وقف الاقتتال العربي الكردي في الجزيرة السورية

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تشهد الجزيرة السورية موجات متلاحقة من حملات العداء بين العرب والكرد، وينغمس فيها عدد كبير من النخب الثقافية والسياسية العربية والكردية، وتدعمها دول وجيوش متعددة، وهذا ما سيدفع المنطقة إلى موجات من التصفيات الجماعية والعنصرية بين الطرفين، فمن يوقف هذا الاقتتال الذي يخدم الآخرين قبل أن يخدم السوريين من عرب وكرد؟

على عكس كرد العراق، الذين استضافوا المعارضين العراقيين لنظام صدام حسين، وعقدوا في أربيل أول مؤتمر مهم للمعارضة العراقية، وهو مؤتمر صلاح الدين في عام 1992، فإن حزب العمال الكردستاني (بي كي كي) أحبط الجهود السياسية للمجلس الوطني الكردي في سوريا وأحزابه السياسية للاندماج في الثورة السورية، وكان اغتيال مشعل التمو (الذي تشير الدلائل إلى ضلوع، البي كي كي، به في 7 من تشرين أول 2011) علامة فارقة في الثورة السورية، وخسارة لجهود اندماج الكرد مع إخوتهم العرب في الثورة ضد نظام الأسد.

ذاق كرد الجزيرة السورية التنكيل بشكل مضاعف، من نظام الأسد وحزب البعث، سواء في إجراءات الإحصاء في الستينيات من القرن الماضي، ومنع الجنسية السورية عنهم بحجة أنهم أجانب ونازحون من الاقتتال في تركيا وفي إيران وفي العراق، ورغم ذلك فإنهم يقومون بأداء الخدمة العسكرية، ودفع الضرائب، وهم يحملون ورقة من المختار بأنهم مقيمون في سوريا، أو ما يشبه ذلك من وثائق تقلل من شأن حاملها، ولو مرّ على وجودهم عشرات السنين، وهم أشبه بالـ “بدون” الذين يوجدون في دول الخليج. ولا يزال النظام المتحالف مع حزب العمال الكردستاني، يتلاعب بإعطاء الجنسية لكرد سوريا، رغم أنه يمنح الجنسية لأفراد الميليشيات الإيرانية الذين يقاتلون إلى جانبه.

وفي عام 2004 كانت انتفاضة الكرد في الجزيرة السورية علامة فارقة في تجدد نهج النظام المخابراتي العنيف ضد السوريين، الذي كانت حدته قد خفّت منذ نهاية الثمانينيات في القرن السابق بعد مجازر في حلب وحماة وتغييب الألوف من السوريين اغتيالًا أو اعتقالًا في السجون، وقد استعمل النظام الشبيحة لإخماد الاحتجاجات في الجزيرة السورية فقاموا بالحملات العنصرية وبحرق الممتلكات، الذي تحول لاحقًا إلى انتقامات متبادلة.

وفي عام 2011 قام السوريون جميعًا ضد نظام الأسد، وكان آزادي يومًا للحرية، وتحية لكرد سوريا، ودعوة للاستفادة من نضال أحزابهم وتجربتها السياسية في دعم الثورة السورية، ولمع نجم مشعل التمو (1958-2011) كأحد أبطال الثورة السورية، ولا يزال رمزًا محبوبًا وعلمًا من أعلام سوريا الحرة.

وفي عام 2014 قامت داعش، بعد استيلائها على الرقة والتنكيل بأهلها، بحملة عنصرية ضد كرد منطقة تل أبيض، وعملت على ترويج شعارات عنصرية ضدهم، ككفار وأعداء وعملاء، وما إلى ذلك من الاتهامات التي تلهب أعمال القتل والنهب والسلب، سواء باسم الدين أو باسم القومية، وكان لداعش ذات المنشأ العراقي بعد ديني وقومي متطرف، إذ إن معظم قادتها من بقايا ضباط صدام حسين ومخابراته المشهود لهم بالوحشية والعنصرية.

وكان زحف داعش إلى عين العرب (كوباني) نذير خطر كبير بنظر العالم الذي تسامح معها باحتلال الرقة، وأسهمت كل الأطراف بمنع داعش من احتلال عين العرب (كوباني)، كما أسهمت فصائل من الجيش الحر بالدفاع عن القرى الكردية، وكان للواء ثوار الرقة حضور مشهود، ولكن المشاركة الأكبر كانت لكرد العراق، سواء بالتغطية السياسية أو بقوات البشمركة.

في العام 2017 اشتركت قوات حزب العمال الكردستاني وتشكيلاته في تدمير مدينة الرقة مع داعش وقوات التحالف الدولي، وتحولت المدينة إلى أنقاض، وتم تهجير كامل سكانها، وتلقت من القنابل والصواريخ ومن قذائف المدفعية ما يزيد على ثلاث قنابل نووية مثل قنبلة هيروشيما، وبالنتيجة عقدت قوات قسد صفقة مع داعش، التنظيم الذي خرجت أرتاله مع أسلحتها بقافلة طولها سبعة كيلومترات رصدتها قناة “بي بي سي” البريطانية، والطرفان كانا غير آبهين لا بالرقة ولا بأهلها، وكان لرفع صور عبدالله أوجلان فوق أنقاض مدينة الرقة أثر سلبي كبير.

بعد سنتين من استيلاء تشكيلات حزب العمال الكردستاني على الجزيرة السورية مع تحالفات شكلية من العرب والسريان، تشبه تحالفات الجبهة الوطنية التقدمية التي يقودها النظام ويبرر بها التعذيب والتهجير، وبعد فشل “قسد” بابتلاع المنطقة، قرر الأمريكيون التخلي عنها وأعلنوا انسحاب قواتهم الحامية لـ”قسد”، وقال الرئيس ترامب، إننا دفعنا أجور قتال حلفائنا وأعطيناهم أسلحة، ولم نعد بحاجة إلى خدماتهم بعد القضاء على داعش.

ما إن أعلن الأمريكيون انسحابهم في بداية الشهر الماضي حتى أعلن الأتراك تشكيل جيش اسمه “الجيش الوطني”، واقتحموا الشمال السوري باسم عملية “نبع السلام” التي تتسبب بتهجير مئات الألوف من السكان، من الكرد خاصة ومن العرب أيضًا، ناهيك عن أعمال النهب والسلب وتوزيع تهم الخيانة والكفر وما تيسر من مسببات العنف العنصري.

وفي المقابل ردت “قسد” ببعض الأعمال القتالية، وبالتفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين في الأسواق وبالسيارات المفخخة التي كانت داعش بارعة فيها، ولكن تجربة حزب العمال الكردستاني أقدم في ذلك حتى من داعش ومنذ ثمانينيات القرن السابق في تركيا.

في الوقت الذي ينعم فيه إقليم كردستان العراق بالسلم والازدهار، ووصل إلى قمة الهرم العراقي رئيسان كرديان نتيجة التفاهم العربي الكردي هناك، فإن الفتيل المشتعل بين العرب والكرد في الجزيرة السورية، والمدعوم من دول لها غاياتها الخاصة في سوريا، سوف ينتهي عاجلًا أو آجلًا إلى انفجار عنصري يطيح بسكان الجزيرة السورية، ويجعلهم رهينة للثارات المتبادلة في مذابح تؤجج بؤرتها بعض النخب السياسية والثقافية من الطرفين، فمن يوقف هذا الاقتتال ومن يقطع هذا الفتيل ويطفئ ناره؟ ومن يعيد التحالفات السلمية لأجدادنا في الجزيرة السورية مثل التحالف الملي بقيادة إبراهيم باشا الملي، وعشيرة الشيخان وغيرها من التفاهمات الأهلية التي كانت تحقن دماءنا جميعًا من عرب وكرد؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة