بدل الخدمة العسكرية.. تذكرة باهظة “للعودة إلى الوطن”

camera iconازدحام المراجعين امام القنصلية السوري في اسطنبول (انترنت)

tag icon ع ع ع

ناصح المنلا – برنامج “مارِس” التدريبي

في حي “عثمان بيه” الاسطنبولي، اضطر عبد الرحمن (25 عامًا) لقضاء ساعات أمام مبنى القنصلية السورية خلال شهر تموز الماضي، ضمن طوابير تضم عشرات السوريين من عدة ولايات تركية، حضروا لإتمام معاملات رسمية مختلفة.

لكن المهمة التي جاء عبد الرحمن من أجلها، لم تكن اعتيادية، واستدعت منه دفع مبلغ كبير، مقارنة مع ما يُدفع في المكاتب القنصلية، التي من المفترض أن تقدم خدماتها بالمجان لمواطنيها.

يقول عبد الرحمن، وهو شاب من ريف دمشق، لعنب بلدي، “لم أفكر يومًا بالعودة إلى سوريا وهي بهذه الحال من الفقر والفوضى، إضافة إلى حالات الاعتقال والقتل، لكني مؤخرًا أعدت النظر في الأمر”.

وكان عبد الرحمن (رفض نشر اسمه كاملًا لدواعٍ أمنية)، اتخذ منذ منصف شهر تموز الماضي قرارًا بمغادرة مدينة اسطنبول، هربًا مما أسماه “سياسة التضييق على السوريين”، وعزم على العودة إلى سوريا، فاضطر من أجل ذلك إلى دفع بدل الخدمة العسكرية.

ورصدت عنب بلدي حالات عدة لشبان اتخذوا خطوة مماثلة، كرد فعل على القرارات التركية الأخيرة التي تفرض على حملة وثيقة الحماية المؤقتة (كمليك) في اسطنبول، العودة إلى الولايات التي حصلوا منها على وثائقهم.

ظاهرة عامة

يقول صاحب مكتب لحجز المواعيد في القنصلية السورية (طلب عدم كشف اسمه لأسباب تتعلق بطبيعة عمله)، إن “إقبال الشباب السوريين على حجز مواعيد تتعلق بدفع بدل الخدمة العسكرية تزايد بشكل كبير وملحوظ في الآونة الأخيرة، فقد وصل العدد إلى الضعف مع بداية شهر تموز الماضي”.

ويضيف السمسار، المقرب من موظف في القنصلية السورية، أن عدد المراجعين بهدف دفع بدل الخدمة العسكرية قبل شهر تموز الماضي كان بحدود 500 مراجع شهريًا، أي بمعدل 20 مراجعًا يوميًا، بينما وصل العدد في شهر تموز إلى ألف مراجع شهريًا.

وحول أسباب هذا التزايد يقول السمسار، “التضييق على السوريين والإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة التركية بحقهم كانت السبب الرئيسي وراء رغبة الشبان في العودة إلى سوريا، إضافة إلى تمكن كثير من الشبان من جمع المبلغ المطلوب لدفع البدل بعد المدة الطويلة التي قضوها وهم يعملون في تركيا”.

وشهد شهر تموز الماضي، جملة من الإجراءات بحق السوريين في اسطنبول من قبل الحكومة التركية، وتضمنت هذه الإجراءات ترحيل سوريين نحو الداخل السوري، تجاوز عددهم ستة آلاف بحسب معبر باب الهوى، كما أمهلت الحكومة التركية السوريين الذين استصدروا بطاقات حماية مؤقتة من خارج اسطنبول حتى 20 من شهر آب الحالي للعودة إلى الولايات التي استصدروها منها.

“مرغمٌ لا بطل”

يستعد عبد الرحمن اليوم لإتمام معاملة دفع البدل، وفي حال إتمامها يستطيع العودة إلى سوريا من مطار دمشق الدولي، أو عبر المعابر الحدودية بين سوريا ولبنان، كما يمكن أن يغادر عبر معبر كسب الحدودي بين تركيا وسوريا.

يتحسر عبد الرحمن على الحياة التي سيتركها في اسطنبول، ويضيف في حديث لبرنامج “مارِس”، “سأغادر بعد أن تعلمت اللغة التركية وأسست لحياتي في اسطنبول، حيث العمل والأصدقاء”.

ورغم أنه يحمل وثيقة حماية مؤقتة من الولاية التي يقيم فيها، آثر أن “يحفظ كرامته”، على حد تعبيره.

محمد (28 عامًا)، يستعد للعودة أيضًا، وكان قد شرع بإتمام إجراءات دفع البدل، ويؤكد لعنب بلدي أن سبب خروجه من سوريا كان رفضه الالتحاق بالخدمة العسكرية، وبمجرد زوال هذا السبب لن يكون هناك مبرر لبقائه في الخارج.

ويتابع محمد (طلب عدم نشر اسمه لدواعٍ أمنية)، “لم يبق لي إلا القليل وأكون حققت شرط الاغتراب خارج سوريا لأتمكن من دفع البدل والعودة”.

عمر (23عامًا)، المقيم في اسطنبول، يرغب أيضًا في دفع بدل الخدمة والعودة إلى سوريا، كحل استباقي لاحتمالية ترحيله، كونه لا يملك وثيقة من ولاية اسطنبول.

يُخبر عمر، الذي طلب أيضًا عدم كشف اسمه، أن سبب قرار عودته ليس “رغبة بالعيش تحت رحمة مجرم، بل ليكون لدي خيارًا في حال استيقظت في أحد الأيام، ووجدت نفسي مرحَّلًا إلى سوريا”.

آلية دفع البدل

من المفترض أن يحقق الشاب أربع سنوات اغتراب خارج القطر حتى يتمكن من دفع البدل، الذي كان قدره 5000 دولار قبل الحرب، ليرتفع إلى 8000 دولار فيما بعد.

يشرح السمسار تفاصيل دفع البدل، “لكي يثبت الشاب أنه قد حقق هذه المدة عليه أن يستخرج من القنصلية السورية في اسطنبول كل عام ورقة سند إقامة لإثبات وجوده في تركيا، هذا في حال كان الشاب قد غادر سوريا من المعابر الحكومية”.

وتبلغ تكلفة هذه الوثيقة 80 دولارًا مقابل حجز الموعد، و100 دولار كرسوم تُدفع داخل القنصلية، وتُسلم الوثيقة بعد أربعة أيام من تقديم الطلب، بحسب السمسار.

ويتابع، “أما إذا كان الشاب قد خرج من سوريا بطريقة غير شرعية، فيجب عليه أولًا تسوية وضعه واستصدار ورقة بيان حركة من سوريا، وتستغرق شهرين لتصدر، وتصل تكلفتها إلى 50 دولارًا ثمن حجز الموعد، و50 دولارًا كرسوم تُدفع داخل القنصلية”.

وبذلك، سيدفع كل من عبد الرحمن ومحمد وعمر، مبلغ 8000 دولار أمريكي (أربعة ملايين ليرة سورية تقريبًا).

وبقدر ما يبدو المبلغ مربكًا لحساباتهم المالية، لكنه ليس كل ما سيدفعونه، إذ يضطرون في كل زيارة للقنصلية إلى الدفع لقاء الحصول على مواعيد جديدة، تجعل من تذكرة “العودة إلى الوطن” أغلى ثمنًا.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة