متلازمة الأمطار.. كيف تُحوّل حياة سكان المخيمات إلى جحيم

camera iconمياه الأمطار تغرق مخيم "كفر يحمول" بريف إدلب 15 كانون الأول 2019 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

لحظة فارقة في حياة سكان مخيمات الشمال السوري، حين يهطل مطر الشتاء، لأنهم يعلمون أن هناك ثلاثة أمور ستترتب عليهم بشكل متتالٍ.

أول هذه التداعيات، غرق خيامهم، حيث يبتلع الماء جميع ما تبقى من أثاث هو بالأصل بقايا بيت مدمر أو عفش منزل جُمع على عجل تحت وطأة القصف الذي تشنّه روسيا والنظام السوري.

وثانيها، تشكُّل الطين الذي سيقطع الطرقات ويجعل التحرك في المخيم شبه مستحل، وثالثها وأهمها العيش لأيام أو لأسابيع في العراء أو كمجموعات كبيرة في خيمة صغيرة، لحين دخول المنظمات الإغاثية ودعمهم بخيام جديدة أو إصلاح القديمة وتعويضهم ببعض الأغطية.

امرأة الطين

بين أكوام الطين المتجمع نتيجة مياه الأمطار، التي حولت ساحة مخيم “سنجار كهرباء” بريف إدلب إلى مكان يصعب الحركة فيه، تقف مريم، عاجزة عن مواجهة ما ألم بها، تعمل جاهدة دون تدفئة ولا مال لمغادرة مكانها، للمحافظة على ما تبقى من خيمتها التي لم تعد تملك سواها.

أمام عدسة عنب بلدي، تحاول المرأة الستينية حماية خيمتها من خلال إحاطتها بالحصى والحجارة، لمنع تسرب المياه الذي أبقاها مستيقظة ليلتين متتاليتين.

لا تملك مريم معيلًا ولا معينًا لها، ولم تحصل على المساعدة التي تمكنها من مواجهة الشتاء، مع تذرع المنظمات المحلية والوكالات الأممية بنقص التمويل وزيادة الضغط والحاجات، بسبب نزوح نحو مليون شخص من جنوبي إدلب وشمال حماة جراء الحملة العسكرية التي يشنها النظام السوري وحليفه الروسي منذ الأشهر الأولى للعام التاسع من النزاع السوري.

نازحة في مخيم “سنجار كهربا” تحاول إبعاد مياه الأمطار عن خيمتها (عنب بلدي)

نازحة في مخيم “سنجار كهربا” تحاول إبعاد مياه الأمطار عن خيمتها (عنب بلدي)

أرّقت الأمطار مريم ما إن بدأت بالهطول على المخيم وطرقاته غير المعبدة التي سرعان ما فاضت وتحولت لأوحال.

ليس ببعيد عن مريم، وأمام بركة المياه في مخيم “كفر يحمول”، يقف طفل يحاول الوصول إلى خزان مياه الشرب ليشرب، إلا أن البركة باتت تحول بينه وبين الخزان الذي اعتاد تعبئة الماء منه قبل هطول الأمطار.

في ذات المخيم، يحاول طفل آخر انتشال فراشه الذي كان ينام عليه في خيمته من بركة أخرى تشكلت بعد الأمطار.

مشهد آخر في ذات المخيم، يتحدث عن قيام رجل بجمع أطفال حوله، ليعطيهم بعض الدفء الذي فقدوه نتيجة الأمطار وتشرّدهم في المخيم بعد أن غرقت خيامهم.

يحاول الرجل إشعال مجموعة من عيدان الأشجار، إلا أن محاولاته باءت بالفشل لأن الأشجار مبللة، فراح يحرق الثياب القديمة لتحقيق مراده.

تشترك معظم الخيام أو ما تبقى منها في مخيمات الشمال السوري حاليًا، بسمة واحدة هي أنها محاطة بأعداد كبيرة من الحجارة التي يظن سكان الخيام أنها ستقيهم مياه الأمطار.

طفل يحاول الوصول إلى خزان مياه الشرب في محيم “كفر يحمول” 15 من كانون الأول 2019 (عنب بلدي)

طفل ينتشل فراشه من مياه الأمطار في محيم “كفر يحمول” 15 من كانون الأول 2019 (عنب بلدي)

رجل يحاول إشعال النيران لتدفئة الأطفال في محيم “كفر يحمول” 15 من كانون الأول 2019 (عنب بلدي)

إحصائيات

تضرر أكثر من 41 مخيمًا في شمال غربي سوريا، يقطنها أكثر من 5.7 آلاف عائلة، نتيجة الهطولات المطرية التي شهدتها المنطقة خلال اليومين الماضيين، بحسب بيان فريق “منسقو الاستجابة”، أمس الاثنين.

وفي بيان سابق للفريق، فإن نحو 11250 عائلة (61300 نسمة) نزحوا خلال تشرين الثاني الماضي.

ووصل عدد المخيمات في شمال غربي سوريا إلى 1153، بينها 242 مخيمًا عشوائيًا، بينما كان عددها سابقًا 130.

كما ازداد عدد النازحين ضمن المخيمات ووصل إلى أكثر من 962 ألفًا، بحسب تصريح سابق لمدير فريق “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج، لعنب بلدي، في 5 من تشرين الثاني الماضي.

وتأتي موجات النزوح بالتزامن مع تصاعد هجمات قوات النظام السوري، مصحوبة بالقصف المدفعي وغارات الطيران الروسي الممنهجة على المناطق المدنية في ريفي إدلب وحماة، منذ بداية عمل اللجنة الدستورية، في 29 من تشرين الأول الماضي.

وفي 10 من كانون الأول الحالي، قيّم فريق “منسقو الاستجابة” تضرر ثلاثة آلاف و126 عائلة نتيجة العواصف المطرية، بالإضافة إلى تشرد عشرات العائلات.

كما علقت مديرية التربية والتعليم بإدلب الدوام في مدارس مجمع المخيمات في المدينة، المبنية من الخيام أو التي تحتوي سطحًا من الصفيح، بسبب حالة الطقس السبت الماضي.

وفاقمت الهطولات المطرية الأخيرة من معاناة النازحين في المخيمات التي تفتقر إلى مقومات الحياة الأساسية، بعد نزوح أعداد كبيرة من مناطق جنوبي إدلب، وأدت إلى دخول مياه الأمطار إلى خيم النازحين وغرق بعضها.

وجاء في تقرير “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” الجمعة الماضي، أن قاطني المخيمات من السوريين “يقيمون في ظروف معيشية سيئة، ولا يحصلون على الحد الأدنى من الخدمات الأساسية كالمياه والحمامات وخدمات الرعاية الطبية، وسط شح في المساعدات وعدم انتظام وصولها إلى المخيمات”.

وقال المتحدث الرسمي باسم الأمين العام للأمم المتحدة، فرحان حق، إن ملايين النازحين من النساء والأطفال والرجال يعيشون في المخيمات دون كهرباء وتدفئة، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الأساسية.

وأشار حق إلى أن الفيضانات تشكلت جراء الأمطار الغزيرة، وطالت 16 مخيمًا في محافظة إدلب، وكذلك مخيم الهول في ريف الحسكة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة