وانخفاض الإيجارات في سوق العقارات وارتفاع معدلات التضخم، الأمر الذي أدى إلى إغلاق بعض مدارس الأجانب أبوابها في دبي، وشغور الشقق السكنية في وقت تبني فيه الشركات العقارية المزيد من الشقق، بحسب مجلة “إيكونوميست” البريطانية في تشرين الثاني الماضي.

وقالت المجلة، بحسب ترجمة “الجزيرة”، إن هناك مؤشرات متزايدة تنبئ بأن إمارة دبي على موعد مع المتاعب بسبب مجموعة عوامل منها تراجع مؤشر بورصة دبي، وتراجع أسعار الإيجارات إذ احتلت دبي ثاني أسوأ المراكز بين الأسواق العقارية عالميًا في 2017.

وقال مهندس معماري في الإمارات، يملك شركة في مدينة العين، لعنب بلدي، طلب عدم الكشف عن اسمه، إن الإمارات تعاني من أزمة كبيرة وخاصة للشركات الكبيرة، أما الصغيرة فهي متأثرة بالأزمة لكنها قادرة على الصمود بسبب قلة الأعباء المالية عليه، لعدم صرف الدولة على المشاريع بسبب حرب اليمن، مشيرًا في حديث لعنب بلدي إلى أن مستثمرين إماراتيين يبحثون عن سوق خارجي من أجل الاستثمار فيها.

كما تعاني الإمارات من ارتفاع معدلات التضخم المنعكسة بارتفاع تكاليف المعيشة والإقامة، وحتى الضرائب غير المباشرة فيها بسبب اكتفائها، ونتيجة ذلك لم تعد وجهة مغرية لاستثمار الأموال فيها، لذلك يرغب المستثمرون بالخروج منها والبحث عن بلاد تنمو اقتصاديًا وليس البقاء في بلد تعاني من تضخم عال يأكل أرباح وإيرادات الشركات بحسب المحلل الاقتصادي، يونس الكريم، الذي اعتبر أن سوريا يمكن أن تكون إحدى الدول التي يتوجه إليها المستثمرون، خاصة وأن هناك توجهًا عالميًا لإعادة إعمار سوريا بسبب موقعها المهم كونها طريق خط طاقة للأسواق العالمية، ما يؤدي إلى محاولة الإمارات لأن تكون شريكة في سوريا وتحويل دمشق إلى ملاذ ضريبي آمن مثل دبي.

وقال مجلة إيكونوميست في تقريرها إن مغامرات الإمارات الخارجية قد تصنع فرصًا للبلاد مثل السيطرة الإماراتية على موانئ في اليمن الأمر الذي يؤدي إلى فتح خطوط جديدة للتجارة، إضافة إلى علاقات بين الإمارات والنظام السوري قد تجلب لها عقودًا لإعادة الإعمار.

علاقات بين النظام السوري والإمارات

وستعمل الإمارات على تقوية علاقتها مع النظام السوري، بحسب الكريم، بسبب وجود علاقات مالية ضخمة بين الطرفين، إذ كانت الأموال السورية تذهب إلى الإمارات قبل الثورة بسبب الاستثمارات الضخمة لرجال أعمال مقربين من النظام.

واعتقد الكريم أن الميزان التجاري كان لصالح الإمارات بسبب الأموال السورية فيها، أما حاليًا فسيكون العكس، إذ سيعمل رجال الأعمال الإماراتيين وخاصة المقربين من النظام الإيراني على تنفيذ مشاريع في سوريا، سواء استكمال المشاريع القديمة الضخمة في ضواحي دمشق وريفها، أو عبر إسهامهم في تحويل دمشق لملاذ ضريبي آمن وإيجاد بنية تحتية متقدمة بسبب خبرتهم في ذلك.

وأشار إلى أن النظام السوري سيحاول تطوير علاقاته مع الإمارات لصالحه هذه المرة من أجل الاستفادة من خبرة دبي في إنشاء الحكومة الإلكترونية والبنية التحتية التي يحتاجها النظام لجعل دمشق واجهة استثمارية وملاذًا ضريبيًا آمنًا، إضافة إلى أن النظام يحتاج إلى الأموال الموجودة في دبي.

والملاذ الضريبي الآمن، هو فرض ضرائب منخفضة في بلد يتمتع بسياسة مالية وضريبية وأنظمة مصرفية وقوانين خاصة به، ويتعامل بمبدأ السرية التامة فيما يتعلق بهويات الشركات المسجلة لديه أو مالكيها أو حسابات زبائنها، الأمر الذي يجعلهم محميين من أي ملاحقات.

وترفض البلاد التي تعتبر ملاذًا ضريبيًا التعاون مع المنظمات الدولية المهتمة لملاحقة الأشخاص ضريبيًا، إضافة إلى رفض التعاون مع السلطات القضائية في الدول الأخرى، ما يجعلها محط إغراء للأثرياء ورجال الأعمال للتوجه إليها.

وتتميز البلاد التي تكون ملاذًا ضريبيًا بانفتاح مالي وعدم فرض أي قيود قانونية على دخول وخروج الأموال منها، لذا لا بد من بناء نظام مصرفي يسهل ويسرع الإجراءات الإدارية، وهذا ما يعمل عليه النظام السوري، بحسب الكريم.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة