كيف سقط مركز رأس الحربة في كرة القدم

camera iconمهاجم نادي إي سي ميلان الإيطالي كريستوف بيونتيك (EPA)

tag icon ع ع ع

خلال السنوات القليلة الماضية، قلة قليلة من رؤوس الحربة الكلاسيكيين حازوا على جائزة الحذاء الذهبي كأكثر الهدافين تسجيلًا، وحمل الجائزة عوضًا عنهم لاعبون بمراكز أجنحة أو خط وسط متقدم، كما هو الحال في محمد صلاح جناح نادي ليفربول وليونيل ميسي قائد برشلونة وكريستيانو رونالدو لاعب نادي يوفنتوس.

السبب وراء ذلك لا يكمن في سوء المهاجمين، وإنما في الخطط التكتيكية المتبعة لدى بعض الأندية وتميُّز هؤلاء اللاعبين في خدمة هذه الخطط، فحينما لعب رونالدو في ريال مدريد، كان هداف الفريق على الرغم من أن كريم بنزيما هو رأس الحربة.

وظيفة بنزيما مع مدريد ووظيفة جيرو مع منتخب فرنسا لم تكن تقتصر على تسجيل الأهداف كالمهاجم الكلاسيكي، بل كان يحمل مهام تكتيكية تخدم الفريق بشكل عام وتخلق نوعًا من الضغط الهجومي على مناطق الخصم.

كيف ظهرت هذه التكتيكات، وكيف سقط رأس الحربة من مركزه، ومَن وراء تأخيره، ولماذا أصبح فاتح المساحة أو رأس الحربة الوهمي مركزًا أساسيًا لدى المدربين، ومَن غيّر تعريف رأس الحربة؟

هذا ما يجيب عنه منتخب المجر، في عهده الذهبي، أول من لعب بهذا التكتيك.

كيف انتقل رأس الحربة من مهاجم صندوق إلى مركز أكثر مرونة؟

اتخذت كرة القدم في بداياتها من الناحية التكتيكية جانبًا ملتزمًا أقل مرونة من يومنا الحالي، وحكمت فيها بعض الخطط التي أثبتت فاعليتها في ميدان كرة القدم، في الوقت الذي كان المديرون الفنيون يخافون من إدخال تعديلات على تلك التكتيكات ورسوم التشكيل المتبعة.

في حين ظهرت بعض الأسماء التي رفضت الانصياع لتلك النماذج الثابتة، واتجهت إلى تطوير وتحديث الرسوم التشكيلية في خطط الأندية التي تدربها، بما يتوافق مع حاجتهم أو ما يسد النقص لديهم.

في عام 1948، ملّ المديرون الفنيون في المجر من مشاهدة اللاعبين المراوغين وأصحاب الانطلاقات ينهارون أمام المدافعين (المسّاكين)، فاتجهوا لاستبدال المهاجمين الذين كانوا يتمتعون بصفات بدنية وجسمانية ضخمة ويشغلون مركز رأس الحربة (اللاعب رقم 9 المهاجم الكلاسيكي في المدرسة الإنجليزية) بخطط تكتيكية جديدة.

وللتغلب على ضعف بنية لاعبي المجر، وغياب إمكانية توفير رأس حربة (بالمواصفات المتبعة في إنجلترا)، جاء الحل على يد مدرب فريق “إم تي كي” المجري، مارتون بيكوفي، بعد بيعه دبابته البشرية الخاصة، الروماني نورت هوفلين، لنادي لاتسيو الإيطالي عام 1948.

العودة إلى الخلف

كان مضمون الحل بالنسبة لبيكوفي، بحسب ماورد في كتاب “الهرم المقلوب تاريخ تكتيكات كرة القدم” للصحفي الإنجليزي جونثان ويلسون، “إن لم يكن لديك لاعب بمواصفات قلب الهجوم السليمة، من الأفضل أن تتخلى عن المركز بدلًا من إجبار بعض اللاعبين غير المناسبين لطبيعة المركز على اللعب فيه”.

وعلى هذا الأساس قلب مارتون حرف دبليو في طريقة “WM” المعهودة آنذاك، ليخلق طريقة على شكل “MM”، وبالتدريج ومع رجوع قلب الهجوم إلى الخلف، ليصبح لاعب خط وسط مساعد، اندفع الجناحان إلى الأمام ليشكلا رباعيًا مرنًا.

وقال ناندور هيديكوتي جناح النادي المجري آنذاك، حول تلك الخطة، إن “قلب الهجوم كان يواجه صعوبات متزايدة بسبب وجود مراقب لصيق له، فظهرت فكرة سقوط المهاجم رقم 9 إلى الخلف حيث توجد المساحات”.

هل نجح هذا الأسلوب؟

نجحت المجر بهذه الطريقة في التتويج بأولمبياد 1952، كما نجحت في قلب النتيجة أمام سويسرا من خسارة بهدفين دون رد إلى رباعية مقابل هدفين.

وأول من شغل لاعب رأس الحربة الساقط هو ناندور هيديكوتي مع “إم تي كي”، وأشير له باسم رأس الحربة المتأخر بسبب قميصه الذي يحمل رقم 9.

خلال تلك الأثناء كان الإنجليز ينظرون بفوقية، في لعبة كرة القدم، لبقية دول العالم، كون اللعبة خرجت من رحم بلادهم.

بعد الأولمبياد بعام، رُوج لزيارة التشكيلة الذهبية لمنتخب المجر إلى ملعب ويمبلي في إنجلترا، وتحديدًا في 25 من تشرين الثاني من عام 1953، للقاء بين أبطال الأولمبياد والدولة الأم للعبة.

كانت إنجلترا على موعد مع “مباراة القرن”، إذ لم يهزم المنتخب الإنجليزي قبل تلك المواجهة على أرضه في ثلاث سنوات، باستثناء هزيمة واحدة أمام أيرلندا سنة 1949.

لكن ذلك اللقاء انتهى بسداسية للمجر مقابل ثلاثة أهداف.

هيديكوتي قضى على إنجلترا رغم كل شيء

الخطة هذه أربكت المنتخب الإنجليزي عندما واجه المجر، بسبب العادة المتبعة بمراقبة كل لاعب للاعب بحسب رقمه، فكان على سبيل المثال الجناح الأيمن يتمركز أمام الظهير الأيسر رقم 3، وظهير الوسط رقم 5 يراقب قلب الهجوم رقم 9، وكان هذا الأمر جوهريًا وغير قابل للتعديل بالنسبة للإنجليز.

كتب هاري جونستون متوسط دفاع منتخب إنجلترا عن ذلك اليوم، “تجسدت المأساة بالنسبة لي في عجزي التام عن فعل شيء، فلم أستطع فعل شيء يغير تلك الصورة القاتمة”.

فلو تبع جونستون المهاجمَ إلى وسط الملعب لأحدث فجوة بين الظهيرين، ولو تركه لتمكن هيديكوتي من التحرك بحرية ليقود الملعب.

في النهاية سجل هيديكوتي ثلاثة أهداف، وفي اللقاء الثاني وقعت إنجلترا في ذات الفخ حينما التقت مع المجر في بودابست، وانتهى اللقاء بكارثة سباعية مقابل هدف.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة