“الاستبدال الكبير”.. نظرية المؤامرة التي اعتمدها الإرهابي الأسترالي لتبرير جريمته

tag icon ع ع ع

منصور العمري

يوم الجمعة 15 مارس/آذار 2019، دخل الإرهابي برينتون تارانت مسجد النور في مدينة كرايست تشرش بنيوزيلندا، خلال الصلاة وفتح النار على جموع المصلين، خلال بث مباشر من صفحته في فيسبوك، على أنغام موسيقا غرينادير العسكرية البريطانية.

بعد أن تأكد من قتله لجميع من في المسجد، ركض برينتون خارجًا وأطلق النار على امرأة رآها أمام الحديقة الأمامية للمسجد. سقطت المرأة في الشارع وكانت مستلقية على وجهها تصرخ “ساعدوني، ساعدوني”، اقترب منها الإرهابي وبدم بارد أطلق النار عليها مرتين. بعد ثوان عاد إلى سيارته وغادر، ثم توقف لإطلاق النار على شخص آخر على الأقل من سيارته. بينما كان يقود سيارته، أعرب عن أسفه لعدم بقائه فترة أطول و”حرق المسجد كليًا”.

اعتقلت الشرطة أربعة أشخاص من بينهم برينتون وامرأة على خلفية هذا الاعتداء، وآخر على مسجد لينوود في الوقت ذاته، وأعلنت عن مقتل نحو 50 وإصابة عشرات حسب تقديرات أولية، وهو أسوأ اعتداء في تاريخ نيوزيلندا، منذ استعمارها من قبل البريطانيين.

نشر برينتون قبل يوم من ارتكابه المجزرة بيانًا من 87 صفحة، تحت عنوان “الاستبدال الكبير” أعلن فيه نيته ارتكاب العمل الإرهابي وشرح فيه أسباب “تنفيذه هذا الهجوم”:

الهدف الرئيس توجيه رسالة إلى الغزاة بأن أراضينا لن تكون أبدًا أرضهم، وأن وطننا لنا، وأنه طالما بقي رجل أبيض واحد على قيد الحياة، لن يغزوا أرضنا ولن يحلوا محل شعبنا.

للانتقام من الغزاة، لموت مئات الآلاف بسبب الغزاة الأجانب في الأراضي الأوروبية عبر التاريخ.

للانتقام لاستعباد الملايين من الأوروبيين الذين أخرجهم تجار العبيد الإسلاميين من أراضيهم.

للانتقام لآلاف الأرواح الأوروبية التي فقدت بسبب الهجمات الإرهابية في جميع أنحاء الأراضي الأوروبية.

لتخفيض معدلات الهجرة مباشرة إلى الأراضي الأوروبية عن طريق تخويف الغزاة وإزالتهم جسديًا.

للتحريض على العنف والانتقام ومزيد من الانقسام بين الشعب الأوروبي والغزاة الذين يحتلون الأراضي الأوروبية حاليًا.

للانتقام من أجل الرجال والنساء الأوروبيين الذين فقدوا في حروب التاريخ الأوروبي المستمرة، الذين ماتوا من أجل أرضهم، ماتوا من أجل شعبهم، وبعدها يأتي حثالة أجنبي ليحصل على أراضيهم، حين يأتي.

عرف برينتون عن نفسه في بيانه بأنه رجل أبيض من أصول إسكوتلندية وإيرلندية، وهدفه هو إبادة الغزاة، وأغفل أنه سليل غزاة استعمروا نيوزيلندا وقتلوا آلافًا من سكانها الأصليين.

ما الذي قصده الإرهابي الأسترالي بهذا العنوان؟

“الاستبدال الكبير” هي نظرية مؤامرة يمينية، تقول إن السكان الفرنسيين الكاثوليك البيض والسكان الأوروبيين البيض عمومًا، يتم استبدالهم بشكل منتظم بأشخاص غير أوروبيين، ولا سيما من سكان منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب الصحراء الكبرى، من خلال الهجرة الجماعية والنمو السكاني. تربط النظرية وجود المسلمين في فرنسا بالخطر المحتمل وتدمير الثقافة والحضارة الفرنسية.

تقوم نظرية المؤامرة عادة بتوزيع اللوم على النخبة العالمية والليبرالية، مثل بروكسل والاتحاد الأوروبي، والتي يتم تصويرها على أنها تواجه مؤامرة أو مخططًا متعمدًا لتنفيذ استبدال الشعوب الأوروبية.

أحد مروجي هذه النظرية هو رينو كامو، الكاتب الفرنسي ورئيس ومؤسس حزب “لينوسانس” أو “البراءة” العنصري، الخليط من يساريين ويمينيين. ترددت فكرة الاستبدال أو الإبادة الجماعية البيضاء في خطابات عديد من الحركات اليمينية المناهضة للمهاجرين في الغرب. من بين المروجين الرئيسيين لها، الأحزاب الشعبوية اليمينية، وشبكات واسعة النطاق مثل حركة بيغيدا الألمانية المعادية للإسلام والمهاجرين، ومجموعات أيديولوجية مثل “كتلة الهوية” المعادية للإسلام وللولايات المتحدة، ومدونين مثل النرويجي فيوردمان Fjordman، الذي يدعو لإزالة الإسلام وكل من يمارسه من أوروبا، ومثقفين بارزين مثل إيريك زيمور Éric Zemmour.

قدمت مواقع إلكترونية يمينية بارزة مثل “بوابات فيينا” و”خاطئ سياسيًا”، و”فرانس دو سوش”، منصة لهؤلاء لنشر نظرية المؤامرة هذه وتعميمها.

لا يُخلَق الفعل الجرمي الإرهابي من العدم، بل ينتج عن معتقدات وأفكار محددة غالبًا ما يروج لها من خلال لغة الكراهية والتحريض على الأديان والقوميات والمجموعات البشرية المتسقة، بحيث تصبح هذه اللغة والأفكار أحد المحركات للعنف والإرهاب. كل عمل عنف أو جريمة تُرتكب بهدف توجيه رسائل سياسية، تندرج في إطار الإرهاب، بغض النظر عن الرسالة وفحواها إن كان صاحبها مسلمًا أو مسيحيًا، “شرقيًا أو غربيًا”، وأي تهاون في تسمية الأشياء بمسمياتها هو ازدواجية في المعايير، وقد يُنظر إليها أنها تعاطف مع الإرهابي أو تبرير له.

برينتون تارانت أسترالي داعشي الأسلوب ومسيحي الديانة و”أبيض” العرق، لكن كما لا يمثل داعش مليار ونصف مليار مسلم، لا يمثل تارانت ملياري مسيحي، ولا العرق “الأبيض” في العالم.

أي تعميم لهذه الجريمة على أنها تمثل المسيحيين يطابق التعميم بأن داعش تمثل المسلمين. لا يكون الرد على هذه الجرائم بالمثل، أي التحول إلى إرهابي للتصدي لعمل إرهابي، ولا يمكن الاعتداء على من يعبر عن أفكاره حتى لو كانت عنصرية، بل يمكن التوجه إلى المحاكم، حتى لا يصبح الضحية جانيًا، والمظلوم إرهابيًا.

الرد يكون في المحاكم، ومن خلال التوعية ونشر خطاب التسامح وسيادة القانون وقدسية العدالة، لا نشر أفكار العنف والكراهية ومعاداة الأديان والقوميات.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة