أربع دول في قرية شرق حلب

tag icon ع ع ع

خليفة خضر

نسير على دراجة نارية نقصد نهر الفرات لنجلس على ضفافه، على طرق معوجة عُبّد قسم منها وآخر غير معبد، نقصد نهر الفرات في قسمه الموجود تحت سيطرة المعارضة السورية بريف حلب الشرقي.

هذا القسم الصغير جدًا بالنسبة لمساحات جريان نهر الفرات ضمن الأراضي السورية، التي تسيطر “قوات سورية الديمقراطية” (قسد) على القسم الأكبر منه، تليها قوات النظام السوري التي تسيطر على قسم من النهر بريف حلب الشرقي والجهة الغربية للنهر في محافظة دير الزور، لكن ضمن المساحة الصغيرة من جريان نهر الفرات في مناطق سيطرة المعارضة (درع الفرات)، نبحث مع صديقي عن مكان أوسع للنهر ومناظر أجمل من المناظر الممتدة على طول الشطر الغربي من النهر في ريف حلب الشرقي.

وصلنا على دراجتنا النارية، التي نزودها بوقود “مكرر” من باعة أطفال جوالين يبيعون الوقود على الطرقات، إلى قرية تسمى قراطة، تقع في جنوب مناطق سيطرة المعارضة وفي شرق حلب. منظر النهر من تلال القرية رهيب جدًا، تلال ترتدي ثوبًا أخضر وتلال صخرية ومغارات محفورة بقلب التلال، حفرها من كان قبلنا من جماعات بشرية، واليوم يأخذ الغنم منها ملجأ من برد الشتاء، ومغارات أخرى حفرتها أمواج نهر الفرات أو غمرت بيوتًا إذا ارتفع منسوبه، وبيوت أخرى غُمرت بعد بناء سد “16تشرين” بريف حلب رغم أنها بنيت مرتفعة على التلال، ففجأة شيدت الحكومة السورية مشروعًا لا يأخذ بعين الاعتبار أملاك الناس ولا يعوضهم بحجم خسارتهم، استغل فقرهم وقلة حيلتهم ونقلهم إلى أماكن أخرى لتنفيذ أجندات سياسية، في قضية باتت تعرف باسم “الحزام العربي”، الذي أقرته الحكومة عام 1965.

تلاحظ منازل متباعدة عن بعضها في قمم هذه التلال، وتلاحظ منازل حجرية متلاصقة تشكل نواة القرية من سوق صغير مؤلف من صيدلية تحمل اسم القرية وبائع خضار وبائع غاز، وتلاحظ أيضًا مباني حديثة البناء، مسوّرة بدشم ترابية وأسمنتية معدة لحماية نفسها من هجوم محتمل، هذه المنازل، ليست منازل وإن بدا للمار ذلك، فهي أراضٍ لدول بعيدة وقريبة عن سوريا، اتخذت من أرض القرية، أراضي لها، على سبيل المثال، قد تسير بالقرب من الأراضي التركية والأمريكية والفرنسية والروسية بأقل من ربع ساعة، ناهيك عن الحقيقة التي تجدها على “جوجل ماب”، والتي تخبرك أن المسافة بين أمريكا وتركيا قد تصل لـ 8953 كيلومترًا، وأن بينهما وفقًا للحدود الجغرافية عددًا من الدول الأوروبية ومحيطًا من المياه كبيرًا جدًا.

شاهدت البعد بينهما في قرية قراطة، خط رفيع من المياه يسمى نهر الساجور، الخط المائي هو فقط البعد الجغرافي بين الأراضي التركية والأمريكية على أرض سورية، فقد تجد العلم التركي غربي نهر الفرات وغرب نهر الساجور، وعلى بعد مسافة فعليًا لا تتجاوز الكيلومترين، ترى بالعين المجردة، العلم الأمريكي يرفرف فوق ساتر أسمنتي وآخر ترابي في الضفة الشرقية لنهر الفرات، وعلى بعد مسافة ليست ببعيدة، ترى العلم الروسي يرفرف إلى جانب راية المجلس العسكري لمدينة منبج الذي يتبع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، التي تسيطر على الضفة الشرقية من نهر الفرات، من نفس القرية والأراضي الزراعية التي تتبع لها.

في العادة، تستغرق الرحلة في الطيران المدني، من سوريا إلى تركيا ومن ثم إلى أمريكا مرورًا بفرنسا وروسيا، وفقًا لتطبيق تتبع الخرائط على الإنترنت مدة تتجاوز الـ 44 ساعة.

بينما على أرض الواقع، وفي سوريا وفي حلب وفي قرى شرقي حلب وفي قرية قراطة، كنت قد سرت بين هذه الدول الثلاث بالإضافة إلى سوريا، وزرتها على الدراجة النارية، بمدة لا تتجاوز 20 دقيقة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة