فنزويلا البوليفارية: نعمة الممانعة ونقمة النفط!

tag icon ع ع ع

منصور العمري

الأولى في احتياطي النفط، والسابعة في احتياطي الغاز، والثامنة في تصدير النفط، والمرتبة 15 في تصدير الحديد، بينما تقبع في المرتبة 126 من حيث القدرة الشرائية للفرد. إنها فنزويلا البوليفارية، وليست بلاد العجائب.

نالت فنزويلا استقلالها الكامل عام 1830، بعد نحو 300 عام من الاستعمار الإسباني، ومرت بعدة مراحل سياسية، إلى أن حظيت بأول حكومة ديمقراطية عام 1958، ثم وقعت أول محاولة انقلاب عسكري عام 1992، على يد هوغو تشافيز، الأب الروحي لنيكولاس مادورو. فشل تشافيز وأودع السجن، لتتعرض البلاد لمحاولة انقلابية ثانية في العام نفسه من أعوان تشافيز العسكريين.

ففي 27 من تشرين الثاني/نوفمبر 1992، بدأت محاولة الانقلاب بقيادة ضباط من القوات الجوية والبحرية، وكانوا على اتصال مع تشافيز في السجن، وتعلموا بعض الدروس من أخطاء انقلاب تشافيز، بما فيها إطلاق الانقلاب الساعة الرابعة والنصف صباحًا بدلًا من منتصف الليل، وتأمين معدات الاتصالات لضمان عدم انقطاع الاتصال بينهم.

بعد معركة دامية، استولوا على تلفزيون فنزويلا الحكومي وبثوا فيديو ظهر فيه تشافيز من السجن داعيًا إلى انتفاضة شعبية، لكن الانقلابيين فشلوا في الاستيلاء على وسائل الإعلام الأخرى، ما سمح لرئيس البلاد بيريز بالتحدث إلى الأمة وإعلان فشل الانقلاب.

كما سيطر الانقلابيون على القواعد الجوية الرئيسية وكسبوا السيطرة على السماء. بعد أن تمكنت القوات الحكومية من إبطال مهاجمة طيار صغير، قام المتمردون بقصف بعض الأهداف، كالمخافر والقواعد العسكرية، وأسقطوا مقاتلات حكومية. فشلت محاولة لتحرير تشافيز ومساعديه من السجن، واستعادت القوات الحكومية معظم القواعد العسكرية، وفر رؤوس الانقلاب بالطائرات إلى البيرو.

أسس تشافيز حركة الجمهورية الخامسة، أو ما أسماها الثورة البوليفارية، وهي حركة يسارية شعبوية أعلن من خلالها نفسه ناطقًا باسم فقراء فنزويلا. اختير تشافيز كرئيس للبلاد في انتخابات عام 1998 بسبب وعوده لفقراء البلاد الذين يشكلون الأكثرية من السكان، مع ركوبه موجة الغضب الشعبي على النخبة السياسية التقليدية، وظل يفوز بالانتخابات حتى عام 2009 حين ألغى حدود المدة لجميع المسؤولين المنتخبين، بمن فيهم الرئيس، ليبقى رئيسًا للأبد، لولا أن السرطان انتصر عليه فعيّن نيكولاس مادورو نائبًا له، ثم فقد حياته عام 2013، وتولى مادورو خلافته. بعد توليه السلطة في البلاد بدأ بالهيمنة الثقافية والسياسية البوليفارية على الشعب، وهو ما يكمله مادورو اليوم.

لم تتوانَ فنزويلا البوليفارية عن اضطهاد وملاحقة المعارضين، ومن تعتبرهم خصومًا لها في القضاء والإعلام والمجتمع المدني، بحيث أصبحت نظامًا للسلطة المطلقة، التي تهدد القضاة والصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان أكثر من أي وقت مضى في فنزويلا. مارس نظام مادورو التعذيب بحق المعارضين والمتظاهرين، وأخضعهم للخنق والصعق الكهربائي والشبح والاعتداء الجنسي، بما فيه الاغتصاب، وقتل المتظاهرين في الشوارع.

أدى الاقتصاد الخرِب إلى أزمة كبيرة في فنزويلا البوليفارية، شملت التضخم الجامح، والكساد الاقتصادي، ونقص السلع الأساسية والارتفاع الهائل في نسب البطالة، والفقر الشديد، وانتشار الأمراض، ووفيات الأطفال، وسوء التغذية والجريمة. بحلول عام 2017، تخلفت فنزويلا عن سداد الديون، ورغم ذلك يرفض مادورو عروض المساعدات الإنسانية الغذائية والطبية من الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى.

مع تولي تشافيز الرئاسة، هاجر العلماء والطبقة العليا، ثم تبعتهم الطبقة المتوسطة والدنيا، مع تفاقم الأوضاع في البلاد. أغلب المهاجرين كانوا متعلمين أو أصحاب مهن. أظهر استطلاع رأي عام 2016 أن 57% من الفنزويليين يريدون مغادرة البلاد. بحلول عام 2018، هاجر أكثر من 10% من سكان البلاد. وصل عدد اللاجئين والمهاجرين من فنزويلا عام 2018 إلى ثلاثة ملايين شخص، حسب المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، إلا أن العدد الفعلي يفوق ذلك بكثير ووصل حسب بعض التقديرات إلى أربعة ملايين خلال السنوات الأخيرة.

وصف ماثيو رينولدز، ممثل مفوضية اللاجئين، الهجرة الجماعية من فنزويلا بأنها أزمة لجوء لم يشهد التاريخ الحديث في أمريكا اللاتينية أبدًا لحجمها مثيلًا: “هذه واحدة من أكبر أزماتنا. إنها بحجم أزمة اللجوء السورية”.

لم تكن حرب الديكتاتور العسكرية على شعبه هي ما دفع أربعة ملايين فنزويلي للرحيل من وطنهم، بل كان الخراب الاقتصادي الذي بدأه تشافيز وحمل رايته خليفته مادورو، الذي أتقن الفشل في إدارة البلاد، وعزا الخراب الذي ألحقه به إلى المؤامرات الإمبريالية الكونية.

مراجع

هيومن رايتس ووتش

https://www.hrw.org/report/2017/11/29/crackdown-dissent/brutality-torture-and-political-persecution-venezuela

https://atlas.media.mit.edu/en/rankings/country/eci/

مفوضية الأمم المتحدة للاجئين

https://www.unhcr.org/ar/news/press/2018/11/5bea8ec24.html




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة