المحاسبة والعدالة أولويات بريطانيا في سوريا

عنب بلدي تحاور المبعوث البريطاني الخاص إلى سوريا

مارتن لونغدن رئيس قسم الشرق الأدنى والمبعوث البريطاني الخاص لسوريا - 27 آذار 2019 (عنب بلدي)

camera iconمارتن لونغدن رئيس قسم الشرق الأدنى والمبعوث البريطاني الخاص لسوريا - 27 آذار 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

خلود حلمي

اتخذت الحكومة البريطانية موقفًا واضحًا منذ بداية الثورة السورية ضد انتهاكات نظام الأسد، كما دعمت المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري منذ عام 2012.

وكانت بريطانيا إحدى الدول التي وافقت في نيسان 2018 على شن ضربات على مواقع نظام الأسد تستهدف مواقع الأسلحة الكيماوية معتبرة أن هذا التدخل تم لدرء مأساة إنسانية قد يتسبب بها استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي.

عنب بلدي أجرت حوارًا صحفيًا مع مارتن لونغدن، رئيس قسم الشرق الأدنى والمبعوث البريطاني الخاص إلى سوريا، الأربعاء 27 من آذار، في مكتب الشؤون الخارجية والكومنولث في لندن، حول موقف بريطانيا تجاه عدد من الملفات المتعلقة بسوريا.

مارتن لونغدن:

رئيس قسم الشرق الأدنى والمبعوث البريطاني الخاص إلى سوريا.

شغل منصب نائب السفير البريطاني في كابول ما بين عامي 2015-2017 كما عمل قبل ذلك كرئيس لقسم الشؤون الخارجية والكومنولث في لندن لمدة ثلاثة أعوام وكان مسؤولًا عن الأراضي البريطانية فيما وراء البحار.

وعمل منذ 2009 حتى 2011 رئيسًا للتواصل في السفارة البريطانية في واشنطن العاصمة. وشغل أدوارًا دبلوماسية أخرى، إذ عمل كنائب للمتحدث الإعلامي في وزارة الخارجية ومستشار للسياسات الاستراتيجية، وهو متخصص بشؤون الشرق الأوسط، حاصل على شهادة الدكتوراة في التاريخ من جامعة ليدز عام 2000.

 

 

ما بعد التنظيم: المحاكمة على رأس الأولويات

تطرق الحوار مع  المبعوث البريطاني، مارتن لونغدن، إلى مصير تنظيم “الدولة الإسلامية” ومقاتليه في سوريا.

واعتبر لونغدن أن هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية “نجاح في سوريا وإنجاز مهم لكل من أسهم في هزيمة داعش”.

ولكن خطر داعش لم ينتهِ، حسب تعبيره،  فبالرغم من أن داعش لم تعد تقدم نفسها كعاصمة للخلافة، لا تزال تحتفظ بقدرتها على دفع الناس للتطرف وزجهم في أجندتها المرعبة.

وأضاف المبعوث البريطاني  “لا يزال هناك عمل يجب علينا جميعًا القيام به لإدارة هذا الخطر”، مشددًا أنه، وخلال السنتين الماضيتين، “لم يكن يجرؤ أحد أن يحلم بالوصول إلى ما وصلنا إليه اليوم”.

وفيما يتعلق بعناصر التنظيم، قال لونغدن إن مصيرهم يعتبر تحديًا صعبًا وليس هناك إجابات سهلة حوله، بينما شكك بوجود إجماع دولي حول كيفية التعامل مع العناصر الذين تم أسرهم، مشيرًا إلى أن العديد منهم تم اعتقالهم في معسكرات تابعة لـ “وحدات سوريا الديمقراطية” (قسد) في شمال شرق سوريا.

وقال لونغدن لعنب بلدي إن المملكة المتحدة تعتقد بوجوب أن تتم “محاكمة المقاتلين الأجانب في المناطق التي ارتكبوا فيها جرائمهم قدر الإمكان” كما أنه “لا يجب أن تنتظر المملكة المتحدة العمل مع الشركاء الدوليين لإيجاد حل قابل للتنفيذ لهذه المسائل القانونية والعملية المحيرة”.

ويكمن “جوهر المشكلة”، بحسب لونغدن، “في إيجاد العدالة لأولئك الذين عانوا على يد التنظيم بسبب جرائمه، وهذه مهمة ليست بالسهلة، مشددًا بأن المملكة المتحدة تأخذ هذه المسألة على محمل الجد”.

 

كيف تدعم بريطانيا آليات المحاسبة في سوريا؟

وحول جهود بريطانيا لتحريك عملية المحاسبة الدولية لمرتكبي الجرائم في سوريا، قال لونغدن لعنب بلدي إن المملكة المتحدة أنفقت قرابة تسعة ملايين جنيه إسترليني على المحاسبة ودعم آليات المحاسبة منذ 2012.

وأضاف أن بريطانيا كانت واحدة من الدول “المحورية” عام 2016 عندما أقرت الجمعية العامة في الأمم المتحدة قرارًا حول تأسيس آلية دولية محايدة مستقلة (IIIM)، التي “كانت فاعلة جدًا في جمع الأدلة، والتي نأمل أن يكون لها غرض عملي، فطالما لم تتحقق العدالة للناس، وما لم تكن هناك محاسبة حقيقية للأشياء التي حصلت للناس، من الصعب رؤية سوريا والمنطقة تمضي قدمًا”.

كما وصف لونغدن جرائم تنظيم “الدولة الإسلامية” وجرائم النظام السوري بأنها ارتكبت بطريقة “صارخة وعلى مرأى الجميع”. وعند سؤاله عن إمكانية جمع الأدلة بما أن الممكلة المتحدة لديها قوات في الأراضي التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم، قال لونغدن إن هناك مجموعات ومنظمات تعمل داخل سوريا ومهمتها بشكل رئيسي جمع أكبر قدر ممكن من الأدلة لضمان وجود سلسلة أدلة كافية كالتقاط الصور وجمع الوثائق وتسجيل شهادات شهود العيان.

ويعتقد لونغدن أن الآلية الدولية المحايدة المستقلة تمثل دورًا مهمًا في المحاسبة ليس فقط للناس الذين اختفوا أو قتلوا بشكل واضح، ولكن أيضًا بالنسبة للجرائم الأخرى وتشمل الاستهداف العسكري للمدنيين واستخدام السلاح الكيماوي خاصة في الغوطة.

وعند سؤاله عن استعداد المملكة المتحدة لرفع دعاوى قضائية ضد من ارتكب انتهاكات ضد الإنسانية في سوريا، قال لونغدن إن الأفراد مستعدون لتقديم قضايا بموجب الولاية القضائية العالمية كما هي الحال في بعض الدول الأوروبية. ولكن في حال تم رفع مثل هذه القضايا أمام القضاء، سيكون هناك سؤال قانوني حول الولاية القضائية للمحاكم التي ستكون قادرة على استلام مثل هذه القضايا.

وفيما يتعلق بجهود الكشف عن مصير المعتقلين، أشار لونغدن إلى أنها كانت صعبة للغاية، وأن النظام السوري “لم يكن متعاونًا في هذه الأجندة”، لافتًا إلى أنه “على الرغم من أن الروس والإيرانيين تحدثوا بشكل كبير حول الحل الذي يتصورونه لمسألة المعتقلين، لم يسمع الناس حتى اللحظة الكثير عن مصير المعتقلين لدى نظام الأسد”.

وأضاف “هناك عدد كبير من بيانات الوفاة التي صدرت منذ فترة قريبة، إلا أن حجم ما حصل أكبر بكثير، وهناك الكثير من العائلات في سوريا التي لا تعرف مصير أحبائها، وهو أمر غير مقبول وغير صحيح على حد تعبيره.

وتابع لونغدن أن المملكة المتحدة تمارس ضغطًا سياسيًا “بشكل واضح وعلى مستوى عال” على روسيا وإيران، كما تلتزم باستمرار هذه الضغوط السياسية لأنها لا ترى بأن السلام ممكن أن يحل في سوريا في حال تم التنازل عن أي من مبادئ المحاسبة، التي تعتبرها “جزءًا لا يتجزأ من الحل السياسي”، والتي يحول وجود نظام الأسد دون إحقاقها، بحسب تعبيره.

 

نظام متكامل للعقوبات على الأسد

أشار المبعوث البريطاني لسوريا خلال الحوار الذي أجرته معه عنب بلدي إلى أن المملكة المتحدة لديها نظام متكامل للعقوبات على نظام الأسد وعلى المقربين من الأسد وخاصة المسؤولين عن جرائم أسهم في ارتكابها نظام الأسد.

وأضاف أنه في بداية هذا العام، قدم الاتحاد الأوروبي مجموعة إضافية من العقوبات التي شملت قرابة 11 شخصية ومؤسسة، تشمل أشخاصًا لهم يد في الأسلحة الكيماوية، ورجال الأعمال “الذين استفادوا من هذه الحرب والمأساة والذين عملوا على إثراء النظام كجزء من هذه الصفقة”.

وقال لونغدن إن المملكة المتحدة “لن تسمح أن يأتي هؤلاء الذين تحيزوا للنظام المجرم في دمشق إلى أوروبا أو أن يكون لديهم ممتلكات في أوروبا أو المملكة المتحدة”.

وأكّد أن “المملكة المتحدة تقوم بشكل مستمر بمراجعة أسماء الأشخاص المرتبطين بنظام الأسد في قائمة العقوبات، وفي حال وجود دليل بأنهم يدعمون النظام وبأنهم يحققون مكاسب غير مشروعة من هذا النزاع، فإن المملكة المتحدة لن تتردد في اتخاذ الإجراءات اللازمة”.

وأعرب لونغدن عن تفهمه لغضب السوريين الذين يشعرون أن المقربين من عائلة الأسد لم تتم محاسبتهم بشكل كامل ولم تتحقق العدالة بعد، إلا أنه، وبحسب تعبيره، “متفائل حول سوريا في المدى البعيد وبأن العدالة ستتحقق للشعب السوري لأنه يستحقها”.

 

المملكة لن تدفع لإعادة الإعمار دون انتقال سياسي

مع تصاعد الحديث عن بدء مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، أكّد لونغدن عدم مشاركة بلاده في تلك العمليات في الوقت الحالي، وقال إن المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا والولايات المتحدة الأمريكية لن تدفع لإعادة الإعمار في سوريا، والتي تبلغ كلفتها 400 مليار دولار أمريكي “حتى يكون هناك دليل واضح على إجراء انتقال وإصلاح سياسي”.

من ناحية أخرى، لم تتوقف المساعدات الإنسانية عن الوصول إلى دمشق، حيث يتحكم نظام الأسد أو الأشخاص المرتبطون به بمعظم تلك المساعدات في الوقت الذي أوقفت فيه المملكة المتحدة والشركاء الدوليون معظم مساعدات التنمية وبرامج المساعدات الإنسانية في شمال غرب سوريا بعد إعلان هيئة تحرير الشام سيطرتها على إدلب وريف حلب الغربي، وقال لونغدن في هذا الخصوص إن المملكة المتحدة أنفقت 2.8 مليار جنيه إسترليني، وهو أكبر استجابة إنسانية من المملكة المتحدة تجاه أزمة واحدة في تاريخ المملكة.

وأضاف “نحاول التأكد من أن المساعدات تذهب عبر سوريا إلى الأماكن التي تحتاج ذلك الدعم. لذلك لا نميز بين السوريين الذين هم بحاجة ماسة في مناطق المعارضة أو في مناطق سيطرة النظام لأن وصول المساعدات الإنسانية إلى الأشد حاجة لها هو نقطة مبدأ مهمة بالنسبة لنا”.

وقال لونغدن إن العمل في دمشق يفرض تحديات صعبة على المملكة المتحدة و”مكتب شؤون التنمية الدولية” التابع للخارجية البريطانية والأمم المتحدة، لأنهم جميعهم يملكون مخاوف من سرقة الدعم من قبل “القيادة السياسية القائمة على مبدأ المافيا”، حسب وصفه، ومن أن يستعمل النظام المساعدات سلاحًا سياسيًا.

وأشار لونغدن إلى أن “مكتب شؤون التنمية الدولية” لديه نظم معقدة لضمان عدم تحول المساعدات عن مقاصدها، لافتًا إلى أن “هذا النظام لا حدود له ولن يتردد بتجويع المجتمعات السورية حد الموت في حال اعتقد أن ذلك يصب في مصالحه السياسية. لذا، نتابع العمل مع الأمم المتحدة على توضيح أن الحكومة في دمشق لا يمكنها التدخل في المساعدات الإنسانية وإلا يصبح من المستحيل على المملكة المتحدة أن تتابع عملها هناك”.

 

رسالة بريطانية إلى النظام السوري

وفي نهاية حديثه حديثه لعنب بلدي أكد المبعوث البريطاني لسوريا، مارتن لونغدن، أن الأمر محبط للغاية للمهتمين بالشعب السوري، وأضاف “رأينا هذا البلد يتمزق بسبب الأفعال غير المسؤولة للنظام وداعميه. ولكن على المدى البعيد، يجب أن نكون متفائلين لأن هذه الحرب ستضع أوزارها يومًا، وسينتهي هذا النزاع، وهذه الأزمة ستنتهي وتتحول إلى أزمة لنظام الأسد بشكل أساسي الذي لن يكون قادرًا على دعم نفسه دون دعم دولي كبير”.

وتوجه لونغدن برسالة إلى النظام في دمشق وللدول التي تدعمه، قائلًا “انظروا إلى أين تتجه هذه الأزمة. في حال عدم وجود تغيير حقيقي في سوريا، وفي ظل تصرفات نظام الأسد، لن يكون هناك عودة للاجئين ولن يكون هناك استقرار في الدولة ولن تتم مواجهة التهديد الإرهابي وستستمر سوريا في كونها محرك عدم الاستقرار في المنطقة”.

ودعا لونغدن كل من يستطيع إحداث فرق إيجابي في سوريا لتحمل مسؤولية للقيام بذلك الفرق، وأضاف أن المجتمع الدولي والانقسام فيه خذلا الشعب السوري، الذي دفع حتى اللحظة ثمنًا مرتفعًا جدًا.

وختم لونغدن بالقول “سندعم الشعب السوري بحماس والتزام وسنركز جهود الممثل الخاص، غير بيدرسون، والأمم المتحدة ضمن إطار القرار 2254، لأنه دون وجود تسوية سياسية شاملة وفرصة لبناء سوريا لن يكون هناك مستقبل إيجابي. لذا علينا التطلع نحو ذلك إذ لا يوجد لدينا أي بديل. سنتحلى بالصبر وسنكون ملتزمين بمواقفنا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة