فيكتور ماسلوف.. الأب الروحي المنسي لكرة القدم الروسية

camera iconالمدرب الروسي فيكتور ماسلوف (90M)

tag icon ع ع ع

قد لا يثير اسم فيكتور ماسلوف اهتمام متابعي كرة القدم العاديين، الذين يتابعونها كهواية دون الوصول إلى حد الهوس.

يعود هذا الاسم لواحد من أعمدة كرة القدم الحديثة، وواحد من أصحاب الابتكارات التي أدت لتطوير اللعبة كما نعرفها اليوم.

نادرًا ما يذكر اسم ماسلوف بين مجموعة المبتكرين للعبة، كهيريرا وأيرغو ساكي وميتشلز ولوبانوفيسكي، ورغم عدم شهرة اسمه اليوم يعود الفضل لماسلوف بتأثير عميق في كرة القدم، من بدايات كرة القدم الأوروبية الشرقية وصولًا إلى الكرة التي تؤدى في جميع أنحاء العالم.

تمثل بداية الروسي ماسلوف بداية طبيعية لأي مدرب، ولكن ذروته وضعت اسمه ضمن قائمة “فرانس فوتبول” الفرنسية لأفضل 50 مدربًا في تاريخ اللعبة الأكثر شعبية حول العالم.

وعلى عكس هيريرا وميتشلز، لم يكن شخصية كبيرة، كان ثوريًا بشكل غير متوقع، امتهن الولاء وإلهام لاعبيه، بأسلوب متفائل أكسبه ثقة لاعبيه وأصبحوا يرونه كـ “جد”.

الولادة والنشأة

ولد فيكتور ماسلوف في الاتحاد السوفيتي عام 1910، حينما كانت البلاد غارقة في اضطرابات ثورة دموية في عهد الشيوعية، نشأ في بيئة منعزلة لا رحمة فيها، ولعب الكرة يوم كانت كرة القدم الروسية واحدة من أساليب “البروباغندا” السوفيتية لخدمة أغراض النظام الشيوعي، وأداة دبلوماسية بيد السلطة الحاكمة.

اعتمد تطوير اللعبة في الاتحاد السوفيتي على البرامج الرياضية العسكرية، في مدارس الجيش الأحمر، ولعب ذلك دورًا كبيرًا في الحفاظ على سيطرة الدولة بالكامل على كل نجاح.

وفي تلك الفترة، كان فريق سيسكا موسكو يعتبر واحدًا من أكبر الفرق المملوكة للدولة، أو للجيش الأحمر على وجه التحديد، بينما كانت الشؤون الداخلية الروسية تمتلك نادي دينامو موسكو.

سيطرة الشيوعية على اللعبة جعلت الخسارة في مباراة أشبه بجريمة الخيانة العظمى، ولعل واحدًا من أهم الأمثلة على ذلك هي خسارة الاتحاد السوفيتي أمام يوغسلافيا بثلاثية مقابل هدف واحد في أولمبياد عام 1952. حل ستالين حينها فريق سيسكا موسكو، الذي يشكل عماد المنتخب الوطني للاتحاد السوفيتي، وجرد بوريس أركاديف مدرب المنتخب من لقبه الذي أعطاه إياه “سيد الرياضة في الاتحاد السوفيتي”.

نشأ ماسلوف في هذه الظروف، التي لا تعتبر بيئة مثالية للنجاح، وتربى كرويًا هناك، فبدأ حياته المهنية في فريق “RDPK” بموسكو عام 1930، وانتقل إلى توربيدو موسكو بعد عدة سنوات، وبقي في الفريق حتى سنة 1942، ولكن مع بداية الحرب العالمية الثانية أعلن ماسلوف عن اعتزاله اللعب.

عاد ماسلوف للتدريب في فريقه توربيدو موسكو وفاز بأول بطولة بالدوري السوفيتي عام 1960، ثم بدأ بالتنقل داخل الاتحاد السوفيتي ووصل إلى إدارة دينامو كييف تمهيدًا لبقائه في كييف لمدة ست سنوات، حيث بدأ بتطبيق رؤيته وأفكاره وتكتيكاته التي ستحوله إلى واحد من أعمدة كرة القدم الحديثة.

فكر ماسلوف

في أوائل ستينيات القرن الماضي، كان تكتيك 4-2-4 الأكثر انتشارًا حول العالم، وتبنته معظم المنتخبات والأندية التي نفذته بدرجات متفاوته.

ماسلوف كانت له وجهة نظر أخرى، فرأى ما لم يره خصومه، وبدأ بتكوين جديد من خلال إسقاط جناحي الرسم التكتيكي وتعزيز خط الوسط، وأعطى الشكل الأول للرسم التكتيكي 4-4-2.

نسب الفضل في اختراع هذا التكتيك إلى ألف رامزي، وهو واحد من آباء كرة القدم الروحيين، ولكن ماسلوف كان رائدًا في استخدام الاستراتيجية.

وفي الوقت الذي طرح فيه رامزي تشكيله بمفرده، كانت الفكرة تكونت لدى ماسلوف في الاتحاد السوفيتي وبدأ بالعمل عليها.

تطبيق رؤية ماسلوف جعل الفريق يعمل بانسجام تام، حيث تتحرك المجموعة ككتلة، ينتقل فيها الجناحان التقليديان لمركز خط الوسط على الأطراف، ما يعطي قيمة أكبر لمناطق اللعب في الأطراف، إذ يكلف المدرب الظهراء بمسؤوليات هجومية للمرة الأولى.

لعب ماسلوف لعبة الضغط على الخصم وقيد مساحات الخصوم في حال الاستحواذ على الكرة، وفي حال الهجوم أوكل إلى لاعبيه الذين ليست لديهم الكرة بتقييد المساحات الممنوحة للخصم وحصر اللعب في أعلى الملعب.

يعتبر تكتيك ماسلوف الجديد أول شكل من أشكال الضغط في كرة القدم الحديثة، وهو الضغط على الخصم مع سد ثغرات الارتداد.

أسلوب ماسلوف يعتبر أساسًا ملهمًا للكثير من المدربين الذين مارسوا أسلوب الضغط، بما في ذلك مؤسس “الكرة الشاملة”، رينوس ميتشلز، وإرنست هابلز، وصولًا إلى مدرب توتنهام اليوم، ماوريسيو بوكتينيو، ومدرب نادي ليفربول يورغن كلوب، الذي أثمر معه هذا الأسلوب بالحصول على لقب دوري أبطال أوروبا، والمنافسة الشديدة على الدوري الإنجليزي الممتاز، لولا كرة غوارديولا الشاملة التي تفوقت في نفسها الأطول على أصعب دوريات كرة القدم الأوروبية والعالمية.

الضغط مكن المدربين من اللعب على استعادة الكرة بعد خسارتها بالعودة إلى الخلف، وهذا من أساسيات المفاهيم التي ركز عليها ماسلوف.

استخدم ماسلوف مع دينامو كييف تكتيكًا ذا تأثير مدمر، في محاولة دائمة منه للضغط في خط الوسط، وجعل المعركة الكروية تمتد مع الخصم من وسط الملعب إلى مناطق الخصم، أي الدفاع بطريقة الهجوم والضغط على الخصوم.

بهذا الأسلوب سيطر ماسلوف ودينامو كييف على الكرة السوفيتية، وفاز بثلاث بطولات دوري متتالية بين عامي 1966 و1968، وتُوّج بكأس الاتحاد السوفيتي.

ثورة متكاملة

لم يلعب ماسلوف على فكره وتكتيكاته فقط، بل تطرق إلى جوانب أخرى من كرة القدم، فاهتم بالتغذية للرياضيين، ولعب على عامل القوة البدنية واللياقة.

قدم ماسلوف خطًا غذائيًا صارمًا ليسير عليه اللاعبون، بالإضافة إلى برنامج تدريب مكثف، وهذا ما أصبح واحدًا من أساسات العلوم الرياضية الحديثة المستخدمة اليوم.

عرف عن ماسلوف أنه كان صاحب مشورة مع لاعبيه، ودائمًا يأخذ بآراء اللاعبين والجهاز الفني والإداري في عملية صنع القرار، كما يبني مع لاعبيه الخطط قبل المباريات ويطلب رأيهم، حتى سمي فيما بعد باسم “ديدوشكا” (الجد باللغة الروسية).

حقبة ماسلوف انتهت

نهاية ماسلوف كانت غير متوقعة، حتى إن محللين رياضيين اعتبروا أن نهاية حقبة ماسلوف لم تكن بالشكل اللائق لما قدمه، بالإضافة إلى عدم تخليده كواحد من رواد صناعة كرة القدم الحديثة.

انتهى العصر الذهبي لماسلوف مع دينامو كييف عام 1970، بعد أن قضى موسمين دون ألقاب، وأنهى موسمه الأخير بالمركز السابع على سلم ترتيب الدوري السوفيتي.

عاد المدرب الروسي إلى توربيدو موسكو، ولكن الفشل كان حاكمًا لحقبته الأخيرة، وفشل بالعودة إلى كونه واحدًا من أساطير التدريب السوفيتية.

بقي ماسلوف لموسمين مع توربيدو وانتقل إلى أرارات يريفيان، وفاز معه بكأس الاتحاد السوفيتي عام 1975، وهذا كان آخر ألقابه وألعابه، وانتهى الأمر به متقاعدًا، وتوفي بعد عامين، بعد أن أرسى العديد من الأسس والقواعد للعبة الحديثة، واستمر إرثه من بعده.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة