سلسلة الأمراض والاضطرابات النفسية للمعتقلين في سوريا

المعتقلون بين الأمل واليأس

tag icon ع ع ع

استعرضنا أساليب الضغط والتعذيب النفسي المتبعة في معتقلات الأسد العدد الماضي، كالحبس الانفرادي وغسيل الدماغ عن طريق الشبح واستغلال خوف المعتقل من فكرة واستخدامها ضده، بالإضافة إلى الآثار السلبية لكل منها؛ ونستمر اليوم في عرض المزيد من هذه الأساليب:

الإيماء بإطلاق السراح:

يستخدم المحققون في أفرع الأمن هذا الأسلوب ليس من أجل انتزاع الاعترافات فقط، وإنما بهدف اللعب «بثيرمومتر مشاعر التفاؤل واليأس» لدى المعتقل.

ويؤدي رفع مستوى التفاؤل لديه إلى شعور بقرب الفرج والحرية، ثم يتركه المحقق ليعيش أحلام اليقظة في زنزانته، يبدأ خلالها المعتقل بتخيل نفسه في الخارج مع أهله وأصحابه، حتى إنه يبدأ بتصور الأطعمة التي سوف يأكلها عند خروجه.

بعد جرعة التفاؤل هذه يستدعي المحقق المعتقل ويشير إليه مرة أخرى أنه لن يخرج الآن وأن الإجراءات ستأخذ وقتًا، هنا تأتي جرعة اليأس ويقضي المعتقل فترة من الزمن كي يعود ليدرك واقعه ويتأقلم معه.

قد يكرر المحققون هذا الأسلوب أكثر من مرة، ما يؤدي إلى ارتفاع مؤشر التفاؤل ومن ثم اليأس الأمر الذي يضرّ بنفسية المعتقل ويصعّب عليه التأقلم مع الواقع الحقيقي الذي يعيشه وينعكس ذلك بشكل كبير على صحته النفسية والبدنية.

محمد، معتقل في فرع الأمن العسكري بحماة، يعبر عن حالة مماثلة مر بها فيقول «بعد أن أخذ مني المحقق كل الاعترافات التي يريد، قال لي: سأسوي وضعك وأخرجك من هنا قريبًا».

ويكمل «رجعت إلى زنزانتي وأنا فرحٌ بالخبر وصرت أخطط لما سأفعله عند خروجي وكيف سأضم أولادي وزوجتي وأقبل يد أمي، وكيف سيكون استقبالي من أهل الحي، حتى قررت أكل اللحم المشوي يوم خروجي، ولم أعد مهتمًا بالطعام الذي يقدم في الزنزانة إذ أعطيت حصتي وبطانيتي لغيري».

وبعد أسبوع استدعى المحقق محمد الذي يظن بأنه سيفرج عنه، لكنه فوجئ بأن الأمر قد يتطلب وقتًا طويلًا وغير معروف ليعود إلى زنزانته محبطًا، لم يكلم أحدًا ليومين وبعدها «بدأت أشعر بالبرد والجوع فطلبت البطانية وعدت إلى اللقيمات مؤمنًا بأن أحلامي بالخروج تلاشت».

يختم محمد بالقول «كرر المحقق التجربة 3 مرات، وفي كل مرة تعيد الحالة نفسها كما المرة الأولى».

بكل تأكيد لا يُلام محمد على هذا، فبصيص أمل يعني الكثير بالنسبة للمعتقل.

منع الزيارات أو معرفة مكان الاعتقال:

سياسة النظام المتبعة لدى اعتقال أحدهم هو عدم تبليغ أهله بمكان احتجازه ومنع زيارته.

بلاشك هذا الأمر يثير قلقًا كبيرًا عند أهالي المعتقلين، كما أن له انعكاسات سلبية كبيرة عند المعتقل نفسه، فبرغم كل الظروف السيئة التي يتعرض لها يحجز هذا الأمر مساحة كبيرة من تفكيره وانشغاله.

ويتمنى المعتقل أن يحصل على أي طريقة ليبلغ أهله أنه على قيد الحياة وأنه في المكان الفلاني علهم يحاولون إخراجه.

ويرتد قلق الأهل على المعتقل، فالهمّ الذي يحمله والتعذيب الجسدي وضعف الغذاء بحد ذاتهم يكفيان لإضعاف كافة القدرات الدفاعية النفسية، وفي حال احتمال زيادة القلق من جهة خارجية يصبح المعتقل جاهزًا لانهيار عصبي كامل.

محمود معتقل في فرع فلسطين يقول «اعتقلت قبل عام على أحد حواجز طريق العمل في دمشق، وكان كل همي أن تعرف أمي المريضة أنني بخير، وأن أطمئن على صحتها وأنها على قيد الحياة».

ويختم «كنت أبكي كل ليلة وأدعو فقط لأعرف ماذا حل بها وأن تعرف ما حل بي… كانت الطريقة الوحيدة لذلك».




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة