شرق الفرات بين الانتصار الإيراني وهزيمة داعش

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

دخل الايرانيون سوريا عن طريق أجهزة المخابرات، وهذه الأجهزة تتناسب نظرتها إلى السوريين مع نظرة الإيرانيين إليهم، من حيث الاحتقار، والصلافة في التعامل، وجعل التعذيب وغرف التحقيق هي غرف الحوار المناسبة مع السوريين.

فالمخابرات ومنذ عصر حافظ الأسد تنظر إلى السوريين كأسرى، وكغنائم يحق لها الاستيلاء عليهم وعلى مقدراتهم، واصطحاب ما يعجبهم من النساء إلى شقق قادة المخابرات، كما تقول رنا قباني، في لقائها الأخير مع “بي بي سي” عن مرحلة السبعينيات في سوريا. ولاحقًا أجبر رفعت الأسد تجار الصالحية بدمشق على بيعه محلاتهم بعقود إذعان، وكاد توثيق العقود أن ينجز لولا تدخل حافظ الأسد الذي كان يعد طبخة آل مخلوف على نار هادئة، للهيمنة على مقدرات السوريين واقتصادهم.

في المقابل جاءت داعش إلى سوريا تحمل نظرة تحقير مشابهة للسوريين، معبأة من تكوينات قادة المخابرات العراقية أيام صدام حسين، التي كانت بدورها تمارس التعذيب والقتل بلا رحمة ضد العراقيين، وما أضيف إلى هذه النظرة هو نظرة الدعاة الخليجيين الذين انضموا إلى داعش، والذين يحملون إلى السوريين نظرة الوافد، فرجال داعش، وخاصة القادة منهم، استغلوا وضع المهجرين السوريين وأجبروهم على القبول باغتصاب بناتهم على شكل زواج إذعان، بعد محاصرة هذه العائلات بالجوع وبالتهديد، وهذا يتوازى مع ما فعله النظام بالسوريات.

مع دخول قوات التحالف إلى الباغوز في الأسبوع الماضي، وهي آخر معاقل تنظيم الدولة الداعشية، في شرق الفرات، ومع هروب المدنيين من مناطق داعش، فإن أكذوبة الدولة الاسلامية تضع أوزارها، وتجعل منها خبرًا غير منسي من أخبار القتل، والتعذيب، والتهجير، بالنسبة لأبناء شرق الفرات.

في هذه الأثناء، وبعد إعلان الأمريكيين انسحابهم من سوريا، نظمت إيران بالتعاون مع نظام الأسد مؤتمرًا للعشائر في منطقة أثريا شرق حماة، وهي منطقة بترولية تنظر إليها إيران كغنيمة مؤكدة، فقد اجتمع خمسة آلاف مدعو، بينهم 500 من شيوخ وأنصاف شيوخ العشائر (عدد هائل يكفي لحكم العالم!)، وأكلوا الثريد من أيدي رجل إيران (بهاء القاطرجي)، أحد تجار الحرب، والمتعاون مع داعش سابقًا، ومع حزب الله لاحقًا، والمتعاون دائمًا مع مختلف أنواع المخابرات العسكرية أو الجوية.

ولأن تركيا صارت تفكر حصرًا بالشريط الحدودي الموازي لها، والذي ستجعله ساحة منازلة مع حزب “بي كي كي”، ومشتقاته التي يتّمها الانسحاب الأمريكي من سوريا، ولأن الروس يركزون بشكل كلي على مناطق الساحل السوري لجعله قاعدة استعمارية أبدية، كما يفكرون، وكما يصر الأمريكيون على حصرهم في هذا الساحل، واحتفاظهم بقواعدهم التي كانت لهم قبل تدخلهم إلى جانب نظام الأسد، وقبل مساعدتهم في تدمير سوريا أرضًا وشعبًا على الطريقة الشيشانية، بناءً على ما تقدم فإن إيران وميليشياتها الطائفية هي المرشح الأكيد للسيطرة على وادي الفرات، استكمالًا لمشروعها السوريالي في الهلال الشيعي الذي تريد منه إقامة طريق بري بين طهران وبيروت، وكأنما الطرق التجارية لا يمكن إقامتها إلا بقتل السكان، وتدمير قراهم، وترحيل الناس، وإذلالهم، لتضمن فتح طريقها التجاري!

انتصار إيران أو انتصار داعش هما انتصاران متشابهان، فكلا المنظومتين تتلاقيان باحتقار السوريين، وبتكفيرهم وتهجيرهم، كل على طريقته، فالمشروعان يتسمان بالفاشية، وبالماضوية، وبالرومانسية الطفيلية في بناء إمبراطوريات، واسترجاع أفكار ومعارك تاريخية، مثل معركة داعش في (مرج دابق) الأسطورية، ومعارك إيران أيام كسرى والغساسنة والمناذرة، مرورًا بثارات الحسين، وما تجلب من حقد وقتل لا ينضبان أبدًا.

إسرائيل منشغلة بإبعاد إيران عن حدودها، غرب دمشق، ولا يهمها الوجود الإيراني في شرق الفرات، ولا تأبه له وهو يجلب أئمته وآياته الشيطانية، للهيمنة على ما تبقى من مدن وسكان وادي الفرات. وروسيا لا تريد فتح معارك جديدة مع الإيرانيين الذين يطوفون وادي الفرات وشرق حلب برموزهم تلك، وبطواطمهم الدينية، والقومية، ليفرغوا شحنات الغضب التاريخي، الذي لا ذنب لأهل الفرات به، ولا يهمهم من قريب أو من بعيد، فأهل الفرات يريدون أن يعيشوا، وأن يعاودوا بناء مدنهم وقراهم التي تعاون النظام، والإيرانيون، والروس، وداعش، وبي كي كي، والأمريكيون، على تدميرها وحرمانهم منها.

أخيرًا شاهدنا جميعًا صورة الرجل المغبر الهارب في البادية من هيمنة داعش، وهي صورة تثير الذعر، فقد عبر الرجل الطرقات الطويلة جائعًا، ومقرورًا، من أجل أن يحصل على الأمان هو وعائلته المغبرة مثله، هذه الصورة تعبر عن صبر أبناء الفرات وتحملهم مشاق الطرق والعذابات، وهم غير آبهين بداعش ولا بجنتها العبثية، ولا ينتظرون رشاوى إيران وأكاذيبها، إنهم مكافحون من أجل الحياة والاستمرار، وصبرهم هو سلاحهم الوحيد أمام كل هذه العنجهيات الدولية التي لا تزال تتوعدهم بالمزيد من المعاناة بكل أسف.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة