بعد عام من “التسوية”.. ريف حمص يعيش في “حضن الوطن الفقير”

جندي سوري يأخذ صورًا شخصية بالقرب من مركبة عسكرية روسية في قافلة أثناء إعادة فتح الطريق بين حمص وحماة - حزيرن 2018 - (رويترز)

camera iconجندي سوري يأخذ صورًا شخصية بالقرب من مركبة عسكرية روسية في قافلة أثناء إعادة فتح الطريق بين حمص وحماة - حزيرن 2018 - (رويترز)

tag icon ع ع ع

حمص – عروة المنذر

عام مضى على اتفاق “التسوية” الذي وقعته فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي مع القوات الروسية التي ضمنت التزام النظام السوري ببنوده، فقضى بترحيل الفصائل المقاتلة الرافضة للاتفاق إلى الشمال السوري “المحرر” والإبقاء على “جيش التوحيد” بقيادة منهل الصلوح، الذي كان عرابًا للاتفاق بالتنسيق مع “تيار الغد” الذي يترأسه أحمد الجربا.

فتح الأوتوستراد الدولي مقابل إدخال الخدمات ودوائر الدولة والمخافر الشرطية فقط، مع نشر نقاط مراقبة روسية تعمل على ضمان التزام النظام بالاتفاق الموقع.

وكان من المتوقع أن يتحسن الوضع المعيشي والأمني للمدنيين وتأجيل المتخلفين عن الخدمة الإلزامية في جيش النظام، وتوفر فرص العمل والخدمات الأساسية من كهرباء ومياه وصحة، إلى جانب تحرك العجلة الاقتصادية في المنطقة بشكل كلي.

لكن صدمة حقيقية أصابت سكان المنطقة، فبعد أن وعد النظام بـ “حضن الوطن الدافئ” تفاجؤوا بـ”حضن الوطن الفقير”، فمؤسسات الدولة اكتفت بترميم ما يمكن ترميمه بالحد الأدنى، والتفتت إلى تحصيل الفواتير والضرائب المتراكمة منذ أكثر من ثماني سنوات، بينما شعبة التجنيد هي الدائرة الوحيدة التي قامت بدورها على أكمل وجه.

أزمة شباب

كان من أبرز بنود الاتفاق الموقع ضمان عدم سَوق الشباب إلى الخدمة الإلزامية في الجيش، بند التزم به الأخير إلى حد ما، لكنه عمل على إجبارهم على الالتحاق عن طريق تضييق الخناق عليهم، فأي ورقة رسمية يحتاجها أي مواطن أو أي فرصة عمل يتقدم إليها في القطاعين العام والخاص تتطلب إبراز بيان وضع من شعبة تجنيده تثبت عدم تخلفه عن السوق أو أنه غير مطلوب للخدمة الاحتياطية.

“محمد أبو خليل”، شاب من سكان مدينة تلبيسة يقول لعنب بلدي، “لم يطرق الباب أي عنصر من عناصر الشرطة العسكرية ولم يقوموا بعملية مداهمة، لكن قوات النظام عملت على ربط أي ورقة رسمية أو أي عمل ببيان الوضع من شعبة التجنيد، ما اضطر الشباب إلى الالتحاق بالتجنيد الإجباري، الأمر الذي أدى إلى إفراغ المنطقة بالكامل”.

ويضيف محمد أن التحاق الشباب بالخدمة الإلزامية خلق أزمة حادة بالأيدي العاملة، ليس فقط على مستوى ريف حمص الشمالي، وإنما على مستوى مناطق سيطرة النظام بشكل عام، عدا عن تحميل أهالي الشباب عبء مصاريف أبنائهم بعد التحاقهم بالخدمة، ما زاد الوضع المعيشي سوءًا.

اعتقالات بين الحين والآخر

أفرع المخابرات غيّرت استراتيجيتها في الاعتقالات تماشيًا مع الاتفاق الموقع، فعملت على اعتقال الضباط المنشقين، ومن عملوا في مؤسسات المعارضة كل على حدة، ومن دون إثارة الضجيج ولفت أنظار قوات الشرطة العسكرية الروسية، إذ قسّمت من تريد اعتقالهم إلى شرائح معينة واعتقلتهم شريحة تلو الأخرى.

“سلمان”، محام (طلب عدم ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، يقول إنه تم رصد وتوثيق أكثر من 460 حالة اعتقال لأشخاص من عموم ريف حمص الشمالي، ممن أجروا تسوية مع قوات النظام، لكنها كانت حالات متفرقة ومتباعدة زمنيًا ومكانيًا فيما بينها.

ويضيف “سلمان” لعنب بلدي أن الأفرع الأمنية طلبت الضباط المنشقين إلى التحقيق واعتقلتهم حسب الاختصاص، ومن ثم صف الضباط والأفراد في فترات زمنية متباعدة، إلى جانب عمال الإغاثة و”الدفاع المدني”، كل منهم في فترة معينة تجنبًا لإثارة بلبلة في الشارع، وتماشيًا مع بنود الاتفاق، وكخطوة لعدم “إحراج القوات الروسية التي ضمنت تطبيق الاتفاق”.

واقع خدمي سيئ

منذ توقيع الاتفاق ودخول “مؤسسات الدولة” لم يلحظ الأهالي أي تقدم حقيقي في الواقع الخدمي على جميع المستويات، بل على العكس تمامًا، فقد شهد الجانب الصحي تراجعًا كبيرًا، بعد إغلاق المشافي الميدانية، التي كانت تحتوي كادرًا طبيًا يضم كل الاختصاصات تقريبًا، وغرف عمليات وغرف عناية مركزة تقدم الخدمات للجميع مجانًا.

أغلق النظام السوري المشافي واستبدلها بمستوصفات يديرها ممرضون، لا تحتوي إلا على حبوب وحقن المسكن، وتجهيزات بسيطة لخياطة الجروح البسيطة.

أما العمليات وغرف العناية المركزة فلا سبيل إليها، إلا في المشافي الخاصة باهظة الثمن.

ناديا، ممرضة في مستوصف قرية الزعفرانة، تقول لعنب بلدي إن القطاع الصحي سجل تراجعًا كبيرًا بعد توقيع اتفاق المصالحة، فالمنطقة بأمس الحاجة إلى أطباء ذوي خبرة، فمعظمهم إما فضّل التهجير أو سافر منذ زمن أو يرفض الإقامة في ريف حمص الشمالي بسبب سوء الخدمات، مشيرةً إلى أن الخدمات المتوفرة في المستوصفات تقتصر على خياطة الجروح البسيطة، وتقديم الضمادات، وبعض الأدوية المسكنة وبكميات محدودة جدًا.

فرن وحيد يغطي المنطقة

بالنسبة للخبز، الغذاء الرئيسي، لم تستطع مؤسسة الأفران حتى الآن إعادة تأهيل أفرانها لتقدم خدماتها للمواطنين، فهي تعتمد على الأفران الخاصة أو الأفران التي أنشأتها المنظمات في وقت سابق.

“ياسر أبو نزار”، من سكان مدينة الرستن، يقول لعنب بلدي، “رغم مضي عام على توقيع اتفاق المصالحة لم تستطع مؤسسة الأفران إصلاح فرنها الآلي في المدينة، والذي كان يقدم خدماته لجميع قرى وبلدات ريف حمص الشمالي (…) الفرن الذي أقامته مؤسسة إحسان للإغاثة والتنمية هو الفرن الوحيد الذي لا يتبع للقطاع الخاص الذي يعمل في ريف حمص الشمالي، ويقوم بسد حاجة الرستن وكل القرى التابعة لها بالخبز”.

أما شبكة الاتصالات فلا يوجد تقدم يذكر بخصوصها، سوى تركيب ثلاثة أبراج تغطية في المنطقة تعمل في حال وجد التيار الكهربائي، وتخرج عن الخدمة بمجرد انقطاعه، وأما المحروقات فلا داعي للحديث عنها فهي مشكلة تشهدها جميع المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة