العمليات تتصاعد.. والفاعل مجهول

درعا: تحليلات بين استهداف الروس شرقًا والفرقة الرابعة غربًا

عناصر من قوات الأسد يلتقطون صورة في ريف درعا - تموز 2018 (رويترز)

camera iconعناصر من قوات الأسد يلتقطون صورة في ريف درعا - تموز 2018 (رويترز)

tag icon ع ع ع

عمر الحريري

أسبوع مشتعل بالأحداث عاشته محافظة درعا، فما إن بدأ الإعلام يتداول ويناقش الاستهداف الذي تعرض له طريق مرور دوريات المراقبة الروسية في ريف درعا الشرقي، وهو الاستهداف الأول من نوعه الذي يتعرض له الروس جنوبي سوريا، حتى اشتعل الريف الغربي بهجوم تعرضت له حافلة تقل عناصر من الفرقة الرابعة التابعة لقوات النظام، أدى إلى مقتل وجرح عشرين ضابطًا وعنصرًا، على بعد ساعات من عملية أخرى، غربًا أيضًا، أدت إلى مقتل ضابط برتبة عميد وعدد من أفراد عائلته.

العبوات الناسفة بدأت تدخل مشهد محافظة درعا بشكل دراماتيكي ومتصاعد، لا يربطها ببعضها إلا أن الفاعل فيها مجهول ورهن التوقعات والتحليلات.

لست من أنصار نظريات “المؤامرة” التي يحاول كل طرف تداولها واتهام الطرف الآخر الذي يراه مناسبًا لموقفه من الأحداث جنوبي سوريا، لذلك أميل لمناقشة ما يجري بشكل عقلاني أكثر.

في البداية، فالتفجير الذي استهدف طريق مرور الروس شرق درعا، داخل مناطق النفوذ الروسي، والتفجير الذي استهدف “الرابعة” غرب درعا، داخل مناطق نفوذها، يعني أن من يقف خلف التفجيرين، سواء كان طرفًا واحدًا أو أطراف عدة، يوجه رسائل واضحة مفادها أنه قادر على استهداف خصومه داخل مناطق سيطرتهم. لا نعلم من يُرسل هذه الرسائل لكنه أوصلها بشكل واضح وقوي.

نحن الآن ننتقل في درعا من مرحلة عمليات الاغتيال بالرصاص والتي كانت تستهدف أشخاص وفئات متعددة، إلى مرحلة استخدام العبوات الناسفة، وليس أي نوع من العبوات، بل هي ذات قدرة تدميرية كبيرة وقادرة على إصابة أهدافها وحماية منفذها.

من يقف خلف هذه العمليات؟ هو السؤال الكبير والأبرز في مشهد محافظة درعا. لكن غياب المعلومات يجعل من الجزم بالإجابة أمرًا مستحيلًا، وكل ما يتم تداوله لا يخرج من إطار التحليلات، التي سأغوص في تفاصيل بعضها في محاولة فهم واستنتاج الأقرب للحقيقة بينها.

يتصدر مسمى “المقاومة الشعبية”، الذي باتت تُنسب له كل العمليات التي تستهدف النظام في درعا، المشهد مع كل عملية عسكرية أو أمنية جنوب سوريا، لكن هذا المسمى بوصفه العسكري لم يعد مطروحًا وقد تجاوزناه منذ فترة طويلة.

هذا الاسم مازال حاضرًا لكن كحالة إعلامية لا أكثر، لم يثبت وجوده على الأرض، و”الفقاعة” التي وضع البعض هذا الاسم داخلها مع بداية تعرض النظام للهجمات في درعا، تلاشت واتضح حجم التهويل الذي رافقها.

المصطلح مازال موجودًا، لكنه كحركة إعلامية شعبوية لا أكثر، لا وجود وتمثيل عسكري حقيقي لها على الأرض، هي تماثل ما كنا نشهد مع بدايات العمل العسكري في الثورة السورية، عندما كنا نسمع مصطلحات كـ “الثوار” أو “الجيش الحر” أو “المجاهدين” أو “الشباب” أو “الأبطال” وغيرها من المصطلحات لوصف من ينفذ العمليات ضد قوات النظام وحواجزه، جميع هذه المصطلحات لم تكن مدرجة في إطار تنظيمي واضح، وكانت تضم داخلها عشرات الفئات المختلفة والمتناحرة أحيانًا.

تلاشت هذه المسميات مع مرور الزمن وظهور هيكلية عسكرية للفصائل. “المقاومة الشعبية” حالة مماثلة، وإدراج منفذ هذه النوعية من التفجيرات تحت هذا المسمى لن يساعد في فهم ما يجري، فالمصطلح عام والداخلون فيه مجهولون.

من جانب آخر، ما بات كثير التكرار مؤخرًا، هو الحديث عن خلاف روسي إيراني في جنوب سوريا حول المكاسب التي حققتها “اتفاقية التسوية”، بين رغبة الإيرانيين في توسعة النفوذ والتقييد الروسي لهم في إطار الاتفاقيات الإقليمية. ترى بعض التحليلات أن الروس والإيرانيين بدأوا يتبادلون الرسائل بالعبوات الناسفة في درعا، كل طرف يستعرض قوته أمام الآخر باستهداف الأطراف الموالية له.

ومن الصعب، إن لم يكن من المستحيل حاليًا، تأكيد صحة هذه النظرية، ما لم يخرج أي من الطرفين ويلمح لوجود هذا الخلاف.

الثورة السورية بما تملكه من مقومات محلية عاجزة عن الوصول لإجابة قاطعة بوجود هذا الخلاف من عدمه، والأمر يحتاج إلى أجهزة استخبارات إقليمية أو دولية للتحقق منه، دون أن ننسى أن إيران حاليًا ليست بوضع يسمح لها بالدخول في صراع مع الروس يصل إلى استهداف عناصره بالعبوات الناسفة.

الإيرانيون الآن يعيشون لحظات حرجة في مواجهتهم مع أمريكا وإسرائيل وبعض دول الخليج العربي حول الملف النووي، وهم متمسكون بحليفهم الروسي في هذا الملف ولا يملكون الشجاعة والقدرة على خسارته.

كما أن الحديث عن مواجهة روسية إيرانية يجعلنا نشعر أننا أمام ندّين في المواجهة، وهذا أمر غير صحيح أمام السيطرة الروسية على كافة مفاصل القرار السياسي والعسكري داخل سوريا، ولولا التفاهمات الروسية مع الإسرائيليين لعبثت طائراتهم في المواقع الإيرانية داخل سوريا كل يوم.

ويتجلى هذا الأمر في التصريحات الأخيرة لزعيم حزب الله اللبناني، حسن نصر الله، عندما طالب الروس بالتدخل لإيقاف الغارات الإسرائيلية على سوريا. اعتراف صريح بمن يملك القرار والنفوذ.

نقاط عديدة تجعلني أقلل من صحة هذه النظرية، لكن لن أنفيها قطعًا فما تملكه إيران من “جنون للعظمة والتوسع” يجعل أي خطوة “غبية” من الممكن أن تقوم فيها أمرًا وارد الحدوث.

وجهة نظر أخرى، في سياق تحليل الفاعل في هذه التفجيرات، مرتبطة بحادثة وقعت أواخر العام الماضي قد لا تنفصل عن سياق ما يجري حاليًا، الحديث هنا عن مقتل الاسم البارز في تنظيم القاعدة في سوريا إياد الطوباسي، الملقب أبو جليبيب، رفقة عدد من مرافقيه في أثناء محاولتهم العودة من إدلب إلى درعا، فيما قيل حينها، وأكده أكثر من مصدر مرتبط بالجماعة، أنه تجهيز لتنفيذ عمليات ضد النظام في جنوب سوريا. هذه المجموعة قُتلت لكن من المرجح أن الفكرة لم تُقتل.

نوعية العمليات التي بدأت تظهر الآن، الاستهداف باستخدام العبوات الناسفة، هو أسلوب تتقنه الفصائل ذات الطابع “الجهادي” وتحديدًا تنظيما القاعدة والدولة ومشتقاتهما. كذلك إن لم ننسَ التاريخ الذي تمتلكه جبهة النصرة في جنوب سوريا، والتي نفذت عشرات العمليات من هذا النوع بين عامي 2011 و2012 دون إعلان للمسؤولية لمدة أشهر، قبل أن تثبت وقوفها خلف هذه العمليات من خلال مقاطع مرئية متتالية. ما يجري الآن يحاكي تلك المرحلة بالكثير من التفاصيل.

في سياق مرتبط وبين كل التحليلات المتداولة، هناك نظرية تستحق الوقوف عندها والتمعن فيها جيدًا، هي ما يتم الإشارة له بتورط وافتعال النظام لهذه الهجمات، وأنه يقف خلف استهداف ضباطه وعناصره. من الممكن القول أن النظام، الممتعض وغير الراضي بـ “اتفاقية التسوية”، يبحث عن إجهاض هذه الاتفاقية وإقناع الروس بضرورة الانتقال إلى المرحلة التالية، التي سيكون هو الرابح الأكبر فيها.

النظام، المنهزم على جبهات إدلب، يبحث عن استعادة هيبة الانتصارات من جديد، وليس أمامه إلا محافظة درعا، الضعيفة عسكريًا، والتي بكل تأكيد لن تكون قادرة على الدخول في مواجهة عسكرية مفتوحة مع قوات النظام في حال قرر اجتياح مناطق “التسوية” فيها.

سيواجه النظام ببعض القوة وستقع بعض التصادمات بكل تأكيد، فهذه المناطق مازالت حاضنة لأعداد من المقاتلين وأسلحتهم ولن يكون سقوطها يسيرًا، لكنهم بكل تأكيد لا يملكون ما يكفي للدخول في حرب مفتوحة ستنتهي بـ “انتصار” النظام حتمًا. انتصار يبحث عنه جنوبًا تحت وطأة هزائمه شمالًا.

استعادة النظام لمناطق “التسوية” سيمهد للإجهاض على ما تبقى من “اتفاقية التسوية”، وسيضع عشرات الآلاف من الفارين من الخدمة الإلزامية بيد النظام من جديد، وسيمنح النظام فرصة جديدة للعبث في خارطة جنوب سوريا وإعادة رسمها وتوزيع السيطرة فيها بما لا يرضي دول الجوار.

الضوء الأخضر الروسي هو فقط ما يمنع النظام من هذا “الحلم”، وربما التفجيرات الأخيرة، التي بدأت تطال الروس مباشرة، وارتفاع أعداد القتلى والمخاوف من تدحرج “كرة ثلج التفجيرات” بشكل أكبر هي الذريعة التي يفتعلها النظام لإقناع الروس بالموافقة على إنهاء اتفاقية التسوية، وإعادة رسم المشهد من جديد. لكن ماذا لو اكتشف الروس أن النظام من يقف خلف هذه الهجمات، إن صحت هذه النظرية طبعًا، وأنه يلعب بالنار وبدماء العسكريين الروس؟

يجب القول بكل وضوح: حتى الآن، لا يملك أحد معلومات دقيقة حول من يقف خلف الفوضى الأمنية والتفجيرات والاغتيالات التي تشهدها محافظة درعا، فهي عبثية وفوضوية بشكل كبير، تستهدف فئات متعددة وأشخاص بمرجعيات مختلفة، قد تكون إحدى الفرضيات السابقة صحيحة وقد تكون جميعها، وربما هناك غيرها.

المشهد ضبابي جدًا، والمقومات اللوجستية لصناعة الفوضى موجودة عسكريًا وبشريًا وأمنيًا، ونحن ما زلنا في الذكرى الأولى لـ “اتفاقية التسوية” فقط، وهناك الكثير للحديث عنه في المستقبل.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة