تعا تفرج

السوريون ومبدأ “حط في الخرج”

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

في السابق؛ كان السوريون يأخذون الأمور ببساطة. من أمثالهم: إذا بدك تستريحْ، أيش ما شفتْ قُلْ مليحْ. ومن أمثالهم: الشهر اللي ما إِلَكْ فيه معاش لا تعد أيامو. ومن أقوالهم الدارجة: سَطِّحْ، وحط في الخُرْج، واسمعْ وطنشْ. اليوم ما عادوا كذلك. السوري الثائر لا يسمع ولا يرى ولا يقبل بسماع أي وجهة نظر غير ثورية. ويُطلق على مَنْ يخالفه الرأيَ لقبَ “شبيح”. إذا كان السوري الثائر إسلاميًا يريد منك أن تكون ثائرًا من أجل نصرة دين الله، وتطبيق شرع الله، ويجب أن تسمي وقوفك في وجه النظام “جهادًا”.

ثمة نماذج متطورة عن تلك التي حكينا عنها. مثلًا: رجلٌ ثائر لا يحب الإخوان المسلمين. شيء طبيعي، وعادي، أن يوجد رجلٌ لا يحب الإخوان المسلمين، بل ويمكن أن يتفق الكثيرون معه بالرأي، وأنا منهم. بيد أن هذا الرجل يُعلن أنه يحب أي شخص يشاركه كراهية الإخوان! تقول له: يا أخي، بشار الأسد مثلك، لا يحب الإخوان المسلمين، ولكنه يقتل شعبه.. أيعقل أن تنزل، وأنت الإنسان الطيب المحترم، إلى مستوى أن تحب بشار الأسد؟! ولكنه يمضي في عناده، ويعلن حبه الأسد نكاية بالإخوان، وقد يمتدحه، ويتهم خصومه بأنهم -بلا استثناء- وهابيون، دواعش، عراعير، عصمانليون.. ويا سيدي، إذا لزم الأمر أن يكتب كم مقالة عن مناقب بيت الأسد، وولعهم بالحرية والديمقراطية، واحترامهم للشعب، يكتب، وإذا تَطَلَّبَ الأمرُ أن يأخذ من البوط العسكري (مَجْقْتين) أمام كاميرات التلفزة، يأخذ ثلاثة، ويمرغ (مِشْدَاقَهُ) بالبوط، وإذا جاء يوم تصالح فيه الأسد مع الإخوان المسلمين، لا تستبعد أن يُجري عمليةَ التفاف، و”تكويع”، وتطويع للغته الخطابية، ليقول لك: يا أخي يبقى الإخوان المسلمون أبناء بلدنا، ومن مكونات شعبنا، والظُفْر لا يخرج من اللحم.

رجل آخر، يكره نظام حافظ الأسد ووريثه، لأنه نظام مخابراتي، متسلط، مخلوفي (نسبة لرامي مخلوف المتخصص بنهب خيرات البلد)، وراثي، أبدي، لا يسمح باشتراك الشعب بالحكم والتداول السلمي للسلطة، حارب شعبه، وسلم قيادةَ البلاد ومقدراتها للروس والإيرانيين وحزب الله. في الحقيقة هذا إنسان رائع، وأنت تعتبر نفسك مثله. ولكنك إذا انشغلتَ عنه، وتركته شهرًا، أو شهرين، ودخلتَ إلى صفحته، فقد تُفَاجَأ بأنه يعادي الأسد ويحاربه بالسلاح لأنه نصيري معادٍ لنا نحن أهل السنة والجماعة، يسمح للمسكوف الكافرين بالدخول إلى بلدنا، ويستنجد بالروافض، والمجوس! ولئن طاب لك المكوث في صفحته مدة أطول فستجد أنه يضع صورة شامخة للأخ “أبو عدي” صدام حسين، الرئيس الشهيد، أسد السنة الذي قتله الأمريكيون الروافض والمجوس، لأنه أراد أن ينصر دين الله ويُعلي شأن المسلمين.

رجل ثالث ليس بداعشي، بل ويعادي تنظيم داعش، تقول لنفسك: عال. يعني هو مثلنا. تزور صفحته فتكتشف أنه لا يعاديهم لأنهم إرهابيون، معادون للشعب والثورة، مرتبطون بأجندة غير وطنية، بل لأنهم “خوارج” لا يتبنون تفسيره وتفسير جماعته لديننا الحنيف. يسميهم “تنظيم الدولة” ولا ندري إن كان يدعو لهم في سره بالهداية، والعودة إلى جادة الصواب!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة