التدخين.. أحد مسببات الوفاة الأشيَع بين الناس

أضرار التدخين
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

تعد عادة تدخين التبغ من أكثر العادات السيئة المنتشرة بين الناس في جميع أنحاء العالم، إذ يوجد حوالي 1.1 مليار شخص مدخن (أكثر من سيجارة بالأسبوع) في العالم، رغم أخطار التدخين وأضراره الصحية التي أصبح معظمها معروفًا للقاصي والداني.

ومع استمرار انخفاض نسب التدخين في الدول المتقدمة، إلا أنه مستمر بالارتفاع في الدول النامية، ففي العالم العربي تبلغ نسبة المدخنين 28% تقريبًا من مجموع السكان البالغ 380 مليون نسمة حاليًا، ما يعني أن هناك نحو 100 مليون مدخن عربي.

وأكدت أحدث أرقام منظمة الصحة العالمية ارتفاع عدد المدخنين بين الأطفال العرب في الفئة العمرية بين 13 و15 سنة، حيث بلغت نسبة المدخنين بين الأطفال في هذه المرحلة العمرية 22%، والغريب أن العالم العربي ينفق على التدخين وتبعاته أكثر مما ينفق على الأبحاث العلمية وعلى الصحة.

ويأتي الأردن في مقدمة الدول العربية من حيث استهلاك السجائر (المرتبة الثامنة عالميًا)، وتليه سوريا (العاشرة عالميًا).

وكانت دراسة أجراها المركز السوري لأبحاث التدخين قد كشفت تفشي عادة التدخين بنسبة 60% بين الرجال و23% بين النساء وزيادة تدخين النرجيلة لتبلغ نسبة 20% بين الرجال و6% بين النساء، وعلى الرغم من الافتراض بأن تدخين النرجيلة هو جزء لا يتجزأ من الثقافة السورية، إلا أن هذه الظاهرة لم تنتشر إلا مؤخرًا.

وقد أكد تقرير لمنظمة الصحة العالمية أنه تحدث حالة وفاة كل ست ثوانٍ حول العالم نتيجة أمراض ناجمة عن التدخين، إذ إنه يتسبب بأمراض عدة، لا سيما الجلطة القلبية والدماغية، وداء الانسداد الرئوي المزمن، فضلا عن سرطانات متعددة أبرزها سرطان الرئة.

ما المقصود بالتدخين

عندما تقال كلمة التدخين Smoking فالمقصود هو تدخين التبغ، ويصنع التبغ من أوراق نبات التبغ (الطباق) وهو نبات سنوي يعيش موسمًا واحدًا، واسمه العلمي “نيكوتينيا تباكم”، ومن هنا أتت تسمية “نيكوتين”، وقد أخذ هذا الاسم من اسم “جون نيكوت” سفير فرنسا في البرتغال عام 1559، والذي دافع عن التبغ وكان يؤكد أن له فوائد طبية مثل إعادة الوعي وعلاج الكثير من الأمراض.

وتستخدم أوراق التبغ بعد تجفيفها للمضغ بين الأسنان، أو كمسحوق للاستنشاق، أو للتدخين كلفائف “السيجار”، أو السجائر العادية، أو في الغليون “البايب”، أو النرجيلة “الشيشة”.

ويعود تاريخ زراعة التبغ إلى القارة الأمريكية، حيث استخدمها السكان الأصليون للتطيب برائحة دخانها، وكان الهنود الحمر يستخدمون التبغ في طقوسهم الدينية وحفلاتهم ويعتبرون دخانه مسكنًا للأوجاع، وبعد اكتشاف القارة الأمريكية أحضر البحارة التبغ معهم عند العودة إلى أوروبا، وانتشر استخدام التبغ بسبب المعتقد الأوروبي بأنه قادر على الشفاء من بعض الأمراض.

وكان أول من أدخل نبات التبغ إلى أوروبا هم الإسبان في القرن الخامس عشر، ثم انتشر في أنحاء أوروبا في القرن السادس عشر، ووصل إلى الشرق الأوسط في أواخر القرن السادس عشر وبدايات القرن السابع عشر عبر السلطنة العثمانية (تركيا)، ثم وصل إلى المغرب العربي بواسطة بعض التجار، ثم انتشر إلى بقية الدول العربية.

وفي القرن التاسع عشر صمّم الفرنسيون أول ورق للتبغ صانعين أول سيجارة بالشكل المعروف، ومع اختراع السجائر بدأ انتشار التبغ حيث بدأت الشركات تروّج للسجائر وتبيعها للعامة.

لماذا يشكل تدخين التبغ خطرًا على الصحة؟

يوجد في السيجارة أو النرجيلة حوالي 600 مادة كيماوية ينتج عنها عند احتراقها حوالي 4000 مادة، معظم هذه المواد سامة، 43% منها يسبب السرطان، ويعد استنشاق هذه المواد في صورة غاز مبخر إلى الرئتين طريقة سريعة وفعالة لسريانها في الدم ما يجعل تأثيرها خلال ثوان من أول استنشاق، وتؤدي هذه المواد السامة إلى زيادة نسبة الوفيات عند المدخنين، إذ تبلغ نسبة الوفيات عند المدخنين ثلاثة أضعاف غير المدخنين.

وبالنسبة للنرجيلة فإن ضررها قد يكون أكبر من السجائر العادية، إذ إن معظم جلسات تدخين النرجيلة تستغرق وقتًا أطول من تدخين السيجارة، وبالتالي فإن مدخني النرجيلة يمكن أن يستنشقوا كمية أكبر من المواد السامة، فيمكن أن يستنشق مدخن النرجيلة خلال جلسة عادية واحدة مدتها 45 – 60 دقيقة نسبة دخان تعادل ما يستنشقه مدخن السجائر من 20- 60 سيجارة، كذلك فإن الجمر أو الفحم المستخدم لحرق تبغ النرجيلة والفواكه المتعفنة التي تستخدم تزيد من المخاطر الصحية وتضيف مواد ضارة إلى دخان النرجيلة، بما فيها أول أكسيد الكربون ومعادن وكيميائيات مسببة للسرطان.

أهم المواد التي تحتويها أوراق التبغ اليابسة:

  1. النيكوتين: وهي مادة سامة جدًا تنتج عن احتراق التبغ، ويكفي تنقيط ثلاث نقاط من النيكوتين الصرف على لسان شخص لقتله.
  2. الأناباسين والميوزين والنيكوتيرين: وهي أشباه قلويات ثانوية لا تقل سمية عن النيكوتين.
  3. المواد المعدنية: تشكل 10 ـ25% من تركيب الأوراق وهي تتحول إلى رماد بالاحتراق.
  4. المواد البكتنية: تشكل 4ـ6% من تركيب الأوراق، ويتولد منها الكحول في أثناء الاحتراق، وإليها تعزى النشوة التي تنسب للتدخين.
  5. أول أوكسيد الفحم: وهو غاز سام جدًا يؤدي إلى الموت المحتم إذا زادت نسبته، وذلك لأنه يطرد الأوكسجين اللازم للتنفس.
  6. الأمونياك: وهو غاز يؤثر على العينين وإليه يعزى احمرار عيني المدخن.
  7. سيان هيدريك: وهو غاز شديد السمية، ويؤدي هذا الغاز إلى العقم عند الرجال، لتعطيله إنتاج الحيوانات المنوية، وعند النساء لتعطيله عملية التبويض.
  8. مواد مسرطنة تنتج عن احتراق أوراق التبغ، وفي مقدمة هذه المواد: القطران ـ الفورم الدهيد ـ الاكرولين ـ أملاح الأمونياك.

ما تأثيرات التدخين على الصحة؟

قد لا تكون تأثيرات التدخين فورية، إلا أن المضاعفات والأضرار يمكن أن تستمر لسنوات، وأهم هذه التأثيرات:

  • ضرر بالجهاز العصبي المركزي: حيث يصل النيكوتين إلى الدماغ خلال ثوان معدودة ويعطي شعورًا بالنشاط، كما أن الكحول الناجم عن احتراق المواد البكتنية يعطي شعورًا بالنشوة، لكن هذا الشعور يستمر لبعض الوقت ثم يتلاشى، فيزيد التعب ويحدث شعور بالقلق والنزق والغضب والعصبية واضطراب النوم، وهذا يزيد الرغبة بتناول المزيد من النيكوتين، ما يجعل الإقلاع عن التدخين صعبًا.
  • أذية بالجهاز التنفسي: مع مرور الوقت يؤدي استنشاق دخان احتراق التبغ إلى التهاب بطانة القصبات والقصيبات التنفسية وتدمير الحويصلات الرئوية، ما ينتج عنه عدة أمراض رئوية مثل انتفاخ الرئة والتهاب القصبات المزمن ومرض الانسداد الرئوي المزمن COPD وسرطان الرئة.
  • أذية القلب والأوعية الدموية: يزيد نبضات القلب بمقدار 10-25 نبضة في الدقيقة، ويؤدي إلى تصلب الأوعية وتضيقها (تشكل العصيدة الشريانية)، وهذا يزيد من السكتات القلبية والدماغية، ويؤدي لارتفاع التوتر الشرياني، ويزيد من خطر الإصابة بمرض الأوعية الدموية المحيطية، ويزيد من نقص التروية في الأغشية المخاطية للمعدة، ما ينتج عنه حدوث قرحات هضمية وصعوبة شفائها، كما أن تدفق الدم إلى القضيب يضعف، ما يؤدي إلى ضعف الانتصاب.
  • يُسبب تكسُّر ألياف الكولاجين في جلد الوجه، ما يؤدي إلى فقد الجلد لصلابته، وزيادة تجاعيد الوجه، وشيخوخته المبكرة، كما أن التدخين يعيق تدفق الدم إلى خلايا الجلد فيبدو بمظهرٍ شاحب.
  • يزيد من ترقق الشعر وتعرضه للتقصف، والشيب المبكر.
  • يجعل النساء أكثر عرضة لانقطاع الطمث المبكر، والنحافة، وكلاهما من عوامل الخطر للإصابة بهشاشة العظام.
  • يزيد من خطر الإصابة بمرض إعتام عدسة العين، و مرض الضمور البقعي، وكلاهما من الأسباب الرئيسية لفقدان البصر عند كبار السن.
  • يسبب اضطراب حواس الشم والذوق.
  • يسبب رائحة الفم الكريهة، وتلون الأسنان.
  • يسبب حدوث طفرات جينية (تغيرات جينية) في أعضاء مختلفة في الجسم، الأمر الذي يُفسر ارتفاع خطر إصابة المدخنين بـالعديد من السرطانات، من بينها سرطان الرئة، والفم، والمريء، والحنجرة، والكلية، والمثانة.
  • التدخين في أثناء الحمل يزيد من خطر حدوث الإجهاض، والولادة المبكرة، وصغر حجم المواليد، والتشوّهات الخلقية، كما يزيد من احتمال وفاة المواليد في أثناء الولادة، بالإضافة إلى زيادة خطر إصابة الوليد بارتفاع ضغط الدم، والسكري.

إضافة لكل ما سبق فإن أضرار التدخين لا تقتصر على المدخن فقط وإنما تؤثر على المُحيطين به أيضًا (التدخين السلبي)، كذلك فإن التدخين يسبب تلوث البيئة، كما يضر بميزانية الفرد، ويرفع تكاليف الرعاية الصحية، ويعيق التنمية الاقتصادية، كل ذلك يجعل الإقلاع عن التدخين واجبًا على كل مدخن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة