لماذا احتضنت بولندا مؤتمر وارسو للشرق الأوسط

المشاركون في مؤتمر وارسو (رويترز)

camera iconالمشاركون في مؤتمر وارسو (رويترز)

tag icon ع ع ع

تتجه الأنظار إلى المواقف التي ستعلنها الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص إيران من مؤتمر وارسو “التاريخي” في العاصمة البولندية، والذي انطلقت أعماله، أمس الأربعاء، بمشاركة وزراء خارجية ومسؤولين من أكثر من 60 دولة أبرزها أمريكا وإسرائيل ودول عربية على رأسها المملكة العربية السعودية.

ورفضت أطراف دولية حضور المؤتمر مثل روسيا والمفوضية الأوروبية والفلسطينيون وتركيا وقطر، مع تمثيل متواضع لعدد من الدول مثل مصر وفرنسا وألمانيا، ولم تشارك من القوى الأوروبية بوزير الخارجية إلا بريطانيا، بينما يشارك بقوة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الذي يريد استغلال المؤتمر لدعم حملته الانتخابية من جهة وضمان أمن إسرائيل من جهة أخرى، خاصة فيما يتعلق بالتهديدات الإيرانية.

ويركز المؤتمر على تصرفات إيران في المنطقة، وخاصة تدخلها في سوريا وإقامة قواعد عسكرية لها.

وكان وزير الخارجية الأمريكي، مايك بومبيو، قال في مقابلة مع قناة “فوكس نيوز”، إن القمة الدولية ستركز على “استقرار الشرق الأوسط والسلام والحرية والأمن فيه”، لافتًا إلى أن ذلك يتضمن عنصرًا “مهمًا”، وهو التأكد من أن إيران لا تمارس نفوذًا “مزعزعًا للاستقرار”.

الشيء الذي يمكن التماسه بعد يوم من بدء أعمال المؤتمر هو أن أمريكا تسعى إلى حشد دولي لرؤيتها في منطقة الشرق الأوسط، لكن ذلك يشوبه خفض تمثيل الدول الأوروبية، وتتمثل الرؤية بالضغط على إيران التي مضت أيام على احتفالاتها بالذكرى الأربعين للثورة الإيرانية، إلى جانب ضمان أمن إسرائيل.

وبغض النظر عن المواقف المراد اتخاذها في الساعات المقبلة، تطرح عدة تساؤلات عن السبب الرئيس لاختيار بولندا لانعقاد المؤتمر، وهو أمر يعود بالمصالح المتبادلة ونوع من التقارب بين أمريكا وبولندا، إذ تحاول واشنطن كسر ماضي وارسو التاريخي مع طهران وتثبيت حليف جديد، ولا سيما مع فتور أورقة الدبلوماسية الأوروبية تجاه القمة.

قلعة أمام روسيا

تعرف بولندا باسم الجمهورية البولندية، وهي دولة أوربية تقع في أوروبا الوسطى، تحيط بها من الجهة الدولة الألمانية ومن الجهة الجنوبية كل من الجمهورية التشيكية وسولوفاكيا، ومن الجهة الشرقية تحيط بها دولتا أوكرانيا وبيلاروسيا، ومن الجهة الشمالية منطقة كالينغراد وبحر البلطيق.

تعد وارسو (العاصمة البولندية) عضوًا فاعلًا في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، وكنقطة أولى يجب الإشارة إليها، فيما يتعلق بالتقارب مع أمريكا حاليًا، هي التاريخ الأسود الذي يربطها مع روسيا والذي كان مليئًا بالصراعات التي لا تنتهي، أبرزها الحرب السوفيتية- البولندية التي امتدت من عام 1919 حتى آذار 1921.

حاليًا تتمتع بولندا تحت رئاسة أندريا دادا بحكومة شعبوية يمينية يتشابه خطابها مع الخطاب السياسي للرئيس دونالد ترامب، خاصةً فيما يتعلق بالموقف من المهاجرين، ومن خلال عضويتها في حلف “الناتو”، تريد بولندا التقرب من الولايات المتحدة لتشكيل حصن أمام روسيا.

الحصن تجلت أولى بذوره، في أيلول العام الماضي، إذ أعلن ترامب أن بولندا مستعدّة لدفع ملياري دولار، على الأقل، لإقامة قاعدة عسكرية أميركية دائمة على أراضيها، مشيرًا إلى أنه يدرس بشكل “جدي جدًا” هذا العرض.

وقال ترامب في مؤتمر صحفي مشترك في البيت الأبيض مع نظيره البولندي أندري دودا، “بولندا مستعدة للمساهمة بشكل كبير لكي يكون للولايات المتحدة وجود على أرضها (…) إذا كانوا مستعدين للقيام بذلك فهذا يعني بأننا سنتكلم بالتأكيد في الموضوع”.

بينما دعا دودا بقوله، “نشر مزيد من الجنود الأميركيين في بولندا”، وأضاف مخاطبًا ترامب “آمل أن تتخذ قرار نشر المزيد من الوحدات والتجهيزات (…) أرغب في رؤية قاعدة أميركية دائمة في بولندا واقترح أن يكون اسمها فورت ترامب (قلعة ترامب)”.

وفي حال تمت بالفعل إقامة هذه القاعدة الأميركية في بولندا، فلا بدّ وأن تزيد من التوتر القائم حاليًا بين الدول الغربية وروسيا.

وإلى جانب قمة وارسو من المقرر أن تستضيف بولندا مؤتمرًا يناقش قضية المواقع الأمريكية المضادة للصواريخ الباليستية في أوروبا.

كسر العلاقة مع إيران

في سياق الحديث عن أسباب اختيار بولندا لمؤتمر وارسو الموجه بشكل أساسي ضد إيران، نجد أن بولندا ضحت بتاريخ طويل مع إيران في احتضامها لهذه القمة “التاريخية”، ولا ينفصل ذلك عن حالة التقارب مع أمريكا على أكثر من صعيد.

بدأت العلاقات التاريخية بين طهران ووارسو عام 1474، بين الملك البولندي كازيمير جاجيلونيان، وشاه إيران أوزون حسن، مرورًا بالتنسيق المشترك في معارضة الإمبراطورية العثمانية، وكانت تشكل قوة عظمى آنذاك، تهدد بلاد فارس، بجانب دول جنوب شرق أوروبا.

وبحسب ما ترجمت عنب بلدي عن موقع السفارة البولندية في طهران، قالت إن بلاد فارس وتركيا هما الدولتان الوحيدتان اللتان لم تعترفان قط بتقويض بولندا في عام 1795.

وأضافت أنه في عام 1927 تم إبرام معاهدة الصداقة مع طهران، وتم تأسيس إدارات بلاد فارس في وارسو وبولندا في طهران، مشيرةً إلى أن الفترة الفاصلة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية كانت ظرفًا لإحياء العلاقات الثنائية.

وأبدى رجال الأعمال والشركات البولندية اهتمامًا عميقًا بالتعاون مع نظرائهم الإيرانيين، لا سيما في صناعات النفط والأواني الزجاجية والجلود وتجهيز الأغذية والأثاث.

وقد تعززت العلاقة بشكل كبير مع  الترحيب بالبولنديين ومعاملتهم الحسنة من قبل الإيرانيين، في أثناء الحرب العالمية الثانية.

وزير الخارجية الإيراني، جواد ظريف، وصف قمو “وارسو”، بأنها “عرض هزلي يائس”، واعتبر أن هذه الخطوة هي وصمة عار في جبين بولندا.

وقال ظريف، في تصريحات له”نذكر من يستضيفون المؤتمر المناهض لإيران والمشاركين فيه أن الذين حضروا العرض الأمريكي السابق المناهض لإيران، إما ماتوا أو أصبحوا موصومين أو مهمشين، وإيران أقوى من أي وقت مضى”.

ونشر ظريف صورة عبر “تويتر” قال فيها، “في حين أنقذت إيران البولنديين في الحرب العالمية الثانية، تستضيف بولندا الآن عرضًا هزليًا يائسًا مناوئًا لإيران”.

وكانت بولندا قد دعمت رسميًا الاتفاق النووي الذي وقعته إيران مع الدول الكبرى الست، صيف 2015، إلا أنها عبرت على لسان رئيس وزرائها جيسيك كزبتوفيتش عن معارضتها لسلوك وسياسات طهران الإقليمي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة