الركام.. ثروة متروكة في سوريا

كيف يمكن الاستفادة من أنقاض المدن السورية؟

camera iconآلية تابعة لـ"مجلس الرقة المدني" تزيل أنقاض بناء مهدم بالكامل في مدينة الرقة شمالي شرقي سوريا - الأربعاء 9 أيار 2018 (سمارت)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – محمد حمص

تشكل الأنقاض هاجسًا لأهالي المناطق التي دمرت بفعل الحرب في سوريا، فرغم الفوائد المتوقعة من إعادة تدويرها، تؤثر عدة عوامل في البدء بترحيل الأنقاض وفرزها، تبدأ بالتكلفة المرتفعة لهذه العملية ولا تنتهي بعدم وجود المكبات المخصصة وغياب الدعم الحكومي.

الأنقاض.. ثروة متروكة

تعرف الأنقاض في معاجم اللغة العربية والهندسية بأنها بقايا هدم البناء، وهي آثار البناء من حجر وحديد بعد هدم المنازل، وقد تنجم الأنقاض بسبب عوامل طبيعية كالزلازل والانجرافات الأرضية، أو بسبب عوامل بشرية تتضمن التخريب والهدم المتعمد في النزاعات والحروب.

وفي 19 من أيار 2019، نشرت عنب بلدي ملفًا عن الأنقاض في سوريا والمحاولات الفردية لإزالتها دون تدخل حكومي، قسم فيه المهندس مظهر شربجي، مسؤول الحوكمة وبناء القدرات في “وحدة المجالس المحلية” بسوريا، الأنقاض إلى نوعين، الأنقاض الساقطة المجمعة التي تصرف وترحل إلى مكبات أنقاض لإعادة تدويرها، والأنقاض القائمة لكنها غير صالحة للسكن، وتحتاج إلى تقييم لاتخاذ قرار حول الهدم أو الترميم.

وأكد شربجي أهمية إعادة تدوير الأنقاض للاستفادة منها في استخدامات إنشائية مستقبلية، معتبرًا أن الأنقاض “ثروة وطنية” تحتاج إلى خبراء فرز وإلى لجان تقييم، إذ يمكن استثمار الإسمنت لإعادة استخدامه، والحجر والبحص لتوظيفها في ترميم وتعبيد الطرقات، وفي البلوك أيضًا.

وتتكون مخلفات الأبنية عادةً من ناتج الخرسانة والسيراميك والبلاط والزجاج والحديد والأخشاب والإسفلت والتربة وما ينتج عن تمديدات صحية وكهربائية.

وغالبًا يتم اتباع وسائل محددة للتعامل مع هذه الأنقاض في الدول التي تتوفر فيها معامل إعادة التدوير، ولكن يختلف أسلوب التعامل مع الأنقاض تبعًا لنوعها، فعمليات الهدم تنتج عنها مواد يمكن بعد فصلها أو تجميعها تقسيمها إلى مواد وعناصر يقبل استخدامها مباشرة بحالتها (معادن، حديد، خشب)، أو مواد يمكن إعادة استخدامها بعد المعالجة مثل (الركام، الحجر، الخشب)، أو مواد لا يمكن استخدامها لأنها ملوثة وضارة بالبيئة والصحة مثل مواد العزل.

ما حجم الأنقاض في سوريا؟

تغيب الإحصائيات الدقيقة والرسمية عن حجم الأنقاض الذي خلفته الحرب في المدن والمحافظات السورية، بالوقت الذي تحضر فيه التقييمات لتحل محل تلك الإحصائيات.

الأرقام التي خرجت بها حكومة النظام كانت قبل نحو ثلاث سنوات، حينما تحدثت عن 30 مليون طن، على لسان مدير الشركة العامة للطرق والجسور في سوريا، لؤي بركات، في 20 من أيار من عام 2016، ولكن هذه الإحصائية ليست ثابتة مع متغيرات الأحداث والمعارك في سوريا منذ تاريخ صدورها إلى هذه اللحظة.

فاطمة الصالح، أستاذة في جامعة حلب، أعدت دراسة عن الاستفادة من الأنقاض، وعن عملية التقدير الدقيق لمخلفات الأبنية، وقالت، في حديث مع صحيفة “الوطن” المحلية، إن العملية تحتاج لتنظيم جيد كي يمكن تحديد أنواع الأنقاض وكميات هذه الأنواع وتوزعها الجغرافي.

وتحتاج الحالة السورية إلى تصنيف دقيق ليتم فرز وتصنيف الأنقاض حتى يتم الاستفادة من قيمتها الاقتصادية بالشكل الأمثل.

وقالت الأستاذة الجامعية، تعليقًا على دراستها المقدمة مطلع عام 2017، إن الكميات التقديرية لهذه الأنقاض والمخلفات كبيرة جدًا، فعلى سبيل المثال في حال تضرر 500 ألف شقة طابقية بمساحة وسطية بحدود 100 متر مربع فإن حجم الأنقاض الناتجة سيزيد على 50 مليون متر مكعب، وهذه الكميات تشكل أكبر مبرر اقتصادي لنشوء صناعة تدوير أنقاض حقيقية ذات جدوى.

عمليًا.. كيف يتم التعامل مع الأنقاض

عملية إزالة الأنقاض معقدة بسبب حاجتها للفرز من أنقاض يعاد تدويرها وأخرى لا يعاد تدويرها، كما يعتبر مشروع إعادة تدوير الأنقاض من المشاريع الحديثة في العالم والتي تهدف إلى الحفاظ على البيئة.

وأوضح حازم إدي، وهو سوري يعمل في مجال تجارة معدات البناء، في رسالة بعثها إلى عنب بلدي تعقيبًا على ملف الأنقاض الذي نشرته الصحيفة، أن عملية الإزالة تتم باستعمال حفارات خاصة ذات ذراع طويلة مزودة بمقصات هيدروليكية لقص الأعمدة والصبات الخرسانية، قبل تحميل هذه الأنقاض إلى مكبات إعادة التدوير، التي تتألف من كسارة رئيسية تقوم بطحن الكتل الإسمنتية الضخمة لفصل الحديد وتحويلها إلى حصى صغيرة، للاستفادة منها مجددًا.

وينقل الناتج إلى كسارة ثانوية تطحن الحصى وتحوله لحبات أصغر، قبل نقل الناتج إلى غربال يفرز الحصى في أكوام بحسب قياسها، ثم يستخدم الناتج النهائي إما في فرش الطرق أو تحت الأبنية أو كحصى للإسمنت، بحسب إدي.

وأضاف أن استطاعة المكب المتوسط هي تدوير حوالي 2000 متر مكعب في اليوم، مشيرًا إلى أن الأنقاض في سوريا قد لا تقل عن 200 مليون متر مكعب.

وتبلغ تكلفة إنشاء المكب، وفق إدي، نحو أربعة ملايين يورو، تستعاد من خلال أجور إزالة الأنقاض وبيعها بعد إعادة تدويرها.

اللاجئون محرومون من أنقاض منازلهم

في إطار خططه التنظيمية لمرحلة إعادة الإعمار، وقبيل إصدار القانون “رقم 10” وكخطوة تمهيدية له أصدر رئيس النظام السوري القانون “رقم 3” الخاص بإزالة الأنقاض، الذي جاء بعد دراسات أعدت محليًا لكيفية إزالة الأنقاض والاستفادة منها وإحصائها.

في 12 من شباط 2018، وكخطوة تمهيدية للقانون “رقم 10″، أقر رئيس النظام السوري، بشار الأسد، القانون “رقم 3” الخاص “بإزالة أنقاض الأبنية المتضررة نتيجة أسباب طبيعية أو غير طبيعية أو لخضوعها للقوانين التي تقضي بهدمها”.

ضم القانون 14 مادة تنظم عملية إزالة الأنقاض والاستفادة منها، تمهيدًا للتصرف بها وتحديد مصير ملايين الأبنية المتضررة، سواء بترميمها وتدعيمها أو هدمها وإزالتها.

تنص فقرات القانون على آلية إزالة الأنقاض وتحديد المناطق العقارية والمباني المتضررة المشمولة بأحكامه وتحديد المهلة لإعداد التقارير عن واقع المناطق، والتي لا تزيد على 120 يومًا، بحسب القانون.

كما ينص القانون على آلية تشكيل لجنة مهمتها توصيف المباني المتضررة والتثبت من ملكيتها وملكية المقتنيات، والتي تشكل لب المشكلة المستقبلية التي تقف عائقًا في وجه أصحاب العقارات لا سيما اللاجئين منهم.

وتتألف هذه اللجنة من قاض عقاري يسميه وزير العدل، ورئيس دائرة المساحة في مديرية المصالح العقارية المختصة، وممثل عن الوحدة الإدارية من الفئة الأولى، وخبير تقييم عقاري، وممثلين اثنين عن الأهالي.

وينص القانون على إعداد اللجنة جدولًا بأسماء المالكين خلال 120 يومًا، كما ينص على قيام الأهالي بتثبيت ملكياتهم وتحديد مقتنياتهم خلال 30 يومًا من تحديد المنطقة المراد إزالة أنقاضها.

ويجب أن يتضمن هذا الجدول اسم المنطقة العقارية وأرقام العقارات وأسماء مالكي المقتنيات الخاصة والأنقاض وحصة كل منهم والمعلومات الضرورية الأخرى.

ويمكن لمالكي العقارات الطعن بما جاء في الجدول خلال 30 يومًا من اليوم التالي لنشره، ثم تحدد الوحدة الإدارة المعنية بعد انتهاء مهلة الإعلان موعدًا لبيع الأنقاض في المزاد العلني، وبهذه الحالة تباع أنقاض الغائبين دون علمهم.

وفي حال أثبت المالك ملكيته لأنقاض عقاره بعد مدة الطعن وتنفيذ القرار الخاص بالعقار، يحصل على البدل النقدي، بحسب القانون، الذي بموجبه “تودع قيمة الإحالة القطعية في حساب خاص باسم الوحدة الإدارية لدى أحد المصارف العامة ويجمد لحساب أصحاب الاستحقاق الذين تثبت ملكيتهم”، ولكن الفقرة التالية تقول إن نفقات إزالة الأنقاض تحسم من الأموال المودعة.

وكان معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR) نشر، في 13 من آذار الماضي، أطلسًا يبين مدى الدمار الذي لحق بالمحافظات والمدن سورية خلال الأعوام الثمانية الماضية، مستندًا إلى تحليل صور الأقمار الصناعية وعرض خرائط تبين توزع الدمار وكثافته في 16 مدينة ومنطقة سورية، شهدت النسب الأكبر من الدمار، والتي تصدرت قائمتها محافظة حلب، وشمل مدن الشمال الشرقي لسوريا والمنطقة الوسطة والمناطق المحيطة بدمشق (الغوطتين والمنطقة الجنوبية) بالإضافة للمناطق الجنوبية المتمثلة بمحافظة درعا.

وحدد البحث معايير لقياس نسبة الدمار، وهي اعتبار أن المبنى مدمر كليًا إذا كان الضرر به بنسبة من 75 إلى 100%، في حين يعتبر مدمرًا بشكل بالغ إذا كانت نسبة الضرر من 30 إلى 75%، ويكون مدمرًا إلى حد متوسط إن كانت نسبة الضرر من 5 حتى 30%.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة