“يوتيوبرز” يزورون سوريا.. تماهٍ مع النظام أم بصيص أمل للسكان؟

camera iconاليوتيوبر أندرواس باسوس من أمام مطار دمشق الدولي - 2018 (صفحة أندرواس على يوتيوب)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حباء شحادة

عارضًا أحياءها القديمة المزدانة بالأضواء احتفالًا بقدوم عام 2019، يتحدث صوت أندراوس باسوس عن زوال آثار الصراع عن دمشق وجلاء متاعبه عن صدور السوريين ويقول ، “أمنيات السوريين لهذه السنة كلّلها الأمل بغدٍ أفضل يحمل الأمان والسلام ورجعة كل غائب ونسيان كل ما خلفته الحرب”.

عبارات المدوّن السويدي- الفلسطيني الشاعرية تجاه المدينة لم تكن الأولى، فقد تغزل بجمال أزقتها وطيب خصال أهلها في زيارة سابقة، عرض مقطع الفيديو الخاص بها في 15 من حزيران عام 2018، على موقع “يوتيوب”، تحت عنوان “الوجه الآخر من دمشق”.

بحث العديد غيره من “اليوتيوبرز” (المدوّنون)، عن ذلك “الوجه الآخر”، في رحلات دار معظمها ضمن الأزقة الضيقة لدمشق، وعلى موائد مطاعمها المتنوعة، سائلين الناس عن حالهم، متجنبين ما أمكن “الوجه الأول” لهذا الصراع، ومحاولين إيصال صورة مفادها ألا دخل للسياسة في مقاطع الفيديو التي ينشرونها على قنواتهم.

تميزت زيارتا باسوس بحرفية التقديم، وزخرت بالتفنن بالوصف، وبلقائه لفنانين سوريين رحبوا بالسائح المُعجب، من الممثل ميلاد يوسف في المقطع الأول، إلى نقيب الفنانين زهير رمضان في المقطع الثاني، الذي نشر في 28 من شباط 2019.

كرر المدوّن (27 عامًا) قوله إن سبب اختياره القدوم إلى سوريا، هو الرغبة بعرض ”شجاعة” السوريين واستمرارهم بالحياة رغم ما مر عليهم من مصاعب، مع شكره لرئيس رابطة المغتربين السوريين في مدينة نورشوبينغ في السويد لمساعدته في الرحلة.

وشكر الموسيقار سعد الحسيني، الذي قدم له الألحان وفتح له باب حجرة تسجيل أغنية “يا يما لا تبكي”، التي أداها له عاصم سكر، مع مبادلة الحسيني له الامتنان، بقوله متحدثًا عن أهل سوريا “من أكل من خيراتها خذلها، ومن لم يأكل من خيراتها ساعدها”.

سياحةٌ وسط الركام

الترويج لأمن سوريا والدعوة لعودة اللاجئين ولقدوم السياح والمستثمرين كان الشغل الشاغل لحكومة النظام وحليفته روسيا، منذ الانتهاء من الحملة العسكرية التي استعاد بها مناطق الغوطة ودرعا والقلمون من قبضة المعارضة، متجاهلًا الدمار الكبير للبنية التحتية في سوريا ونقص الخدمات، وخروج محافظة إدلب ومناطق شرق الفرات عن سيطرته.

لكن ذلك لم يمنع المدوّن الشاب، صاحب قناة “Travelling the Unknown”، من التجول في دمشق وحمص عام 2018، عارضًا ملامح الجمال، وآثار الدمار.

وقال في مقطع الفيديو، الذي نشر في 18 من كانون الأول، “يتم الآن تشويه الصورة العالمية لسوريا ولشعبها، على أنها بلد ممزق بالحرب مليء بالمتطرفين، ولكني هنا لأريكم جانبًا آخر لسوريا، جانبًا جميلًا ما زال باقيًا رغم الحرب”.

وكانت وزارة السياحة التابعة للنظام السوري بدأت، منذ منتصف عام 2016، بنشر مقاطع الفيديو التي تعرض الطبيعة الخلابة والآثار العريقة لمختلف المحافظات السورية، مروجة صورة الأمن والاستقرار في البلاد.

وفي حين لم تلقَ حملتها الترويجية نجاحًا فوريًا، خاصة مع سرقة معركة حلب المحمومة للأضواء خلال الشهر الأخير من ذلك العام، لكن أولى الوكالات الكبرى للسياحة في أوروبا أعلنت عن امتلاء المقاعد العشرين لرحلتها الأولى إلى سوريا، المقررة في شهر نيسان المقبل.

وكالة السفر الفرنسية “Cilo”، ذكرت أن الكلفة للشخص 3000 يورو فقط، وستزور كلًا من جنوب دمشق، واللاذقية، وتدمر، وقلعة الحصن، حسبما نقلت صحيفة التلغراف البريطانية في 19 من شباط الماضي.

وقال نائب مدير الوكالة، جان بيير ريسبوت، متحدثًا لوكالة الأنباء الفرنسية، إن الرحلات لا تقدم صورة حسنة عن النظام، معتبرًا أن بدء السياحة هو “وسيلة لعودة الحياة الطبيعية”.

معبر نصيب ومرارة الزيارة “الخرافية”

أعيد افتتاح معبر نصيب الحدودي بين سوريا والأردن، في 15 من تشرين الأول، بعد ثلاث سنوات على إغلاقه بسبب الأحداث العسكرية، ودعا النظام السوري اللاجئين السوريين إلى العودة، والأردنيين للزيارة والتبادل التجاري.

وإثر ذلك نشر المدوّن الأردني، أحمد أبو الرُّب، ثلاثة مقاطع لزيارته التي وصفها بـ ”الخرافية” إلى سوريا، غطى أولها، الذي نشر في 31 من تشرين الأول 2018، الرحلة من الأردن إلى دمشق واصفًا سهولة الطريق وغياب مشاهد الدمار، وركز ثانيها على استمتاعه بالتجول ضمن سوق الحميدية ومنطقة باب شرقي والربوة، بينما كان الثالث مختصًا بعرض “الجانب السلبي” الذي شهده.

فبعد أن تجاوز صدمته لرؤية المباني “المكسرة”، قام بتصوير بعض المشاهد لطريق العودة لمنطقة وصف منظرها “بالمرعب جدًا”، وقال إن ذلك المشهد “يدفعك للتساؤل: معقول مات أحد هنا، معقول ماتت عائلة هنا”.

لكنه لم ينفِ رغم ذلك استمتاعه بدمشق، ونصح الأردنيين بالذهاب إليها دون اصطحاب الأطفال “للغلبة”.

لكن مرارة تلك الزيارة لم تنحصر بهذه المشاهد بالنسبة لـ”أبو الرُّب”، حيث شرح بمقطع رابع نشر في التاسع من شباط، أنه وعلى الرغم من المغامرة الممتعة التي عاشها ورغم انتشار مقاطعه السابقة على صعيد كبير، لا يعتزم العودة مجددًا إلى سوريا.

فقد ذكر معاناته من هجوم كبير من الجمهور السوري من كلا طرفي الصراع، ومن قيام محطة “سوريا” التلفزيونية المعارضة، بنشر مقاطعه “بطريقة سيئة” عكس المحتوى المقصود، بحسب تعبيره، قائلًا إن غايته الحياد وعرض حال دمشق للجمهور الأردني، لا غير.

زيارات تضامنية أم منافذ دعائية

أثارت مقاطع الفيديو الخاصة بالمدوّنين آراء متضاربة بين السوريين، بين من اعتبرها مروجة لرواية النظام، ومهينة لأوجاع الشعب، وبين من لم يجد فيها ضيرًا يذكر، بل رحب بكونها فرجًا لمن احتمل عبء الحرب طيلة سنوات الصراع دون مغادرة البلاد.

وكان من آخر مسببات موجات الجدل مقطع الرحالة الفلسطيني الأردني، قاسم حتو، الذي زار دمشق بعد 15 عامًا من الغياب، متجولًا بين أزقتها وناقلًا لأجوائها، مع تطرقه مرارًا لوصف حال أهلها.

وقال في مقطع الفيديو الذي نشر على قناته “Ibn Hattuta Travels” في 21 من شباط 2019، “أعلى راتب لموظف في سوريا لا يتعدى 100 دولار.. الناس متعبون نفسيًا إلى حد ما بسبب الأوضاع”.

وبرر رحلته بالقول، “ذهبت للتضامن مع الناس”، معتبرًا أن ظروف الحرب فرضت “سجنًا” على السكان، وأن رؤية القادمين من خارج البلاد تشعرهم بالأمل وتعطيهم إحساسًا بأنهم “ما زالوا يعيشون في العالم ذاته الذي يعيش فيه الناس خارج سوريا”.

لكن ذلك السبب لم يقنع الكثير من المتابعين السوريين، وبينهم الشاب إبراهيم الزبيبي، الذي قال لعنب بلدي إن الدافع وراء الزيارة ما هو إلا السعي وراء المخاطر التي تحقق نسب مشاهدات أعلى من الجمهور.

وانتقد زبيبي، وهو ناشط في منظمات المجتمع المدني السورية، قيام المدونين بنقل جزء صغير جدًا من المشهد، مع تجولهم ضمن الأزقة القديمة وزيارتهم للمطاعم والمقاهي، في حين يكون أحدهم على بعد “أمتار عن حواجز الشبيحة والدفاع الوطني.. إلخ، التي تحصل عندها كل الانتهاكات التي نعرفها جميعًا”.

وأشار الشاب الدمشقي إلى الناحية الأخلاقية والنفسية التي تثيرها هذه المقاطع، فهي تؤثر حسب قوله في اللاجئين، “الذين لا يتمكنون من العودة بسبب اتخاذهم لموقف أخلاقي من هذا النظام الحاكم أو المحتل لدمشق”.

لكن المخرج الشاب عبد الرحمن نحلاوي، الذي ينحدر من دمشق أيضًا ويقيم في اسطنبول، رد على زبيبي، أنه رغم المغالطات الواضحة لـ “اليوتيوبر” لكنه بالنهاية شاب هاوٍ، ليس سياسي ولا مفكر ولا صاحب مركز أبحاث.

وضرب نحلاوي مثالًا، عبر صفحته في “فيس بوك” مشبهًا حال السكان في دمشق اليوم بحال أهل القدس تحت الاحتلال الإسرائيلي، إذ يمكننا بذلك استحضار النقاش الدائم حول شرعية وجدوى الزيارة تحت الاحتلال من عدمها، ونعدد الوفود الاجتماعية والشعبية وحتى الرمزية التي تسافر إلى فلسطين لدعم أهلها، ونحصي الحركات التجارية التي من الممكن أن تعزز وجودهم.

وطالب بالتفكير بعقلانية، موضحًا، “بدل التنظير وفق المصالح والانتماءات السياسية، ما أفضل طريقة لدعم أهلنا الذين يعيشون في سوريا تحت الاحتلال؟”.

إلا أن إبراهيم زبيبي رد على ما يخص الفائدة المالية المرجوة من تلك الزيارات السياحية بالنسبة للمواطن السوري في الداخل، “نحن لسنا ATM.. أنا لن أنتظر أن يأتي من يدعس على آلامي مقابل ليرتين زيادة”.

وعن التشبيه بالقدس أضاف، “نحن في حالة حرب، لا يمكن أن نتعامل مع الأمور بحالة طبيعية.. ولا يمكن تشبيهها بالقدس.. الموضوع مختلف بكل التفاصيل وكل الجزئيات ولا يمكن قياس شيء على آخر”.

أما “اليوتيوبر” حتو، فقد نشر مقطعًا جديدًا، في 25 من شباط، للرد على الانتقادات التي طالت مقطعه السابق، وقال إنه قد أخطأ بأمور عدة في مقطعه الأول، منها استخدام مصطلح الأمان الذي كان يقصد فيه، حسب قوله، الأمان النسبي لا المجمل، لكن الزيارة لم تكن خاطئة باعتقاده لأنه هدف لسماع الناس الذين سحقوا بالحرب.

وتابع القول، “أكبر خطأ ارتكبته هو اعتقادي أن بإمكاني لمس موضوع كالموضوع السوري وأن أفصل الأشياء التي من المستحيل انفصالها.. سلخ السياسة عن الحياة اليومية هو أمر شبه مستحيل خاصة بالشأن السوري”.

أبرز “اليوتيوبرز” الذين نقلوا مشاهد من سوريا

– أندراوس باسوس (27 عامًا) فلسطيني سويدي، مصور فوتوغرافي وموسيقي يعزف على عدة آلات، نشر في قناته “Andrawos Bassous” مقطعين لرحلاته في سوريا، الأول نشر في 15 من حزيران 2018، بعد أن قضى خمسة أيام في دمشق، والثاني في 28 من شباط 2019، بعدما قضى عشرة أيام زار خلالها دمشق وبلودان.
لقناته، التي أنشأها عام 2011، أكثر من 119 ألف مشترك، ولمقاطعه ما يزيد على تسعة ملايين مشاهدة.

 

– قاسم حتو (24 عامًا) فلسطيني أردني، رحالة سافر إلى ما يزيد على 20 بلدًا، نشر في قناته “Ibn Hattuta Travels” مقطعين حول سوريا، الأول في 21 من شباط 2019، بعدما زار دمشق وتجول في أسواقها، والثاني في 25 من شباط 2019 للرد على الانتقادات التي طالت مقطعه الأول، أعلن خلاله أنه لن يقوم بعرض مقطع آخر كان مخصصًا لعرض أكل الشارع في سوريا.
قناته التي أنشأها عام 2016، تضم أكثر من 106 آلاف مشترك، ولمقاطعه ما يزيد على 7 ملايين مشاهدة.

– أحمد أبو الرُّب، أردني، “يسعى للمغامرة والتقاط الصور”، حسبما يعرّف عن نفسه في قناته “Ahmed Aburob” التي نشر عليها أربعة مقاطع للحديث عن سوريا، الأول نشر في 31 من تشرين الأول 2018، نقل فيه أحداث رحلته من الأردن إلى دمشق، والثاني نشر في 3 من تشرين الثاني، بيّن فيه بعض مشاهد رحلته داخل المدينة، والثالث نشر في 6 من تشرين الثاني، تحدث فيه عن مشاهد الدمار التي شهدها خلال رحلة العودة إلى الأردن، والرابع نشر في 9 من شباط، شرح خلاله سبب استحالة عودته إلى سوريا.
قناته أنشئت عام 2016، تضم أكثر من 14 ألف مشترك، ولها ما يزيد على مئة ألف مشاهدة.

https://www.youtube.com/watch?time_continue=3&v=U7LqVwqublk

– Travelling the unknown، اسم المدونة التي لم يذكر صاحبها أي معلومات عن نفسه ضمن تعريفها، تختص بنقل رحلاته إلى الأماكن “التي لا يريد معظم الناس الذهاب إليها”، وضمت مقاطعه ومقالاته التي نشرت في موقع المدونة، رحلات إلى كوريا الشمالية وباكستان وغربي الصين والشرق الأوسط، وكان نصيب دمشق وحمص في المقطع الذي نشر في العاشر من كانون الأول 2018.
في قناته على اليوتيوب قرابة ألفي مشترك، وما يزيد على 100 ألف مشاهدة.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة