مشروع يمهد الطريق لرفع الأسعار

بطاقات لتوزيع المحروقات في سوريا.. ذكية أم غبية؟

camera iconاعلان مشروع البطاقة الذكية في آب 2018 (وزارة النفط السورية)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – أحمد جمال

لجأت حكومة النظام السوري إلى تطبيق نظام “البطاقة الذكية” بغرض حل كبرى المشكلات الاقتصادية المتمثلة بأزمة المحروقات في سوريا، وذلك بتحديد مخصصات وكميات المحروقات لكل شخص من خلال البطاقة، وبالتالي يتم ضبط الكميات الموزعة، في خطوة لتلبية حاجة المواطنين والحد من ظاهرة التهريب وفساد التوزيع.

وحددت وزارة النفط أهداف المشروع بتحقيق التوزيع العادل والحد من الاحتكار والتهريب، إضافةً إلى “إمكانية بناء سياسة شرائح سعرية”، وتوجيه الدعم لمستحقيه، إذ تباع المحروقات في سوريا بسعر أقل من التكلفة بموجب دعم الدولة.

لكن تطبيق نظام البطاقة على مادة البنزين، تدريجيًا منذ آب 2018، أثار استياءً واسعًا بين المواطنين وخاصة السائقين، بسبب الأزمة التي حدثت في محطات الوقود، إلى جانب قرارات غير مدروسة حددت من خلالها كميات غير كافية لفئة كبيرة من السيارات العامة.

وحددت وزارة النفط كميات يومية وشهرية للسيارات العامة والخاصة بمعدل الحد الأدنى اللازم من البنزين عبر البطاقة بـ 250 ليترًا شهريًا للسيارات الخاصة، و800 للسيارات العامة، مع تحديد سقف التعبئة بـ 40 ليترًا في اليوم الواحد.

ما هي البطاقة الذكية؟

“البطاقة الذكية” هي مشروع تنفذه شركة “تكامل”، وعملت وزارة النفط عليه على ثلاث مراحل أولاها في تموز 2014 وتركزت حينها بالآليات الحكومية، والمرحلة الثانية في 2016 للآليات الخاصة، بينما انطلقت المرحلة الثالثة في عام 2017 لتوزيع مازوت التدفئة للعائلات.

ويهدف المشروع إلى أتمتة توزيع المشتقات النفطية على الآليات بجميع أنواعها، وكذلك التوزيع على المواطنين بما يخص المازوت والغاز، ويتم تطبيقه عبر محطات الوقود العامة والخاصة ليحصل المواطن على حصته عبرها.

يحصل المواطن على البطاقة الذكية عبر تقديم الأوراق الرسمية المطلوبة في محافظته، من عقود السيارة أو الرخصة وغيرها، أو عبر دفتر العائلة للمواطنين، ويتم دفع قيمة الكميات المعبأة بشكل نقدي في مراكز الخدمة المحددة، ويمكن التسديد إلكترونيًا في حال طبقت الحكومة نظام الدفع الإلكتروني.

أما غير الحاصلين على البطاقة الذكية أو لا يحققون الشروط المطلوبة للحصول عليها (السياح، المسافرين، الأعزب…)، فبإمكانهم التعبئة عبر “الماستر” بعد تشريع الوزارة ذلك كحل مؤقت، و”الماستر” بطاقة مخصصة لأصحاب محطات المحروقات فقط.

كما أن مشروع “البطاقة الذكية” يلزم بالتعبئة في المحافظة التي صدرت فيها البطاقة، وفي حال سفر المواطن فيتم التعبئة خارج المحافظة عن طريق “الماستر”، وبكميات حددتها الوزارة للمسافرين تقدر بـ 40 ليترًا لمرة واحدة.

تمهيد لرفع الأسعار

يرى الخبير في مجال النفط والثروة المعدنية، عبد القادر العلاف، أن تطبيق المشروع في سوريا يشير إلى الوضع الاقتصادي المتهالك بعد عجز النظام عن تأمين حاجات السكان من أصناف المحروقات، خاصة مع تزايد العقوبات الأمريكية والأوروبية.

وأضاف العلاف، في حديث إلى عنب بلدي، “النظام يغطي عجزه عن تأمين المواد الأساسية للمواطنين باختراعات مختلفة، وسيزيد عجزه مع العقوبات الأمريكية والأوروبية عليه خاصة مع تفعيل قانون قيصر، إلى جانب تراجع عملية التطبيع الدولية”.

وتتزايد العقوبات الأوروبية والأمريكية على النظام السوري وشركات اقتصادية سورية، كان آخرها قانون “قيصر” الذي أقره مجلس الشيوخ الأمريكي مطلع شباط الحالي، ويقضي بفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.

تطبيق المشروع يمهد الطريق لرفع أسعار المحروقات عبر نظام الشرائح الذي تحدثت عنه وزارة النفط، وفقًا لتقدير للعلاف، إذ حددت الوزارة أهداف البطاقة الذكية “عبر بناء سياسة شرائح سعرية”، وهي طريقة ملتوية لرفع الأسعار عبر تشريح المادة بحسب الاستهلاك، كالشرائح المحددة لاستهلاك الكهرباء في سوريا، إذ يزداد السعر بازدياد الاستهلاك.

واعتبر الخبير الاقتصادي أن ما يحدث تضييق آخر من النظام للخروج من محاولة تأمين المواد الأساسية وإلهاء الشعب باستخراج البطاقات وتفاصيلها المعقدة، إلى جانب القوانين المتضاربة والمنقوصة بتحديد شرائح وكميات تعبئة غير كافية وغير شاملة لفئات الشعب، الأمر الذي عقد الأزمة وزاد الخناق على المواطنين.

وشهدت سوريا أزمات على مدار أشهر شتاء هذا العام، خاصة في تأمين الغاز والمازوت الخاص بالتدفئة، في ظل انقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، إذ يصل التقنين في بعض المناطق إلى 20 ساعة يوميًا.

الوزارة: نحد من التهريب

لكن وزارة النفط ترى في تطبيق المشروع نفعًا اقتصاديًا سيعود على الحكومة السورية، وذلك عبر الحد من تهريب المحروقات وضبط الكميات المخصصة في المحطات ومكافحة التهريب والسوق السوداء، وإيصال المادة المدعومة حكوميًا لمستحقيها.

وفي تصريح لوزير النفط، علي غانم، في آب 2018 نقله موقع “الاقتصادي”، قال إنه وخلال ستة أيام فقط من تطبيق نظام البطاقة الذكية على البنزين في طرطوس تم توفير نحو 600 ألف ليتر، أي نحو 100 ألف ليتر يوميًا، مع توزيع 65 ألف بطاقة ذكية خاصة بمادة البنزين فيها.

وأضاف أن كلفة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية يصل إلى 1.2 مليار ليرة سورية يوميًا، وهو ما استدعى ضبطه ليصل إلى مستحقيه، وذلك عبر نظام البطاقة الذكية الذي وفّر عشرة مليارات ليرة منذ تطبيقه على الآليات الحكومية، بحسب تقديره.

حل ذكي أم غبي؟

نتجت فكرة “البطاقة الذكية” لدى المسؤولين السوريين على خلفية أزمات المحروقات المتفاقمة وفقدانها في المحطات والفساد المستشري في مفاصل المتنفذين والتهريب والاحتكار.

لكن تطبيق المشروع لم يحل الأزمة في ظل ارتفاع الأصوات على مواقع التواصل الاجتماعي، لا سيما بعض المسؤولين والفنانين والعسكريين الذي عبروا عن غضبهم من حصر التعبئة عبر البطاقة والقرارات التي اعتبروها “غير مدروسة”.

الخبير العلاف قال إن تطبيق المشروع في أي بلد يشهد أزمة أمر جيد من حيث المبدأ، لكنه شكك بنزاهة المتنفذين في النظام السوري خاصة في تجاربه المتمثلة بأزمات سابقة مفتعلة رمت بثقلها على المواطن في نهاية الأمر.

وأوضح، “البطاقة كفكرة للحد من التهريب والفساد وتنظيم التوزيع هو أمر ناجع ومفيد إذا تم تطبيقه، لكن الذي حصل هو عكس ذلك تمامًا، إذ حصر الفساد والتهريب بالجهات المتنفذة وعلى مستويات عالية بينما ضُبط الفاسدون الصغار من عامة الناس، كما كان الحال سابقًا في تهريب مادة الطحين المدعوم وغيرها من قسائم البونات”.

من جهة أخرى، فإن تطبيق مشروع البطاقة أحدث فوضى بين محطات المحروقات وبين أصحاب السيارات والآليات، بسبب الكميات التي لا تكفي السيارات، إضافة إلى حرمان المسافرين والسياح وأصحاب سيارات الأجرة من المخصصات، عدا عن أشخاص لا يملكون بطاقة أو حتى دفتر عائلة لاستخراجها.

بينما تقول بيانات الوزارة إن “البطاقة الذكية” تحصر توزيع مواد البنزين والمازوت وستشمل لاحقًا توزيع الغاز بما فيه المنزلي، وذلك يؤمّن حاجة الناس وينهي الأزمة الحالية من جهة، ويحد من واقع الفساد والتهريب من جهة أخرى.

ويعتبر نظام البطاقات دخيلًا على ما تعوّد عليه الأهالي في وقت سابق، لذلك فإن آلية عمله ما زالت مجهولة نوعًا ما لكثير من المواطنين، لذلك يتساءل كثيرون وفق ما رصدت عنب بلدي، عن طريقة وآلية وشروط التعبئة والتزود بالمحروقات.

ترقيع الواقع الاقتصادي المنهار

وما زاد حجم الأزمة الحالية في عموم المحافظات السورية، هو الواقع الاقتصادي المرتدي والذي وصفه الخبير العلاف، بأنه طريق إلى الانهيار التام، خاصة وأن حليفتي النظام روسيا وإيران لم تعودا قادرتين على دعمه، رغم محاولاته ترقيع الحال الاقتصادي بمشاريع فضفاضة بعناوينها، وفاشلة نسبيًا في تطبيقها.

وزاد ذلك الحال المتردي للاقتصاد السوري العقوبات الأمريكية والأوروبية المتزايدة عليه، والتلويح بقانون “قيصر” الذي سيزيد خناقه على النظام، إلى جانب العقوبات المفروضة على إيران ومحاصرتها أمريكيًا، الأمر الذي جفف منابع الدعم الإيراني والروسي لسوريا.

ويقول العلاف، “روسيا لن تستطيع دعم النظام خاصة مع إغلاق موضوع إعادة الإعمار، ومشاريع حصر توزيع المحروقات عبر البطاقة الذكية هي طريقة من طرق تأجيل الموت القادم، كما أنها من الممكن أن تكون أحد أسباب انهيار النظام داخليًا”.

ورغم الأزمة الخانقة التي تعيشها سوريا، فإن روسيا وإيران لم تدعما حليفهما النظام السوري، مع العلم أنهما من أوائل الدول في احتياطي الغاز الطبيعي.

وتقع روسيا في المرتبة الثانية عالميًا من حيث إنتاج الغاز، بـ 640.7 مليار متر مكعب، تليها إيران بـ 202.4 مليار متر مكعب، بحسب موقع ” Statista” المتخصص بالإحصائيات والبيانات.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة