عشر تجارب أدبية لسوريات.. في كتاب واحد

tag icon ع ع ع

نبيل محمد

“أفتح عيني.. كم مرَّ من الوقت؟ أين أنا؟
ما كلُّ هذه المياه؟
بضع دقائق تكفي لتفسير ما حدث..
ولدت من جديد.. هنا في البحر.. سعادة عظيمة تغمرني.. أنا الشجرة التي صارت سفينة وحملت كل أهل القرية وأمنياتهم، وشقت موج البحر لتهرب بهم بعيدًا عن الحرب”.

جاءت تلك القطعة النثرية في قصة لنسرين سبير، التي كانت واحدة من بين عشر نساء سوريات، خرجن بكتاب “الحروف المهاجرة” الذي جمع المنجز الأدبي لكل منهن، في ورشة كتابة جمعتهن خلال عامي 2018 و2019، بتنسيق من منظمة “معًا” (beraberce)، وهي منظمة تركية تعنى بقضايا المجتمع المدني والمواطنة وحقوق الإنسان.

صدر الكتاب الذي احتفى صنّاعه بنشره قبل أيام في اسطنبول، بثلاث لغات، العربية والإنجليزية والتركية، فيما بدى أنه محاولة حثيثة من قبل القائمين عليه لنشر التجربة، والتحفيز على متابعتها ورصد محتواها ومفهومها، من كونها محاولة جمع أصوات نسوية عاشت وتعيش ظرف اللجوء ووقائعه، وتحفيز تلك التجارب على بناء نص سردي تعبيري غير مقيّد بقالب واضح، يمكن للتجربة فيه أن تظهر جلية ومعبرة عن نفسها أدبيًا، وقد يكون لهذا التعبير فرادة ما نابعة من العمل الجماعي الذي قام عليه المشروع ككل، ومن التجارب الفرديّة لكاتبات النصوص.

يتضح من النصوص التي يتضمنها الكتاب، على اختلاف موضوعاتها ومستوياتها في بعض المواقع، وهو منطقي مع اختلاف تجارب الكاتبات وخلفياتهن الثقافية والأكاديمية، أن لوجودهن مع بعضهن في الروشة دورًا منتجًا في وضع عناوين عامة للموضوعات، ومن ثم فتح الباب لكل منهن للتعبير تحت هذا العنوان، من افتراض الزواج من شخصية مشهورة في الجزء الأول من الكتاب، إلى عناوين أكثر اتساعًا وانفتاحًا في الموضوعات اللاحقة ترتبط بالحياة اليومية لهن، وبالذات ومكنوناتها، إلى عنوان “الشجرة” التي ربطتها نسرين بالصبر بينما ربطتها رندا برمزية الاحتفال، وربطتها رشا بالقوة.

أسئلة طرحها القائمون على الورشة والمشاركون فيها على أنفسهم وعلى الكاتبات، كان لها أثر في تحفيزهن على البوح، خاصة وأن كلًا منهن تعتمد الكتابة مسبقًا كوسيلة للتعبير، وإن لم يكن في الحيز العام وإنما بشكل شخصي، إلا أن لتلك الأسئلة حول الواقع والذات، والعلاقة مع الجنس الآخر، والعلاقة مع مكونات المجتمع المحيط، مع الأشياء والأدوات، إجابات انعكست على بناء السرديات وتنظيمها، بما يحقق على الأقل رضا الكاتبة عما أنجزته، خاصة أنه جاء ضمن منتج جمعي لا فردي، بمعنى أنه انطلاقة مشتركة، قد تشهد فيما بعد اتجاهًا نحو الإنتاج الفردي لدى من تريد استكمال طريقها في هذا السياق، أو من تجد بنصوصها قدرة على البناء مجددًا والتطوير نحو كتاب مستقل.

في تقديم الكتاب تنتقد مديرة جمعية “معًا”، عائشة أوكتام، العنصرية تجاه اللاجئين، والصور النمطية التي تتشكل لدى سكان المجتمعات المحلية تجاه اللاجئ، إذ ترى أن الشفقة تتحول في بعض تجلياتها إلى عنصرية، فتقول: “إنهم عرب، لقد عاشوا تحت حكم الشريعة، بالطبع هم متخلفون، بينما نحن نفكر بهذه الطريقة يتحول شعورنا الأولي بالرحمة ببطء إلى غضب طفيف…، لا يوجد مهاجر غير مؤهل. كان هؤلاء الأشخاص قبلًا يعيشون في بلد كانت أرضهم الأصلية، كانت لهم أعمالهم الخاصة، ووظائفهم ومنازلهم وعاداتهم، نقلوا مهاراتهم وثقافاتهم ومعرفتهم وممتلكاتهم بأنفسهم معهم”.

بيان آغا، فاتن سراج، هدى هلال، جود جذبة، نسرين سبير، رندا خشفة، رشا سراج، روتانا أبو كلام، سهير ياغي، سوزان عبد الكريم، كتبن 49 نصًا أدبيًا بعناوين مختلفة، بعضها تشير إلى أنها تجارب أغلبهن الأولى مع الكتابة القصصية والنشر، وهو ما يأتي في صلب هدف الورشة والكتاب وفق ما يبدو.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة