تحديات ومخاوف تواجه منظمات المجتمع المدني شمال شرقي سوريا

camera iconفعالية ضمن عمل مركز آريدو للمجتمع المدني والديمقراطية - 2019 (صفحة المركز على فيس بوك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – الحسكة

أرخت العملية العسكرية الأخيرة شمال شرقي سوريا بظلالها على عمل منظمات المجتمع المدني الفاعلة هناك، والتي كانت تتولى مهمة سد الفجوة في توفير الخدمات المحلية، إلى جانب دورها في التوعية والتثقيف والتنمية المجتمعية، والمناصرة وحقوق الإنسان.

أدت التبدلات العسكرية وتغير الجهات المسيطرة التي أعقبت العملية، إلى إيلاء منظمات المجتمع المدني الأولوية لتقديم الخدمات الأساسية والإغاثية، على حساب مجالات عملها الأخرى.

كما ظهرت تحديات جديدة باتت تهدد وجودها واستمرارية عملها، فضلًا عما رافق مشهد تغير موازين القوى من مخاوف لدى الناشطين المدنيين على حياتهم، لا سيما مع دخول النظام السوري الذي غاب لسنوات عن الإمساك بزمام السلطة في تلك المناطق.

وكانت تركيا بدأت، في 9 من تشرين الأول الماضي، عملية عسكرية في شمال شرقي سوريا، بالتعاون مع “الجيش الوطني” السوري، الذي سيطر بموجب العملية على بلدات في ريفي الحسكة والرقة، بينما وصل النظام السوري إلى مدينتي الحسكة والقامشلي، ومناطق أخرى في شمال شرقي سوريا.

عودة للنظام خلطت الأوراق

مدير مركز “آريدو للمجتمع المدني والديمقراطية”، غاندي سعدو، أكد أن أداء عمل المنظمات في مناطق شمال شرقي سوريا تراجع بشكل كبير عقب العملية التركية، التي زادت من الصعوبات الموجودة في الأصل، مثل عدم وجود الدعم الكافي والمناسب.

وأوضح سعدو في معرض حديثه إلى عنب بلدي أن نشاطات الكثير من المراكز المدنية توقفت خلال فترة العمليات العسكرية.

بينما استمر عمل بعض المنظمات المختصة بتقديم المساعدات والأعمال الخيرية، والتي أدت دورًا مهمًا خاصة في ظل انسحاب المنظمات الدولية وخروجها من سوريا، وهو ما شكل عبئًا كبيرًا على كاهل المنظمات المحلية، التي أثبتت جدارتها وقوتها على أرض الواقع، بحسب تعبيره.

وأضاف سعدو أن الشائعات التي تحدثت عن عودة النظام السوري إلى تلك المناطق، أثارت تخوفًا كبيرًا لدى ناشطي العمل المدني، خاصة أن 90% منهم هم من المعارضين لنظام الأسد.

نشاطات جُمّدت وأخرى استُبدلت

فيما يتعلق بعمل مركز “آريدو للمجتمع المدني”، المختص بمجالات التوعية المدنية وحقوق الإنسان والحكم الرشيد وتنمية قدرات الشباب، والذي يغطي محافظتي الحسكة والرقة، لفت سعدو إلى أن نشاطاته تأثرت وبعضها توقف وجُمّد بشكل كامل، كما أن كثيرًا منها غُيّر أو استُبدل بما يلائم متطلبات المرحلة الراهنة.

وبيّن سعدو أن التركيز الكبير أصبح ينصب الآن على موضوع النازحين، فبالرغم من كون منطقة الجزيرة السورية كانت تشكل سابقًا خزانًا كبيرًا للنازحين من مختلف المناطق السورية مثل حمص وحلب وغيرها، إلا أن هذا الموضوع تفاقم حاليًا مع وجود المزيد من النازحين.

وأشار إلى أن قسمًا من الأهالي نزحوا من المناطق بين رأس العين وتل أبيض قرب الحدود السورية- التركية، حيث كانت تتركز العمليات العسكرية، وهو ما أدى لوصول ما يقارب 300 ألف نازح.

من جانب آخر أدت العملية العسكرية إلى فرار العديد من الناشطين المدنيين إلى إقليم كردستان العراق، بعضهم يفكر حاليًا بالرجوع، وآخرون لا يستطيعون، خاصة ناشطي مدينة رأس العين الذين خسروا أملاكهم وأعمالهم وكثيرًا مما يملكونه، وفق سعدو.

وأشار مدير مركز “آريدو” إلى وجود العديد من المخاوف لدى الأهالي والمنظمات من تجدد العمليات العسكرية، خاصة في مناطق الخابور والآشورية وعين عيسى وتل أبيض، وما ينجم عنها من حركات نزوح جديدة.

إضافة إلى ذلك، توجد لدى المنظمات مخاوف تتعلق باستمرار عملها في ظل الأجواء غير المستقرة عسكريًا وسياسيًا، وإمكانية توفير الدعم المستقبلي لها حتى تتمكن من القيام بدورها المنشود.

وقف عجلة تنامي الدور المدني

مدير البرامج في منظمة “GAV” للإغاثة والتنمية، آياز محمد، أكد وجود تأثيرات كبيرة على عمل منظمات المجتمع المدني في مناطق شمال شرقي سوريا.

وأوضح محمد في حديثه إلى عنب بلدي أن مناطق شمال شرقي سوريا كانت تتمتع قبل العملية بمستويات أمان عالية مقارنة مع غيرها من المناطق السورية، وهو ما لعب دورًا مهمًا في تنامي الدور المدني، مكنه من خلق آليات ضغط على السلطات المحلية، لتأسيس بيئة حاضنة تساعد على تبني أسس الحقوق والحريات.

وأضاف محمد أن من أبرز مفرزات هذا التدخل كان انسحاب المنظمات الإنسانية الدولية، التي كانت تقدم خدمات متعددة القطاعات إلى سكان هذه المناطق، وتقاعسها عن أداء دورها الإنساني المنوط بها في خلق استجابات إنسانية طارئة لنازحي مناطق العملية العسكرية.

كما أسفرت العمليات العسكرية، وتسابق الأطراف المتصارعة إلى الطرق الرئيسة الواصلة بين المدن، وانتعاش الخلايا النائمة التابعة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، عن وجود مخاطر على حياة الناشطين المدنيين ما حدّ من حرية تنقلهم.

وإضافة إلى ذلك، فقد ترك دخول قوات النظام السوري إلى بعض المناطق، والذي تم بموجب اتفاق عسكري لم تتضح بنوده المتعلقة بالجوانب الإدارية والخدمية، تبعات تجلت بإحباط المؤسسات المدنية وناشطيها الذين عمد بعضهم إلى إغلاق بعض المكاتب وحرق مستندات ذات صلة بأنشطتهم، خشية أن تتسبب بمخاطر على حياة الموظفين والمتطوعين في حال وصولها إلى أيدٍ غير آمنة.

مشاريع مهمة تأثرت

منظمة “GAV” للإغاثة والتنمية كانت إحدى المنظمات التي تضرر عملها، وهي منظمة تُعنى بحماية الطفولة والمرأة، نشطت منذ عام 2017 في مجال إعادة تأهيل القطاع التعليمي في مدينة الرقة وريفها.

ونفذت المنظمة مشاريع استهدفت ترميم مئات المدارس المتضررة، إلى جانب العمل على تشجيع الأهالي والسكان المحليين على الانخراط في العملية التعليمية بشكل منسق ومنظم، في خطوة لمجابهة التطرف.

مدير البرامج في “GAV”، آياز محمد، لفت إلى أن هذه المشاريع وغيرها الكثير مما كانت المنظمة بصدد إطلاقه بالشراكة مع مؤسسات دولية، توقفت إثر العملية العسكرية، ما تسبب في تراجع فرص تطوير وتحديث قطاعات متعددة بمناطق شمال شرقي سوريا ومن ثم إنشاء استقرار مستدام.

وقد أدى تدهور الأوضاع الأمنية إلى خروج مكتب فرعي للمنظمة بمدينة الرقة عن الخدمة، فضلًا عن الصعوبات الكبيرة في الوصول إلى مناطق الرقة ودير الزور نظرًا لانتعاش خلايا تنظيم “الدولة” فيها وما رافقه من مخاطر حدوث عمليات إرهابية كالتفجيرات في الأسواق والمناطق الحيوية.

توازنات جديدة

الكاتب والصحفي عباس موسى، تحدث لعنب بلدي عن تأثير التوازنات العسكرية الجديدة في مناطق شمال شرقي سوريا، التي نجمت عن العملية العسكرية التركية، والمتمثلة بانكفاء القوات الأمريكية، وتقدم الروس، ودخول النظام، على عمل المنظمات المحلية والدولية الموجودة في تلك المناطق.

فعقب العملية أعلنت معظم المنظمات الدولية التي تأخذ تصاريح عملها من “الإدارة الذاتية” (الكردية)، سحب موظفيها الأجانب إلى خارج الحدود عبر بوابة “سيمالكا” الحدودية مع إقليم كردستان العراق، وصرفت موظفيها المحليين، وذلك في خطة طارئة لمدة شهرين، سيتم بعدها النظر مرة أخرى في خيارات العودة.

أما المنظمات الدولية المرخصة بالعمل من قبل النظام السوري، كالأمم المتحدة بهيئاتها المختلفة، وشبكة المنظمات المحلية المرتبطة بها، فلم تنسحب إلا أنها لم تستجب إلا في حدود قليلة.

بينما عادت بعض المنظمات المحلية لتمارس أنشطتها وبرامجها المعنية بقضايا المجتمع والمرأة والسلم الأهلي، بعد اتفاق وقف إطلاق النار الذي توقفت على إثره العملية العسكرية، مع بعض التعديلات على برامجها لتكون متناسبة مع الظروف الحالية، ونزوح الأهالي بأعداد كبيرة.

مهام على عاتق المجتمع المدني

رئيسة تيار المستقبل الكردستاني، نارين متيني، أشارت إلى ضرورة استمرار عمل منظمات المجتمع المدني بمناطق شمال شرقي سوريا، متحدية المخاطر الحقيقية والتهديدات الجدية التي طالتها جراء العملية العسكرية التركية ودخول النظام السوري.

وفي حديثها إلى عنب بلدي، أكدت أنه من واجب المنظمات المحلية مواصلة عملها في جميع المجالات، وخاصة في المجالين القانوني والمدني، ورصد وتوثيق الانتهاكات الحاصلة التي تخالف القوانين والشرائع الدولية، وإرسالها إلى الجهات المعنية من أجل ضمان محاسبة المنتهكين ومحاكمتهم.

وأضافت متيني أنه يُعوَّل على الحراك المدني، تنظيم ممارسة الحقوق المدنية المتمثلة بالاحتجاجات والاعتصامات والمظاهرات، والعمل على مطالبة المجتمع الدولي بتوفير حماية دولية وقوات حفظ السلام.

وركزت متيني على أهمية قيام هذه المنظمات بمساندة شعوب المنطقة، وإيصال صوتهم إلى العالم لإحقاق حقوقهم في السلام والحرية والديمقراطية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة