تعا تفرج

لا تجوز الرحمة على طيب تيزيني

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

أتذكر، يوم سَرَتْ، في أواخر سنة 2016، إشاعةٌ تقول إن الدكتور صادق جلال العظم قد توفي (قبل أن يُتَوَفَّى بالفعل) كيف سارع شبيحةُ النصرة والأحرار والإخوان إلى شتمه.. وبدلًا من أن يضعوا الأعمال والمقولات الفكرية التي جاء بها الرجل خلال نصف قرن على طاولة البحث والمراجعة والتدقيق، فتحوا لأجله باب الفتاوى، فيا ترى، هل يجوز الترحم عليه وهو الكافر الملحد الزنديق المرتد، أم لا؟ وبما أن هذه الأطياف من الشبيحة تحسبُ نفسها على ثورة الشعب السوري، فقد جاء مَنْ قال لهم إن صادق العظم من أوائل المؤيدين للثورة، ووقتها بَسْمَلُوا، واحتسبوا، وحَوْقَلُوا، وقالوا: اتركوه بحاله، لا تشتموه، ولا تترحموا عليه.

السيناريو نفسه، تقريبًا، تكرر إثر رحيل المفكر السوري الكبير طيب تيزيني، فالرجل الذي رحل عن خمس وثمانين سنة، ولم يجرؤ على الخروج في جنازته بمدينته “حمص” سوى خمسين شخصًا من المغامرين الذين لا يكترثون لبطش نظام بشار الأسد، لم يسلم من هذه الشتائم والفتاوى التي يطلقها ناشطون سياسيون إسلاميون بقصد زيادة الانقسام في المجتمع السوري، والتأسيس لقطيعة كبيرة محملة بالأحقاد بين الإسلاميين وبقية أطياف الشعب.

وكان من أكثر الذين يناصبون طيب تيزيني العداء الأخ الدكتور عماد الدين رشيد، رئيس “التيار الوطني الحر” الذي فهمنا من مقالته أنه لا يستخدم اللابتوب للكتابة، بل القلم، وقلمُه، على ما يبدو، يشبه حصان عنترة العبسي الذي يصهل في المعارك، ويحمحم، ويتلقى النبال بصدره.

كان قلمُ عماد الدين هادئًا، وادعًا، يرى العلمانيين الكفرة وهم يغدقون المدائح والثناءات على طيب تيزيني، فلا يحرك ساكنًا، ولكنه بمجرد ما رأى بعض إخوة المنهج يترحمون عليه شبَّ، ونفر، وصهل، وحمحم، وتعاطى على قائمتيه الخلفيتين وهو يقول: طاب الموت يا مسلمون! وعماد يحاول لجم الحصان، احترامًا لرهبة الموت وجلاله، ولكنه لم يفلح، فبدأ الكتابة بعبارة: ليسامحني الإخوة الكرام على مقالتي، لقد حرصتُ على أن ألجمَ قلمي فلم أتمكن.

ويبدو أن قلمه كان على حق في هذا الاستنفار، فالإسلاميون السُذَّجُ الذين انساقوا وراء الترحم على طيب تيزيني لا يعرفون أنه كان -بحسب ما جاء في المقالة- عميلًا صغيرًا عند حافظ الأسد! ومن أهم المنظرين لاستبداد حافظ الأسد، والمسوقين لموقفه من الإسلاميين، بل ومن الإسلام! وأنه كان من أهم مَنْ كان يعتمد عليه حزبُ البعث في تغيير الفكر الديني لدى الرفاق من طلبة البعثة الحزبية في كلية الشريعة؛ حيث كانت تستضيفه الفرقة الحزبية في الكلية لإزالة آثار كلية الشريعة من أدمغتهم!

عماد الدين رشيد، أخيرًا، رجل عادل، منصف، وأكاد أقول “ديمقراطي”، مؤمن بالآيات الكريمة التي تعطي للآخرين الحرية في الاعتقاد، ولكنه، إلى ذلك، رجل ذكي، يفهم لغة الإشارة، وهذا ما دفعه للقول: وكأن الإسلاميين لا يعرفون أن طيب تيزيني انتقل من كفر إلى كفر! ولم يقل لهم: أنتم سادة العارفين بأنه لا يجوز الترحم على الكافر، ولا يصح دفنه في مقابر المسلمين.. ولو كان حيًا فجزاؤه القتل!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة