الشخصية الهستريائية.. بالغون بسلوك طفل صغير

الشخصية الهستيرية
tag icon ع ع ع

د. أكرم خولاني

يرغب الإنسان بطبيعته باهتمام الآخرين به، ويعمل على أن يكون مقبولًا اجتماعيًا من حيث المظهر الخارجي أو السلوك، ولكن بعض الأشخاص يظهرون رغبة مفرطة باهتمام الآخرين بهم، ويشعرون بعدم التقدير إذا لم يكونوا محط الأنظار ومركز الأضواء، ولذلك يلجؤون إلى بعض التصرفات غير المقبولة اجتماعيًا، وغالبًا ما يكون لدى هؤلاء اضطراب في الشخصية يسمى الشخصية الهستريائية.

ما هو اضطراب الشخصية الهستريائية

اضطراب الشخصية الهستريائية أو الهستيرية disorder Histrionic personality، ويسمى أيضًا اضطراب الشخصية التمثيلية، هو اضطراب يبحث فيه الشخص باستمرار عن الاهتمام من الآخرين، ويشعر بالضيق وعدم الراحة حينما لا يكون محور الاهتمام ومدار انتباه الآخرين.

وللحصول على الاهتمام يلجأ إلى كثير من التصرفات والسلوكيات، فهو يهتم بشكل مفرط بالشكل الخارجي، ولا يتورع عن ارتداء الملابس اللافتة أو المغرية جنسيًا، وقد يظهر بمظهر غير لائق، ويعمد إلى التصنع في أسلوب كلامه وضحكاته وتعامله مع الجنس الآخر خصوصًا بقصد الإغراء، ويرى نفسه جذابًا ويمتلك سحرًا قويًا.

كما أنه مفرط في عواطفه، يتميز بردود الفعل العاطفية الشديدة، والميل إلى المبالغة في وصف المواقف والأشخاص، وتهويل الأمور حتى العادية منها، وربما تظاهر بالإغماء أو الاختناق ليحظى باهتمام من حوله في مشهد درامي مفاده أنني موجود.

ولو تأملت سلوك الشخص الهستيري لوجدته سلوك “طفل كبير”، ولذلك يقال إن الشخصية الهستريائية هي شخصية الأطفـال، ومع أن هذا الاضطراب أكثر انتشارًا بين النساء إلا أنه قد يشاهد عند الرجال أيضًا.

وتسمية “الشخصية الهستريائية” مأخوذة من “الهستيريا”، وهي مجموعة اضطرابات انفعالية مع خلل في أعصاب الحس والحركة، فتصاب مناطق الجسم التي يتحكم فيها الجهـاز العصبي المركزي (الإرادي) مثل الحواس وجهاز الحركة، وتسمى الأعراض التي تظهر بـ “الأعراض التحويلية” أي التي تعني تحويلًا جسميًا لأمور نفسية، فتحول الانفعـالات والصراعـات الداخلية إلى أعراض جسمية كالشلل أو البكم أو فقد الوعي أو غيرها.

يكون الشخص المصاب بهذا الاضطراب عادة أكثر نشاطًا اجتماعيًا ووظيفيًا، ولديه مهارات تواصل اجتماعية جيدة، ولكن شخصيته متقلبة ومزاجية، فسرعان ما يتغير مزاجه من السيئ إلى الجيد وبالعكس لأسباب غير منطقية، ولديه حساسية شديدة للنقد والمقاطعة، وهو لا يهتم كثيرًا بمشاعر الآخرين وتغلب عليه الأنانية، كل ذلك يؤثر على علاقات الشخص الاجتماعية والرومانسية، وعلى قابليته للتكيف مع الفشل، وقد يطلب المصاب العلاج من الاكتئاب بعد انتهاء علاقته الرومانسية.

الأشخاص المصابون بهذا الاضطراب عادة يفشلون في ملاحظة حالتهم الشخصية، فيتغاضون عن عيوب النفس ولا يسعون لإصلاحها، وبدلًا من ذلك يميلون إلى تضخيم نشاطاتهم ووصفها بطريقة درامية ومسرحية.

وعادة ما يميلون لتغيير وظائفهم، إذ إنهم يصابون بالملل بسهولة، ويفضلون الهروب من الإحباط بدلًا من مواجهته لأنهم يميلون للإثارة وقد يضعون أنفسهم في مواقف خطرة.

كما يميلون إلى تصوير علاقاتهم مع الآخرين بأنها أهم وأكثر حميمية مما هي عليه في الواقع.

كذلك عادة ما يكونون سطحيين في انطباعاتهم عن الأشياء، ولا يتطرقون للتفاصيل.

أخيرا فإنه من السهل التأثير على أصحاب الشخصية الهستريائية وإقناعهم.

ما أسباب حدوث اضطراب الشخصية الهستريائية؟

كغيره من اضطرابات الشخصية لم يحدَّد السبب الحقيقي لهذا الاضطراب، ولكن يعتقد بأنه يحدث نتيجة تفاعل بين عوامل وراثية وعوامل بيئية اجتماعية ونفسية.

  • العوامل الوراثية: تلعب الوراثة دورًا في حدوث اضطراب الشخصية الهستريائية، إذ يلاحظ أن وجود شخصية مماثلة في أحد الأبوين أو الأقارب يزيد من احتمال الإصابة.
  • العوامل الاجتماعية: ترجع الإصابة بالمرض إلى عهد الطفولة وتعرّض الطفل لأساليب خاطئة في التربية، وصدمات قاسية واجهت الطفل في حداثته وترسبت في عقله الباطن ولم يستطع التعامل معها، كحرمان الطفلة من حنان أمها، أو ملاحظة الطفل أن إخوته يتمتعون بحظوة لدى الوالدين، وهذا يدفعه إلى محاولة لفت الانتباه للحصول على الاهتمام.
  • العوامل النفسية: نتيجة الصراع الداخلي بين الغرائز والرغبات مع القيم ومعايير المجتمع الذي يكبح الرغبات، وهذا يؤدي للجوء إلى آليات دفاعية للهروب من الصراع النفسي من دون أن يدرك الشخص ذلك.

كيف يُشخّص اضطراب الشخصية الهستريائية؟

يمكن التعرف إلى الشخصية الهستريائية من خلال ملاحظة الصفات والتصرفات والسلوكيات المميزة للشخصية الهستريائية، التي تكون عبارة عن رد فعل لما تتعرض له خلال مواقف معينة بالحياة، ولكن لا يتم التشخيص إلا عن طريق طبيب أو معالج نفسي، إذ إن المصابين باضطرابات الشخصية قد لا يلاحظون وجود المشكلة لديهم، كما أنه قد يتزامن وجود أكثر من نوع من اضطرابات الشخصية لدى الشخص الواحد.

وقد لوحظ لدى أغلب المصابين باضطراب الشخصية الهستيرية ملامح جسمانية عامة مشتركة بينهم، ولكن هذا لا يمنع إصابة تكوينات جسدية أخرى، والملامح الجسمانية الأكثر شيوعًا عند المصابين بهذا اضطراب أنهم يتصفون بالنحافة وصغر الحجم والبنية الضعيفة، كما أنه يكثر في من يملكون مستوى متوسطًا من الذكاء.

ما سبل علاج اضطراب الشخصية الهستريائية؟

العلاج الموصى به في حالة الإصابة باضطراب الشخصية الهستيرية هو العلاج النفسي عن طريق الجلسات النفسية التي تغوص في أعماق المريض، وتكشف أسباب المرض ومراكز الصراع النفسي الذي يدور بداخله، وهدف الاضطراب، وتبصير المضطرب، ومساعدته على استعادة ثقته بنفسه والتكيف مع الظروف المحيطة، وفي بعض الأحيان تجب مساعدته على تفريغ الشحنات العاطفية العالقة باللاشعور وذلك باعتماد تقنية التحويل والتفريغ والتطهير النفسي التي يعتمد عليها التحليل النفسي.

وقد ينتج عن الإصابة بهذا الاضطراب التعرض للاكتئاب، وعندها يتم وصف مجموعة من الأدوية التي تعالج الاكتئاب.

كيف نتعامل مع صاحب الشخصية الهستريائية؟

يجب تجنب النقد مع التركيز على مميزات الشخص وإيجابياته والابتعاد عن ذكر سلبياته أو تعريضه للنقد حتى لا يزداد الإحساس بالسوء لديه.

وينصح بإبداء الاهتمام، إذ يحتاج المصابون باضطراب الشخصية الهستيرية إلى التعاطف معهم وإظهار الاهتمام بهم وعدم تجاهلهم خاصة عندما يقعون في المشكلات.

ويفضل تقوية العلاقات مع الشخص المصاب، فأصحاب الشخصية الهستيرية يميلون إلى الشعور بالحب والقرب من الآخرين، لذا يفضل محاولة إبقاء المريض دائمًا في دائرة الاهتمام وإظهار الحب له والسعادة به.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة