نفق ضبابي ينتظر الليرة السورية

سعر الصرف.. خط معركة يعجز “المركزي السوري” عن الدفاع عنه

camera iconموظف في البنك المركزي السوري ينسق أوراق مالية فئة 500 ليرة - (AFP)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي- اقتصاد

صار سعر صرف الليرة السورية خط معركة يضاف إلى المعارك التي يخوضها النظام السوري، والمستمرة منذ ثماني سنوات مضت، لكن بمنحى مختلف عما يواجهه على الأرض.

فحيث يحقق النظام السوري في الميدان ما يعتبره “نصرًا”، تفقد حكومته السيطرة على قيمة الليرة السورية، التي هبطت إلى مستويات قياسية في الأيام الماضية، لتعود إلى التحسن بشكل طفيف، وسط توقعات باستمرار هبوطها، في ظل العقوبات الأمريكية والأوروبية وعجز البنك المركزي عن التدخل.

المشكلة التي يواجهها البنك المركزي السوري، والتي تدفعه إلى عدم التدخل لتعديل سعر الصرف، تتمثل في عدم امتلاكه سيولة كافية لضخ كميات كبيرة من العملة الصعبة في السوق، وحتى إن توفرت هذه السيولة، فإن السوق بفعل الحرب سرعان ما سيبتلعها ويطالب بأخرى.

وفي المقابل، لا تسهم السيولة المحدودة، التي يضخها البنك، في تلبية حاجات السوق التجارية أو غير التجارية، لذلك فإن تدخل المركزي وعدمه يتساويان من حيث النتائج وانعكاسها على وضع الليرة في السوق، لأن مفعول جلسات التدخل الأسبوعية والشهرية سرعان ما ينتهي عند أول “هزة” قد تتعرض لها الليرة سواء في السوق السوداء كارتفاع الطلب على العملة الأجنبية، أو جراء المعارك العسكرية والأخبار السياسية المرتبطة بالصراع السوري.

ومع وصول سعر صرف الليرة السورية إلى حاجز 691 أمام الدولار، الأسبوع الماضي، وما رافقه من ارتفاع أسعار جميع السلع في الأسواق بشكل غير مسبوق، اتخذ البنك المركزي موقف المتفرج، إذ لم يتحرك سعر صرف الدولار الرسمي لديه عن 435 ليرة، وهو الرقم المعتمد لصرف الحوالات الواردة للمواطنين من الخارج، الأمر الذي يجعل خسارة الحوالة تصل إلى 30% من قيمتها الأصلية بواقع 195 ليرة من كل دولار.

بيد تجار السوق

التحسن الطفيف الذي شهدته الليرة السورية جاء بعدما عقدت اللجنة الاقتصادية في رئاسة مجلس الوزراء اجتماعًا استثنائيًا، لاتخاذ إجراءات توفير السلع والحاجيات الأساسية بأسعار مخفضة للمواطنين.

وبحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، في 9 من أيلول الحالي، فإن الاجتماع جاء لضبط متغيرات السوق ومحاربة الاحتكار واتخاذ إجراءات قانونية لضبط التعامل غير الشرعي بالعملات الأجنبية وتشديد الرقابة “على المتلاعبين وعدم التساهل معهم”.

وحدد الاجتماع، وفق “سانا”، دور المحافظين والمجالس المحلية في دعم الجهود الرامية إلى ضبط الأسواق عبر جولات ميدانية مكثفة لمنع حالات الاحتكار وضمان توفر السلع وتكثيف الدوريات التموينية وتشديد إجراءات مراقبة الأسواق وفرض العقوبات الصارمة بحق المخالفين.

وأكدت اللجنة الاقتصادية أن “الجهات الحكومية ذات العلاقة بمتابعة تقلبات سعر الصرف اتخذت إجراءات فورية، بدأت تعطي نتائجها وتتابع جميع المتغيرات على مدار الساعة واتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق الاستقرار في سعر الصرف ومحاسبة جميع المتلاعبين”.

يرى الباحث الاقتصادي الدكتور فراس شعبو أن البنك المركزي غير قادر في الوقت الراهن على ضبط الليرة السورية، لأن الأمر يتعلق بتجار العملة والمتحكمين بالسوق والمتنفذين به، إضافة إلى الحالة النفسية والهلع الشديد لدى المواطنين، الأمر الذي يؤدي إلى تقبل قفزات أخرى ولو كانت “وهمية”.

ويقول شعبو لعنب بلدي إنه مع هبوط سعر صرف الليرة أمام الدولار، اتخذ البنك المركزي موقف المتفرج، ولم يقدم أي حل أو طرح، واعتبر حاكم المصرف، حازم قرفول، أن الهبوط القياسي لسعر الصرف عبارة عن “فقاعة” ومضاربات، وبالتالي أشار بشكل التفافي إلى أنه لن يتدخل.

الاستيراد يُخرِج القطع الأجنبي

هبوط الليرة السورية هو مسلسل شهدته السنوات الثماني الماضية، وبين الفترة والأخرى يتدهور سعر الصرف ويستقر وهكذا، وبحسب الباحث الاقتصادي، فإن المشكلة تعود إلى أسباب سياسية واقتصادية ونفسية، كالعقوبات الاقتصادية المفروضة من الاتحاد الأوروبي وأمريكا على سوريا، بالإضافة إلى فقدان الخزان المالي من المحاصيل والسياحة والنفط، بمعنى أن البلاد فقدت جميع المقومات الاقتصادية.

ويوضح أن سوريا تعتمد على الاستيراد، الذي يقود إلى خروج القطع الأجنبي من البلد، ويرافق ذلك غياب التصدير والبيئة الاستثمارية والبنى التحتية، وجميع ما سبق يحدث خللًا في الميزان التجاري.

ويحتاج تمويل المستوردات إلى العملة الصعبة، دون وجود مقابل لأي قطع أجنبي، بسبب انعدام الصادرات، الأمر الذي يؤثر على سعر صرف العملة المحلية.

ويشير شعبو إلى أن النظام السوري سلم الدفعة الاقتصادية لروسيا وإيران، وهو واضح من خلال الاتفاقيات وتأجير المرافئ ومنابع النفط والفوسفات، لذلك فإن القطاع الاقتصادي السوري مباع بالكامل.

وتعاني حكومة النظام السوري من أزمة داخلية، ألقت بتبعاتها على سعر الصرف، بحسب المحلل، موضحًا أن جميع ما سبق أثر فيه ولا يزال مؤثرًا حتى اليوم.

وفي أثناء الهبوط القياسي لليرة السورية كانت النشرة الاقتصادية الإلكترونية “سيريا ريبورت” قد نشرت تقريرًا عددت فيه عوامل انخفاض قيمة الليرة مؤخرًا، لافتة بشكل رئيسي إلى تأثير ارتفاع الطلب على الدولار في لبنان كون “بيروت تعد سوقًا أساسية للدولار بالنسبة للمستوردين السوريين الذين يستخدمون النظام المصرفي اللبناني”، للقيام بعملياتهم التجارية.

وأشارت النشرة إلى “إشاعات قد تكون لعبت دورًا سلبيًا خلال الأيام الماضية وتتعلق بوجود توترات بين الرئيس السوري بشار الأسد وقريبه رجل الأعمال رامي مخلوف، أحد أكثر المستثمرين نفوذًا في البلاد”.

ولفتت النشرة الاقتصادية إلى عجز في ميزان المدفوعات، كما أن الميزان التجاري في حالة سيئة “كون قدرة الإنتاج المحلي مدمرة بشكل كبير، وهناك حاجة للواردات لملاقاة الطلب المحلي”.

عمليات مضاربة

أسهمت العقوبات الغربية وتراجع الاستثمارات في سوريا بإبطاء حركة التدفقات المالية إلى حكومة النظام، وترافق ذلك مع تراجع المداخيل من الصادرات والجمارك والضرائب والرسوم، وكل ذلك ضغط على حجم الموازنة العامة بشقيها الإنفاقي والاستثماري، ومهّد لتراجع القدرة الشرائية لليرة بسبب ارتفاع الطلب على العملات الأجنبية.

في الوقت الحالي، يتخوف مواطنون من عودة ارتفاع سعر الصرف، خاصة في ظل عدم وجود آلية متبعة من قبل مصرف سوريا المركزي لضبط قيمة الليرة في السوق السوداء من حيث انخفاضها وتحسنها المفاجئ.

ويوضح المحلل الاقتصادي فراس شعبو أن الأسباب النفسية تلعب دورًا كبيرًا في التأثير على سعر الصرف، خاصة أن المواطن السوري “مستاء”، ويضع بحسبانه هبوطًا آخر.

ويشير الباحث إلى أن البنك المركزي في حالة شلل، لأنه فقد كل مقومات التدخل في السوق، سواء السياسيات المالية والسيولة النقدية، وبات مسلّمًا للتجار الكبار وأمراء الحرب، الذين يقومون بعمليات مضاربة، تؤدي إلى الضرر بالليرة السورية، وعلى العكس يحقق الأمر بالنسبة لهم “أرباحًا خيالية”.

ويتوقع الباحث هبوطًا جديدًا لليرة السورية بعد فترة، “لأن البنك المركزي فقد كل أدواته، ويمتلك أقل من 700 مليون دولار في خزينته الاحتياطية، وهو رقم بعرف الدول لا شيء”.

ويستند الباحث في هذا الرقم إلى تقرير صادر عن البنك الدولي، في نيسان 2016، يقول إن المركزي السوري بدد الاحتياطي ليصل إلى 700 مليون دولار، بعدما كان في خزينته 17 مليار ليرة سورية عام 2011، وهو ما نفاه البنك المركزي السوري، معتبرًا أنه توجد قطيعة مع البنك الدولي وبالتالي فلا يتم تزويده بالمعلومات.

“الليرة السورية دخلت في نفق ضبابي ولا يمكن التنبؤ إلى أين ستتجه”، وفق الباحث، الذي يتوقع أن يعمل البنك المركزي على كبح جماح سعر الصرف، لكن لفترة محددة فقط، لافتًا إلى أن سوريا في مشكلة اقتصادية ومالية مستمرة لم تحل، ولا يوجد حل اقتصادي من دون حل سياسي.

ويرى الباحث أن “الحل السياسي يسبق الحل الاقتصادي، وغير ذلك هو كلام في الهواء وتنظير، ولا يمكن في ظل الوضع القائم إيجاد مخرج للاقتصاد السوري، الذي ينهار على عدة مستويات”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة