عدنان بدر حسن.. مندوب حافظ الأسد لهندسة “الاتفاقيات التركية”

camera iconالرئيس السوري السابق حافظ الأسد وزعيم حزب العمال الكردستاني عبد الله أوجلان (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ضياء عودة

على الساحل الشمالي الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في مدينة أضنة التركية وقّع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد، في 21 من تشرين الأول 1998، بيد ممثله، اللواء عدنان بدر حسن “أقسى” اتفاقياته مع تركيا المعروفة بـ “اتفاقية أضنة”، والتي نصت على ترحيل زعيم “حزب العمال الكردستاني”، عبد الله أوجلان، من سوريا، وأعطت تركيا حق “ملاحقة الإرهابيين” في الداخل السوري حتى عمق خمسة كيلومترات، و”اتخاذ التدابير الأمنية اللازمة إذا تعرض أمنها القومي للخطر”.

اليوم يعود التاريخ إلى الوراء وتطرح الاتفاقية من جديد على لسان الرئيسين التركي، رجب طيب أردوغان، والروسي، فلاديمير بوتين، من مدينة موسكو، في ظرف يكاد يشابه ما مرت به العلاقات السورية- التركية في فترة التسعينيات، في أثناء التوتر الذي شاب العلاقة بين الطرفين وصولًا إلى التهديد العسكري من جانب تركيا، والذي صب في نهاية المطاف بتوقيع الاتفاقية.

لكن الاختلاف الذي يمكن التماسه بعد 22 عامًا هو الأطراف القائمة على الاتفاق ففي السابق أبرمت اتفاقية أضنة بين السفير أوغور زيال، معاون الأمين العام في وزارة الخارجية التركية، وعن الوفد السوري اللواء عدنان بدر حسن، الذي كان يشغل حينها رئيس شعبة الأمن السياسي في عهد حافظ الأسد، أما حاليًا فخرجت الاتفاقية إلى الواجهة محصورة بين الجانبين الروسي والتركي فقط، بعيدًا عن النظام السوري الذي اكتفى بتأكيده بعد ثلاثة أيام الالتزام بالبنود الموقع عليها سابقًا.

وبصرف النظر عن الأسباب التي استدعت الروس والأتراك لطرح الاتفاقية من جديد في سوريا بعد 22 عامًا من توقيعها، لا بد من الوقوف على شخصية اللواء حسن الذي يعتبر من “وحوش الثمانينيات”، والرجل الأمني البارز الذي انتدبه حافظ الأسد لتوقيع الاتفاقيات مع تركيا.

سياسي عسكري أمني

لا توجد معلومات دقيقة وتفصيلية تتيحها مواقع البحث عن اللواء عدنان حسن، والذي تغيب صورته أو التسجيلات الخاصة فيه كليًا، ويقتصر الحديث عنه على الأبحاث والكتب التي عمل عليها باحثون وسياسيون، وأبرزهم الباحث جمال الباروت وما رواه وزير الخارجية السابق، فاروق الشرع، في كتابه “الرواية المفقودة”.

ينحدر اللواء حسن من قرية المخرم الفوقاني في ريف حمص الشرقي، وشغل منصب لواء في “الجيش السوري”، وكانت إحدى مهماته تولي قيادة فرقة “المشاة الآلية التاسعة” في عام 1985، وبعد عامين عينه حافظ الأسد رئيسًا لشعبة الأمن السياسي ليحل محل أحمد سعيد الصالح الذي انتقل لإدارة الأمن الجنائي.

بقي حسن في منصبه كرئيس لشعبة الأمن السياسي حتى عام 2000 الذي شهد وفاة حافظ الأسد في شهر حزيران، لينتقل فيما بعد من العمل الأمني إلى العضوية في الفرع الإقليمي لـ “اللجنة المركزية لحزب البعث العربي الاشتراكي”، وبقي في ذلك المنصب حتى عام 2005 ليتقاعد عن العمل العسكري والسياسي والأمني الذي دخل فيه إلى جانب عدة شخصيات بارزة أبرزها “الثالوث”: رئيس جهاز الاستخبارات بهجَـت سليمان، ورئيس الاستخبارات العسكرية حسن خليل، ونائب الرئيس عبد الحليم خدّام، إلى جانب العماد علي دوبا الرئيس التاريخي لشعبة المخابرات العسكرية في سوريا، والذي كان على صلة وثيقة به.

في أثناء البحث عن شخصية عدنان حسن نجد أن اسمه اقترن وأدرج ضمن قائمة “الحرس القديم” لحافظ الأسد، والذي ميزه عن بقية الشخصيات الأمنية في نظام حكمه بجعله ممثلًا أساسيًا لتوقيع الاتفاقيات الدولية، وخاصة مع الجانب التركي الذي دخل معه بعداوات كبيرة بسبب دعم “حزب العمال الكردستاني” وإنشاء معسكرات تدريبية له داخل الأراضي السورية وفي منطقة وادي البقاع خلال “الوصاية” السورية على لبنان، وصولًا إلى مرحلة التطبيع بتوقيع الاتفاقية الشهيرة في أضنة، والتي تبعتها عدة خطوات “إيجابية” بين تركيا وسوريا بينها مشاركة الرئيس التركي الأسبق، أحمد نجدت سيزر، بجنازة حافظ الأسد في عام 2000، وزيارة بشار الأسد تركيا عام 2004، كأول رئيس سوري منذ الاستقلال في 1946.

حسن وأوجلان

لم يكن توقيع اتفاقية أضنة بشكل مباشر بين تركيا وسوريا بل دخلت مصر وإيران كطرف وسيط، إذ نقل رئيس جمهورية مصر حينها، حسني مبارك، ووزير خارجية إيران، كمال خرازي، المطالب التركية إلى حافظ الأسد، وكان على رأسها إخراج أوجلان من سوريا.

كتاب “الرواية المفقودة” يروي جانبًا من مذكرات فاروق الشرع، وقسمًا من شهادته على مراحل مفصلية من تاريخ سوريا، بينها 1988 بتوقيع الاتفاقية الأمنية السورية- التركية.

ويقول الشرع، “اتخذ حافظ الأسد في ضوء الوساطة المصرية أحد أقسى القرارات في حياته وهو ترحيل عبد الله أوجلان من سوريا، وكان الأسد يحبه شخصًا ويقدره كمقاتل من أجل الحرية، وتقرر أخيرًا على مضض إبعاده من سوريا”.

يحكي الشرع قصة إبعاد أوجلان من سوريا في عام 1998، وكيف أوفد الأسد اللواء عدنان بدر حسن، رئيس جهاز الأمن السياسي، إلى أوجلان الذي “وافق عن طيب خاطر على إبعاده من دمشق”.

وفي إحدى الشهادات التي كتبها الشرع تحدث فيها عن مشاعر أوجلان كما قالها اللواء عدنان حسن في أثناء زيارته لإبلاغه بقرار الخروج من سوريا، “زاد إعجابي بهذا الرجل (أوجلان) عندما أبدى تفهمًا تجاه طلب مغادرة سوريا، لأنه كما قال لا يقبل بأن يكون عبئًا على بلد قدم له الكثير، وأن أمنه الشخصي ليس أهم من أمن سوريا التي يحب”.

رغم المنصب البارز والهالة الأمنية الكبيرة التي ارتبطت بعدنان حسن في فترة التسعينيات، لم تعطِ أثرًا في أثناء السفر إلى تركيا لتوقيع الاتفاقية، إذ منعت تركيا أعضاء الوفد السوري من التواصل مع دمشق، بحسب رواية فاروق الشرع، الذي يقول في كتابه، “تمكنت السفيرة صبا ناصر رئيسة الوفد من التملص وأن تتصل بي، كان سؤالًا سريعًا، ماذا نفعل؟ إنهم يريدون في نص الاتفاق إدانة لحزب العمال الكردستاني؟ كان جوابي سريعًا هو أن تكون الصيغة (إدانة الإعمال الإرهابية الموجهة ضد البلدين من دون تسميات)، فنحن لا نستطيع أن ندين الأعمال الإرهابية بصورة مطلقة من دون تمييزها عن المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لأن ما يهم تركيا هو إدانة الإرهاب الموجه ضدها لا أكثر ولا أقل، ولا تستطيع أن تطلب أو تجادل أكثر من ذلك، وهذا ما تم بالفعل”.

وقعت اتفاقية أضنة وبعدها بمدة قصيرة تلقى أوجلان قبل مغادرته دمشق رسائل خطية من البرلمان اليوناني، عرضوا عليه استضافتهم في بلادهم، لكنه كان حذرًا في هذه الخطوة إلى أن التقى مسؤولًا يونانيًا في دمشق ليقنعه بالخروج.

غادر أوجلان إلى اليونان على متن طائرة ركاب سورية عادية بجواز سفر تركي واسم حركي، ومنها غادر إلى موسكو، وبعدها إلى إيطاليا التي ضغطت عليه للخروج، ليعود إلى اليونان التي أودعته في سفارتها في كينيا.

وفي شباط 1999 اتصل أوجلان هاتفيًا باللواء عدنان بدر حسن وأعلمه بشكوكه في أن العاملين بمنزل السفير اليوناني منعوه من إجراء أي اتصال هاتفي مع العالم الخارجي، بحسب رواية الشرع.

وبعد أيام من الأحداث المذكورة ادعت السلطات الكينية أن هناك طائرة بمطار العاصمة نيروبي سوف تنقل أوجلان إلى هولندا للإقامة فيها ومنحه حق اللجوء السياسي، لكنه وجد نفسه يهبط في أحد مطارات تركيا، حيث أودع السجن بجزيرة إيميرالي ولا يزال قيد الاعتقال حتى اليوم.

“الجبهة الشعبية” في لواء اسكندرون

على الجانب المقابل وبالتوازي مع توقيع الاتفاقيات السورية- التركية، عمل اللواء حسن على خطوات أمنية واستخباراتية أخرى تخص الحدود الكاملة مع تركيا، أبرزها تشكيل “الجبهة الشعبية لتحرير تركيا- فرع لواء اسكندرون”، بحسب ما رواه الكاتب محمد جمال الباروت في كتابه “التكوين التاريخي الحديث للجزيرة السورية”.

ويقول الباروت إن أجهزة اللواء عدنان بدر حسن مدير شعبة الأمن السياسي في وزارة الداخلية شكلت على وجه الخصوص “الجبهة الشعبية لتحرير تركيا- فرع لواء اسكندرون”، بهدف توجيه رسالة واضحة إلى تركيا بأن عليها أن تنتظر ضربات مقابلة إذا هاجمت وادي البقاع، والذي ضم معسكرات لتدريب “حزب العمال الكردستاني” في أثناء “الوصاية السورية” على لبنان.

وتحدث الباروت بجزء غير مستفيض عن اللواء حسن، إذ شغل منصب قائد فرقة عسكرية لكنه غدا من الضباط الأمنيين السياسيين، ومسؤول الجهاز الذي يتولى الترتيبات مع “حزب العمال” في الشأن التركي.

وكان دوره يعادل دور الضابط الأمني السياسي البارز الآخر اللواء محمد ناصيف في العلاقة مع إيران.

وكان اللواء حسن قد وقع في نيسان 1992 اتفاقية أمنية سورية- تركية خاصة بمقاومة نشاطات “حزب العمال الكردستاني”، وكانت امتدادًا للفقرات الأمنية في اتفاق توزيع المياه المؤقت في 1987.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة