طرق جديدة لمعرفة أين تقع القرى السورية

tag icon ع ع ع

خليفة خضر

في طريقي إلى قرية يقطنها صديق شمال بلدة الراعي في محافظة حلب، اجتهادًا مني أخذت طرقًا ترابية أو كما تسمى “درب”، اختصارًا للوقت وللمسافات التي تساعد بوصولي إلى منزل صديقي بأقل وقت ممكن وكانت شمس حلب تميل للغروب، ولمعرفتي أنني أسير وسط مناطق، لا على أطراف مناطق وقرى تعتبر خط فاصل بين الجهات العسكرية التي تتقاسم خارطة حلب، أخذت أسير شرقًا وغربًا في دروب القرى علني أصل إلى منزل صديقي في أقرب وقت ممكن.

على الخارطة مكتوب لدي أسماء قرى وفي الواقع لا وجود لهذه القرى إلا على لوحات طرقية ممحية لقدمها أو لكثرة الرصاص، الذي قد يأكل نقطة الخاء أو نقطة الباء من اسم القرية، وأضيع في طريقي نظرًا لتشابه أسماء الكثير من القرى في سوريا. وصلت إلى نقطة كان لا بد فيها من السؤال عن القرية التي أقصدها، وهنا أوقفت مجموعة من النساء البدويات اللواتي يرعين الغنم بالقرب من خيمهن في أرض واسعة وخيمة تقع على جانبي دروب القرى، سألتهن عن القرية المراد الذهاب إليها، الأولى أخبرتني أنها ليست من هذه الأرض وهي قادمة من بادية الرقة ترعى الغنم هنا، وأخرى أخبرتني أن أسال بائع الوقود الظاهر أمام عيني على بعد كيلو متر واحد ربما، أما الثالثة والرابعة من النساء الكبار في السن فأخبرنني أن القرية المراد الذهاب إليها ربما يقطنها بدو أو ما يسمى “عرب” المحامدة.

وصلت إلى بائع الوقود متمايلًا بين حفر دروب القرى، سألته عن القرية، أخبرني أن القرية تقع بالقرب من تاجر نفط “فيول” مشهور، ولديه أرض وحراقات يبيع منها النفط ومشتقاته إلى إدلب وقرى غرب حلب وشمالها، سرت باتجاه تلك الأرض التي تبيع النفط ومشتقاته إلى قرى سورية، على الطريق رأيت مقاتلًا يحمل على كتفه كلاشنكوف، أخبرته عن القرية التي أريد الذهاب إليها، أخبرني أن أسير ولا ألتفت لا يمنة ولا يسرة، سأصادف منزلًا كبيرًا نوعًا ما وعليه راية فصيل وأمام المنزل (المقر) حاجز ترابي، أضع المقر والحاجز على يميني وأدخل طريقًا وأظل أسير فيه قليلًا، لأواجه مقرًا آخر لفصيل آخر ربما قد رحل إلى مكان آخر، ولكن راية الفصيل والعبارات الموجودة على جدران المنزل ما زالت موجودة، بمجرد وصولي إلى هذا المقر ستكون القرية أمام عيني ومحل بيع النفط ومشتقاته يكون على طرف المقر.

بهذه الدلالات، وبين عرب رحّل يقيمون بخيمهم على هضبة صغيرة، وبين أرض تحولت لحرق وتكرير النفط ومشتقاته، وأمام منزل كبير تحول لمقر عسكري هجره مقاتلوه، استطعت الوصول إلى قرية صديقي مع حلول الليل.

في السابق كانت تُقسَم سوريا لمن يريد الوصول إلى مكان فيها، إلى محافظات وهذه المحافظات تنقسم إلى مراكز المدن ومناطق وهذه المناطق تنقسم إلى نواحٍ وهذه النواحي تنقسم إلى بلدات وهذه البلدات تنقسم إلى قرى مكتوب عند مدخل ومخرج كل منها اسمها الموثق لدى سجلات وزراة الإدارة المحلية، لكن مع مرور الأيام ومع تعدد الجهات العسكرية التي تتناوب السيطرة أحيانًا على قرى وبلدات سوريا، باتت الطرق التي يوفرها الدليل أو الطرق التي يلقنها لك من تريد الذهاب إليه كلاسيكية، وربما لن توصلك إلى المكان بالسهولة السابقة.

على سبيل المثال ومع موجات الهجرة والتهجير إلى شمال سوريا، وتنوع السكان، بات من الصعب أن تصل إلى المكان الذي تريده كما في السابق، بل تغيرت معالم وربطت أسماء قرى بحواجز باتت أشهر من أهل القرية أنفسهم، ورُبطت أراضٍ بعرب بدو يقطنونها أو بمخيم بُني بطريقة عشوائية أو رُبطت قرية باسم الفصيل الذي يسيطر عليها وفقًا لمقراته وراياته التي ترفرف فوق مبنى المقر، وصار من الصعوبة الاستدلال إلى قرية ما بالطريقة القديمة بل بطرق أخرى لا يخدمها محرك البحث وتطبيق “جوجل ماب”، كما في المواقع التي ترتسم لك على الخريطة في مدن وبلدان أخرى كأسماء المطاعم والفنادق التي ربما تساعدك بالوصول إلى المكان الذي تريد الوصول إليه، بخلاف سوريا التي يجب أن تعرف أسماء المقرات والفصائل ومحطات الوقود والمخيمات لكي تستطيع الوصول إلى القرية التي تريد الذهاب إليها، مع غياب شبه كامل للطرقات الدولية والرسمية والاعتماد على دروب وطرق ترابية شقتها صهاريج الوقود أو سيارات المزارعين أو سيارات الفصائل التي كانت تسير هنا منذ مدة، كون المنطقة التي كانت نقطة فصل بين الجهات العسكرية المتحاربة غير موجودة على محركات البحث.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة