رامي مالك المصري ومصطفى العقاد السوري

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

الأوسكار باللون المصري، جملة ردّدها عشاق السينما والفن العرب، بعد فوز الممثل الأمريكي ذي الأصول المصرية رامي مالك بجائزة أفضل ممثل- دور أول، عن دوره في فيلم “الملحمة البوهيمية” الذي أدى فيه مالك شخصية المغني العالمي الراحل فريدي ميركري. مصري يقف أمام أهم محافل السينما في العالم ليرفع الأوسكار، هكذا كان المشهد، أو هكذا رغبت العيون التي تحلم بالحضور العربي أمام كبار منتجي السينما العالمية، ليكون السؤال المثير للجدل، كم هو رامي مالك مصريّ؟ وهل اعتزازه بجذوره وهو ابن العائلة المهاجرة القادمة من مدينة سمالوط في محافظة المنيا بصعيد مصر، يعني أن مصر حازت على تلك الجائزة بذراع ابنها الشاب، الذي يحاول مرتبكًا التحدث بالعربية؟

مصر، الدولة التي وجّهت بلاغًا بحق أحد أهم فنانيها السينمائيين (عمرو واكد) لاعتراضه على حكم الإعدام بحق تسعة شبان بتهمة لم تثبت عليهم، والتي سخّرت مؤسستها الدينية والإعلامية لمهاجمة فنانة ارتدت فستانًا شفافًا أثار حفيظة العقلية التقليدية، لتجبر الفنانة (رانيا يوسف) على الاعتذار العلني. مصر الدولة تجد الأوسكار مصريًا اليوم.

ليس للحديث عن ولادة مالك في أمريكا، ودراسته الفن في معاهدها وجامعاتها مكان هنا، فمالك وغيره من الفنانين ذوي الأصول العربية الذين حظوا باهتمام دولي وجوائز كبيرة، أغلبهم لم يكونوا قد نالوا تعليمهم في مؤسسات بلدهم، بل إن حضورهم على خشبة عالمية إنما سبقه تأهيلهم بمؤسسات أول ما تلقنهم إياه هو سقوط الحواجز أمام الفن، مقولة مخالفة تمامًا لما يمكن أن تلقنه مؤسسة عربية فنية لطلابها. التصاق الهوية العربية بمن استطاع خوض تجربة عالمية، إنما هو مبني على إصراره الشخصي على التمسك باسمه وجذوره وهويته العربية، مانحًا الدولة التي تعود جذوره إليها نصرًا لم تصنعه، ورابطًا بين إنجازه الشخصي المحض وبين جذره العربي، لقضية تشغله أو لغة لا ينساها، أو تجارب طفولته الجميلة بما تحملها من تعاسة.

تقارب قضية تعريب أوسكار رامي مالك، قضية تعريب تجربة مصطفى العقاد، المخرج والمنتج الأمريكي ذو الأصل السوري، الذي درس في مؤسسات أكاديمية سينمائية أمريكية، وتتلمذ على يد كبار منتجي السينما هناك مثل ألفرد هيتشكوك، ثم عني بالثقافة العربية ودافع عنها من خلال منتجه السينمائي، الذي أول ما اعترضه في إنتاجه له قيود المؤسسة الدينية الإسلامية العربية، رغم موافقتها على إنتاجه ممثلة حينها بالأزهر الشريف والنجف الأشرف.

أصر العقاد على عمله في الثقافة العربية، وتسخير الفيلم لخدمة توضيحها، بأكثر من صورة، سواء صورة تاريخ الرسالة الإسلامية من خلال فيلم الرسالة بنسختيه العربية والإنكليزية، أو صورة تاريخ النضال الثوري بفيلم أسد الصحراء الذي رصد نضال الثائر الليبي عمر المختار ضد الغزو الإيطالي، بينما توقفت مشاريعه اللاحقة بالقيام بسلسلة أفلام عن شخصيات عربية، إثر مقتله في تفجير إرهابي بفندق غراند حياة في عمان 2005 حين قدم لحضور حفل زفاف فيه، لينال بعد ذلك اهتمام المؤسسة الثقافية السورية بتخصيص جائزة باسمه في مهرجان دمشق السينمائي الشهير بقص الأشرطة السينمائية وتغييب مشاهد منها، ومقاضاة المخرجين، وسلطة المخابرات على صالاته وعروضه.

مصطفى العقاد ورامي مالك وسلمى الحايك وتيفاني درويش وتوني شلهوب وموراي أبراهام، كلهم من أصول عربية، بعضهم يؤكدها ويعتز بها ويتحدث بلغتها، وبعضهم لا يكاد يذكرها، إلا أنهم وبالمجمل مدركون تمامًا أن أولى خطوات العالمية هي البحث عن البيئة الحرة التي تتيح للجهد الشخصي والموهبة شاشات ومسارح لا تقيدها منظومات أمنية وثقافية تقليدية.. تلك البيئات التي من المؤكد أنها ليست بيئات عربية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة