تباين في وجهات نظر الطرفين و"ثلاث لا ورقات" للنقاش

أبرز محطات “اللجنة الدستورية” خلال الجولة الأولى من اجتماعاتها في جنيف

camera iconرئيس وفد المعارضة هادي البحرة، والمبعوث الأممي غير بيدرسون ورئيس وفد النظام أحمد الكزبري إلى اللجنة الدستورية (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – جنيف

خلال عشرة أيام من النقاشات في مدينة جنيف السويسرية، عكست تصريحات أعضاء “اللجنة الدستورية” السورية وخبراء قانونيين حجم التباين بين مكونات اللجنة، قبل أن يعلن المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، في 8 من تشرين الثاني الحالي، انتهاء هذه الجولة من الاجتماعات، لتعود في 25 من الشهر ذاته بجلسات جديدة.

وكانت “اللجنة الدستورية” بدأت أعمالها في 30 من تشرين الأول الماضي، وسط ترحيب ودعم دوليين، بعدما عانت من مخاض دام طويلًا، قبل ولادتها بجهود الأمم المتحدة، التي عيّنت مبعوثين لهذه المهمة، الأول ستيفان دي ميستورا، الذي تنحى في تشرين الأول 2018، وسلم المهمة لخلفه غير بيدرسون.

كلمات افتتاحية

بدأت الجلسة الرسمية الأولى للجنة الدستورية السورية في جنيف، بثلاث كلمات ألقاها كل من المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، والرئيسان المشتركان للجنة، هادي البحرة عن وفد المعارضة، وأحمد الكزبري عن وفد النظام السوري.

وفي كلمته المتلفزة قال بيدرسون، في 30 من تشرين الأول الماضي، “نقف أمام لحظة تاريخية ونناقش أهم قضايا المجتمع السوري بشكل فعلي. اللجنة الدستورية مخولة بكتابة مسودة التعديل الدستوري وتقديمها للاستفتاء الشعبي”.

وأضاف المبعوث الأممي أن “اللجنة يمكن أن تناقش دستور العام 2012 أو تضع مسودة تعديل دستوري وتقديمها للاستفتاء الشعبي”، معتبرًا أن “الدستور ملك للشعب السوري وحده، وهو من يقرر مستقبل بلده، ودور الأمم المتحدة يقتصر على تيسير عمل لجنة مناقشة الدستور”.

رئيس وفد النظام السوري، أحمد الكزبري، بدأ كلمته بشكل مباشر بعد انتهاء كلمة بيدرسون، وافتتحها بأن “السوريين يبنون آمالًا كبيرة على عمل اللجنة الدستورية”.

وابتعد الكزبري عن تخوين وفد المعارضة السورية، بشكل مباشر، وهي السياسة التي شهدتها معظم الاجتماعات السياسية الخاصة بالملف السوري.

لكنه أكد رواية النظام السوري بالقول، “حربنا ضد الإرهاب سنخوضها قبل وخلال وبعد اجتماعنا حتى تحرير آخر شبر من أراضينا”.

واعتبر الكزبري أنه “لولا تضحيات الجيش السوري لما كنا موجودين بجنيف”.

من جانبه، افتتح الرئيس المشترك من جانب المعارضة، هادي البحرة، كلمته بالقول “يحدونا أمل لإنجاز ما عجزنا عنه سابقًا، ونحن هنا للبحث عن أوجه التشابه لا الاختلاف”.

وتطرق البحرة إلى ملف المعتقلين، وقال إن قضيتهم “لا تزال دون حل جذري، ويجب حلها في أسرع وقت”.

وأضاف، “نبدأ عملنا بصياغة دستور جديد يرقى لتطلعات شعبنا، لا يقوم على الطائفية، ويطبق القرار الأممي 2245، ووفق جدول زمني محدد، ويدعم إجراء انتخابات نزيهة بإشراف الأمم المتحدة”.

الأسد: لا علاقة للجنة بالانتخابات

وبعد يوم واحد على بدء أعمالها، خرج رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ليعلق على عمل اللجنة، ونفى أن تكون لأعمال اللجنة الدستورية علاقة بالانتخابات في سوريا، واعتبر أن “دورها يقتصر فقط على صياغة الدستور”.

وفي مقابلة تلفزيونية مع قناة “الإخبارية” السورية الحكومية، في 31 من تشرين الأول الماضي، قال الأسد إن اللجنة لا تؤدي للحل بل “تؤمّن جزءًا من الحل ربما”، رافضًا الحل الشامل الذي تحدث عنه المبعوث الأممي، غير بيدرسون، الذي “غض النظر عن الإرهابيين”.

وأضاف أن الحل يبدأ من إيقاف التدخل الخارجي في سوريا، و”إذا كان يعتقد (المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون) أن القرار رقم 2254 يعطي الصلاحية لأي جهة أممية أو غيرها لتشرف على الانتخابات، فأنا أريد أن أذكّر بأن بداية القرار تتحدث عن السيادة السورية، والسيادة السورية تعبر عنها الدولة السورية فقط ولا أحد آخر ولا جهة أخرى”.

وطُرحت اللجنة الدستورية لأول مرة في مؤتمر “الحوار السوري” الذي رعته روسيا بمدينة سوتشي في تشرين الثاني 2018، وعلى عكس وجهة نظر الأسد فإن اتفاق سوتشي جاء في بيانه الختامي أنه “تم الاتفاق على تأليف لجنة دستورية تتشكل من وفد حكومة الجمهورية العربية السورية ووفد معارض واسع التمثيل، بغرض صياغة إصلاح دستوري يسهم في التسوية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة وفقًا لقرار مجلس الأمن رقم 2254”.

“وفد مدعوم من الحكومة”.. مصطلح للتنصل

تستخدم وسائل الإعلام السورية الحكومية مصطلح “وفد مدعوم من الحكومة”، للتعبير عن الوفد الممثل عن حكومة النظام السوري، خلال تغطيتها لجلسات عمل اللجنة الدستورية، للتنصل من قرارات اللجنة في حال لم تتوافق مع رغبة النظام السوري ورئيسه.

ظهر المصطلح بشكل بارز بعد المقابلة التي أجراها الأسد مع قناة “الإخبارية” الحكومية، في 31 من تشرين الأول الماضي، التي تنصل خلالها من الوفد الحكومي واعتبره وفدًا “يمثل وجهة نظر الحكومة السورية”.

بعد هذا الحوار استخدمت وسائل الإعلام التابعة والموالية للنظام السوري مصطلح “وفد مدعوم من الحكومة”، ففي تقرير لوكالة الأنباء السورية الرسمية (سانا)، الثلاثاء 5 من تشرين الثاني، حول اجتماعات اللجنة المصغرة المنبثقة عن اللجنة الدستورية، قالت الوكالة، “واصلت اللجنة المصغرة المنبثقة عن الهيئة الموسعة للجنة مناقشة الدستور اجتماعاتها لليوم الثاني في مبنى الأمم المتحدة في جنيف، بمشاركة الوفد المدعوم من الحكومة السورية والوفود الأخرى”.

اعتبر الأسد في حواره أن الحكومة السورية ليست جزءًا من اتفاق اللجنة الدستورية، في سؤال حول قبول الطرف الآخر (في إشارة للمعارضة)، معتبرًا أن هناك طرفًا يمثل “وجهة نظر الحكومة السورية، أما الحكومة السورية فهي ليست جزءًا من هذه المفاوضات ولا من هذا النقاش”.

استخدام مصطلح “الوفد المدعوم من الحكومة” أو “الطرف الذي يمثل وجهة نظر الحكومة” لا يقل أهمية عن استخدام وسائل الإعلام ذاتها لمصطلح “الوفود الأخرى”، في الإشارة لوفدي المعارضة والمجتمع المدني المشاركين في أعمال لجنة صياغة الدستور.

وبحسب ما رصدته عنب بلدي، يطلق النظام السوري اسم “الطرف الآخر” على وفد المعارضة السورية من أعضاء اللجنة، وتتجنب وسائل الإعلام الرسمية عرض صوره خلال تغطية الأخبار المتعلقة باجتماعات اللجنة الدستورية، التي بدأت في 30 من تشرين الأول الماضي.

وكان مراسلو هذه الوسائل يسمون وفد النظام السوري بمسماه “وفد الحكومة السورية” والمجتمع المدني بـ”وفد المجتمع المدني”، عند ذكره منفردًا، قبل مقابلة الأسد.

أجواء متوترة.. اختلاف بالأهداف والأجندات

شهدت إحدى جلسات اللجنة الدستورية مشادات كلامية وحالة من التشنج حدثت بين مجموعتي “المجتمع المدني” و”المعارضة” من جهة، ومجموعة “النظام” من جهة أخرى، تسببت بتعليق الجلسة لمدة ساعة، لتُعاد وتستأنف من جديد بعد استراحة الغداء.

عنب بلدي كانت قد أجرت عددًا من اللقاءات مع أعضاء “اللجنة الدستورية” من مجموعة “المعارضة”، مستطلعة آراءهم وتقييمهم لسير الاجتماعات، والأولويات المطروحة للنقاش.

الرئيس المشترك من جانب المعارضة، الدكتور هادي البحرة، وصف اجتماعات اليوم الأول بـ “الإيجابية” بشكل عام، خاصة أنها المرة الأولى التي تلتقي فيها المجموعات الثلاث مع بعضها، معتبرًا أن الإنجاز الأساسي الذي حصل هو استماع جميع الأعضاء إلى مداخلات بعضهم حول رؤيتهم لدستور سوريا المستقبل وما الأولويات، ووجود نوايا لدى الجميع بأن تتقدم أعمال اللجنة الدستورية.

ورأى البحرة أن هذا هو الوقت المناسب الذي يجب العمل فيه على استثمار التوافقات الدولية الموجودة، من أجل التفاهم للوصول إلى دستور يحقق طموحاتنا، وإلى تسوية سياسية وحل سياسي يؤدي إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، الذي ينص أيضًا على تفعيل المسار التفاوضي بخصوص موضوع “الحوكمة” “وسلة الانتخابات” و”مكافحة الإرهاب”.

من جهته، أشار عضو اللجنة الدستورية، قاسم الخطيب، إلى أن مطالب مجموعة “المعارضة” في اجتماعات اللجنة الدستورية واضحة، وتتمثل بصياغة دستور جديد لسوريا المستقبل، يشارك فيه جميع السوريين، ولا يُفرض عليهم فرضًا كما تم في الدساتير السابقة.

وأبدى الخطيب تحفظه على دستور عام 2012، مشيرًا إلى وجود بنود كثيرة تعمل مجموعة “المعارضة” على ضمان تغييرها في الدستور الجديد، أهمها تلك المتعلقة بصلاحيات رئيس الجمهورية، وشكل الحكم، إلى جانب حقوق المرأة والطفل وغيرها.

الخطيب تحدث من جهة أخرى عن التحضير للانتخابات المقبلة، من خلال لجنة تتبع لـ “الهيئة العليا للمفاوضات”، مكونة من نحو 23 تقنيًا من ذوي الاختصاصات، تعمل على الاطلاع على تجارب الدول الأخرى، مبينًا أنه تم دراسة تجربة سراييفو، ويجري التحضير للاطلاع على التجربتين المصرية والفرنسية في هذا السياق.

كما يجري العمل مع الأمم المتحدة على “السجلات المفقودة” أو السجلات التي هي حكر في يد النظام، لكي يتمكن اللاجئون والنازحون السوريون في المخيمات ودول الجوار من الإدلاء بأصواتهم، مؤكدًا على ضرورة أن تجري الانتخابات المقبلة تحت إشراف ومراقبة الأمم المتحدة.

سيادة القانون.. السلل الأربع

أكد أعضاء في اللجنة الدستورية السورية المصغرة ضرورة ربط سيادة القانون بالمعتقلين، وأفادت مصادر من أعضاء اللجنة عنب بلدي، أن اللجنة الدستورية المصغرة ناقشت في جلستها، في 7 من تشرين الثاني الحالي، مواضيع تتعلق بـ “سيادة القانون وعلاقته بحرية المواطنين، وقانونية التوقيف وعدالة المحاكم، وحيادية الدولة، إلى جانب إجراء مقارنة ومراجعة لكل التجربة الدستورية السورية”.

وفي تطور لافت، طلبت “هيئة التفاوض العليا” السورية من المبعوث الدولي إلى سوريا، غير بيدرسون، استئناف المفاوضات حول السلل الأربع المتفق عليها في القرار الأممي 2254، وخاصة تشكيل هيئة الحكم الانتقالي، بالتوزاي مع عمل اللجنة الدستورية.

وطلب رئيس الهيئة، نصر الحريري، في رسالة موجهة إلى بيدرسون اطلعت عليها عنب بلدي، استئناف المفاوضات في موضوعات الحكم والانتخابات وسلة الإرهاب والأمن بالتوازي مع عمل اللجنة الدستورية.

ويعتبر القرار 2254 مرجعًا أساسيًا للعملية السياسية في سوريا، وينص على تشكيل حكم انتقالي شامل وغير طائفي ثم وضع دستور جديد للبلاد وتنظيم انتخابات تشريعية ورئاسية بموجب الدستور الجديد خلال 18 شهرًا.

وكانت اللجنة الدستورية المصغرة بدأت اجتماعها الأول، في 4 من تشرين الثاني الحالي، وخرجت بالمضامين الدستورية من كلمات أعضاء اللجنة الدستورية الموسعة، البالغ عددهم 150، خلال يومي 30 و31 من تشرين الأول الماضي.

ثلاث لا ورقات

أنهت اللجنة الدستورية السورية المصغرة أعمالها، في 8 من تشرين الثاني الحالي، بتقديم المجموعات الثلاث، المعارضة والنظام والمجتمع المدني، أوراقًا ستتم دراستها خلال الأيام المقبلة.

وأفادت مصادر مطلعة من اللجنة عنب بلدي، أنه مع اختتام أعمال الجولة الأولى للجنة الدستورية المصغرة، التي استمرت على مدار خمسة أيام في جنيف، قدمت كل من المجموعات الثلاث في اللجنة “لا ورقة” ستتم دراستها قبل بدء الجولة الثانية المقررة في 25 من تشرين الثاني الحالي.

وأوضحت المصادر أن الأوراق الثلاث ستشكل نقاط النقاش التي ستنطلق منها جلسات اللجنة الدستورية المصغرة في مرحلتها الثانية.

وتضمنت “لا ورقة” مجموعة “المعارضة”، مبادئ دستورية تم تجميعها من مداخلات أعضاء اللجنة الدستورية الموسعة خلال اجتماعاتها الأسبوع الماضي.

ومن بعض ما جاء فيها، التركيز على “ضمان حرية وكرامة السوريين، وتحقيق العدالة الاجتماعية في ما بينهم، واستقلالية القضاء، والفصل بين السلطات، ونزاهة الانتخابات، وضمان التعددية السياسية، والمواطنة المتساوية، وأن يقوم الجيش الوطني والمؤسسات الأمنية على الكفاءة، وأن تلتزم بحقوق الإنسان، وضمان مشاركة المرأة في المؤسسات بنسبة لا تقل عن 30%، والقضية الكردية قضية وطنية”.

بينما ركزت “لا ورقة” مجموعة “النظام” على أولوية “محاربة الإرهاب” وطالبت بـ “تطبيق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بمكافحة الإرهاب، وتكاتف الشعب السوري من أجل محاربة جميع المجموعات الإرهابية في سوريا، في سبيل محاولة الوصول إلى أرضية مشتركة بين أعضاء اللجنة الدستورية، وتهيئة الأرضية اللازمة لتحقيق تقدم فعلي في عمل اللجنة”.

وانقسمت “لا ورقة” المجتمع المدني إلى قسمين، إذ ركز المقربون من النظام على “إدانة اعتداءات التنظيمات الإرهابية في حلب، واستنكار العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا”.

بينما أكد أعضاء مجموعة “المجتمع المدني” من المعارضة ضرورة “العمل على الإفراج الفوري عن جميع معتقلي الرأي من قبل جميع الأطراف في سوريا، والكشف عن مصير المختفين قسريًا، وتشكيل لجنة وطنية لمراقبة إطلاق سراح المعتقلين من قبل جميع الجهات بشكل دوري وفق جدول زمني محدد”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة