تعا تفرج

لن نترحم على محمد شحرور

tag icon ع ع ع

خطيب بدلة

قبل أيام “جَكَّ” شعرُ رأسي، واشرأبَّ. لم تنفعني الإجراءات التي اتخذتها بشأنه، إذ بللته بالماء، وحاولت إسباله، ثم سكبتُ عليه كمية مبحبحة من زيت “البريانتين”، ودعكته، وفي نهاية المطاف استخدمت المشط لإخماده، فطقّ المشط وانكسر إلى شقفتين.

كان سبب هذه (الجَكّة) هو متابعتي للهجوم الكاسح الذي شنه مجاهدو “فيسبوك” (الذين يعيش معظمهم في أمهات العواصم والمدن الغربية) على المفكر الدكتور محمد شحرور بمجرد ما تلقوا خبر وفاته في أبو ظبي عن إحدى وثمانين سنة أمضى ثلثيها في دراسة التراث الإسلامي، ساعيًا إلى إعمال العقل في القرآن الكريم، واستخلاص أحكامه، بغية مقارعة فرسان العودة إلى الوراء، تؤرقه رغبة قوية في أن يكون معتنقو الدين الإسلامي المعاصرون قادرين على العيش في هذا العصر الصاخب، والتعامل مع معطيات الحضارة التي أنجزتها البشرية خلال مسيرتها الجبارة بانسجام.

عندما قرر مجاهدو “فيسبوك” تدمير تاريخ محمد شحرور والتعدي على حرمة وفاته، واجهتهم معضلة كبيرة تكمن في أن الرجل ليس ملحدًا، ولا حتى متهَمًا بالإلحاد كالمعري والتوحيدي وسيد القمني وأحمد القبانجي، يعني أنه عاش ودرس واشتغل في خندقهم، ومع ذلك ناصبوه العداء، ذلك لأنه تطاول على إنجازات المشايخ المتزمتين الذين وضعوا النصوص القرآنية جانبًا، واعتمدوا على أحاديث نبوية ضعيفة الأسانيد، ليهندسوا، من خلالها، نموذج عيش للمسلمين عامر بالتقوقع والتزمّت والعطالة حتى ليبدو مَن يسير على نهجها وكأنه قادمٌ من مجاهل العصور السحيقة، يعيش ويموت وهو غريب عمن حوله.

ولكنهم سرعان ما تجاوزوا كونَ المفكر الراحل محمد شحرور مؤمنًا بالله ورسوله، بإعداد قائمة من المانشيتات المضحكة ووزعوها على صفحات “فيسبوك” زاعمين أنها تلخص شخصية “شحرور” أيما تلخيص، وهي التالية: يبث الفكر الماركسي الشيوعي. يرى أن الرسول الكريم رجل عادي لا يجوز لنا اتباعه. يرى ضرورة تبديل الشريعة كل خمسين عامًا. يقول إن الأئمة المتقين الذين مدحهم القرآن هم علماء الفيزياء والأطباء والفلاسفة. يرى أن الصلاة ليست عبادة. يعتبر أن الرسول المعظم يفسر القرآن مثلما يفعل أي مفكر. يرى أن نظام الحكم الإسلامي والحدود والتعزيرات ليست من الدين.. إلخ.

هناك قائمة مانشيتات أخرى طُرشت على صفحات “فيسبوك”، مانشيتات أكثر تكفيرًا للمفكر الراحل، وأشد كراهية له، لا أجد ما يدعوني لاستعراضها، لأنني أحب أن أتوقف في هذه العجالة أمام الظاهرة الجهادية الفيسبوكية الجديدة، (جديدة بالطبع لأن فيسبوك نفسه جديد علينا أصلًا) وهي ظاهرة التأثر بطريقة نظام حافظ الأسد في القول إن الوقت الآن غير مناسب. مثلًا كنا نطالب نظام الأسد بإلغاء قانون الطوارئ فيقول لنا أبواقه: قانون الطوارئ موجود بسبب إسرائيل، اذهبوا وحرروا فلسطين وتعالوا لنلغيه. نقول لهم ومتى ستصدرون قانون الأحزاب؟ فيردون علينا بأن هذا مطلب حق، ولكن لجنة ميليس الآن تعمل في لبنان وفي خطتها ضرب نظام الممانعة وزعزعة صمود سوريا.

وبالنسج على نفس المنوال ارتأى أحد المجاهدين أنه لا يجوز الترحم على الدكتور محمد شحرور لأن النظام النصيري وطائرات بوتين الشيوعية تشن حربًا كاسحة على أهلنا في إدلب!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة