مدينة حلب تعيش كابوس معركة مقبلة

camera iconعربة روسية في شوارع مدينة حلب - 17 شباط 2017 (سبوتنيك)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – ميس حمد

قذيفة تلو الأخرى تقطع الصمت الذي يخيم على غرفة علاء كل 15 دقيقة، لم تنفع محاولاته في تجاهل سماع أصوات القذائف، فـ”لا أجواء امتحانية هنا”، يقول علاء، من مدينة حلب لعنب بلدي، “جميعنا يترقب ويتساءل: ماذا ينتظر حلب؟”.

أصوات القصف وسيارات الإسعاف صارت جزءًا من مسلسل يومي اعتاد علاء ورفاقه في السكن الجامعي في حلب سماعه، خلال تحضيراتهم للامتحانات الفصلية في الجامعة.

وتشهد حلب قصفًا متقطعًا تتهم الرواية الرسمية به فصائل المعارضة بريف حلب، بينما تنفي المعارضة ذلك وتقول إنه مفتعل من النظام لتبرير هجومه في ريف حلب، كما تعد الأحياء الغربية من المدينة منطلقًا للحشود على الجبهة وقواعد لقصف مناطق المعارضة.

وسيطرت قوات النظام السوري على مدينة حلب بالكامل في كانون الأول 2016، بعد قصف روسي مركّز، أسفر عن توقيع المعارضة اتفاقًا لخروجها من الأحياء الشرقية، وتهجير نحو 75 ألف مدني، بحسب أرقام الأمم المتحدة.

من المتوقع أن يبدأ النظام معركة ضد الفصائل المقاتلة في ريف حلب الغربي بقصد الوصول إلى الطريق الدولي “M5″، بعد أن فشلت محاولاته من جهة ريف إدلب.

وكانت كالة “سبوتنيك” الروسية قالت، مطلع كانون الثاني الحالي، إن تعزيزات عسكرية من مرتبات “الفرقة الرابعة” دخلت مدينة حلب بهدف تعزيز جبهة الريفين الجنوبي والغربي.

وقال نائب رئيس هيئة الأركان في قوات النظام السوري، اللواء سليم حربا، في كانون الأول 2019، إن “أهالي حلب سوف يشهدون انتصارات كبيرة يحققها الجيش السوري بعد أعياد الميلاد ورأس السنة المرتقبة”.

كيف ينعكس التوقيت؟

“لا أتخيل أن هناك سيناريو سيئًا ينتظر مدينة حلب يمكننا الحديث عنه”، تطمئن الصيدلانية عزة (38 عامًا)، مضيفة لعنب بلدي، “بقدر ما كان الحشد العسكري على الريف الغربي لحلب، لكن المدينة تبقى بمنأى عما يدور في ريفها بحماية اتفاقيات سياسية بين موسكو وأنقرة، وبقدر ما تعاظمت مقدرة فصائل المعارضة على المواجهة العسكرية، تبقى مرهونة هي الأخرى لطرف خارجي”.

لكن مخاوف “أبو إياد” (58 عامًا)، وهو سائق تكسي، لا تنحصر بما ينتظر المدينة أمنيًا وعسكريًا، بقدر ما يرى في المعركة توقيتًا خاطئًا لأنها ستمثل حجة أخرى أمام التجار والباعة لرفع أسعار السلع الغذائية التي صارت تسعر وفق تحولات سعر صرف الليرة السورية.

ولم يستطع الرجل الخمسيني إخفاء مخاوفه على ابنتيه اللتين تكملان دراستهما الجامعية من القصف، مشيرًا بإصبعه إلى سيارات إسعاف مديرية الصحة والهلال الأحمر التي أعلنت الاستنفار خلال الشهر الأخير، والتي تتوزع على طرقات أحياء حلب الغربية.

“اللي راح راح”.. لا بديل؟

وأطلقت صفحات على موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” تحذيرات تطالب بعدم ترك الأهالي منازلهم في أحياء حلب الجديدة والزهراء غربي المدينة، محذرة من وجود جماعات مسلحة تتعقب المنازل الخالية من أهلها لاستهدافها بسرقة، بحسب ما جاء على صفحة “شبكة أخبار حي الزهراء بحلب“، واسعة الانتشار في المدينة.

وعبر عشرات الأهالي عن تخوفهم من الأيام المقبلة، وخاصة من سرقة منازلهم، بحسب التعليقات التي رصدتها عنب بلدي على التحذير.

وبين مخاوف النزوح واحتمالات البقاء في المنازل، صارت أصوات القصف تسمع بوضوح بالقرب من بيت أمل مسعود (79 عامًا)، وهي مدرّسة متقاعدة تقطن مع زوجها في منزل بحلب الجديدة.

وتتحدث أمل ساخرة “لم تعد أصوات القصف مزعجة، بالكاد أستطيع وزوجي سماع صوت التلفاز أو جرس الباب”، وتضيف، “لا مكان آخر يمكنني المكوث فيه سوى منزلي، جميع أبنائي صاروا في الشتات، لا مكان للخوف من السرقات.. اللي راح راح”.

في حين تبحث رؤى ع. (21 عامًا)، التي تحفظت على ذكر اسمها الكامل، عن سكن بديل أقل سعرًا في مركز المدينة، تقول “القصف لا وقت له، تشعر للحظة أن جدران المنزل ستهبط”.

تتابع مشيرة إلى صورتها وزوجها في حفل زفافهما الذي لم يمضِ عليه شهران، “لم أهنأ في منزلي.. كل أثاثي جديد، أسمع من هنا وهناك عن سرقات منازل في المناطق القريبة من غربي حلب، لا أريد أن أعيش تجربة كهذه”.

حشود من الجانبين

عسكريون وضباط من “الفرقة الرابعة” و”الحرس الجمهوري” عمل النظام على استقدامهم إلى حلب، ليتوزعوا على ثلاثة خطوط قتال، الأول من نصيب “الفرقة الرابعة”، يليها “الحرس الجمهوري”، وأخيرًا “لواء الباقر” المتمركز في مشروع “1070 شقة” غربي المدينة، بحسب ما أفاد به مصدر عسكري في المدرسة الجوية بالراموسة لعنب بلدي.

وتتداول وسائل إعلام أنباء عن توافد حشود وتعزيزات عسكرية من “الحرس الثوري” الإيراني و”لواء القدس” الفلسطيني وميليشيات أخرى إلى جبهات ريف حلب الغربي، بحسب ما ذكرته وكالة “الأناضول” التركية، في 17 من كانون الثاني الحالي، نقلًا عن مصادر محلية.

وتحدث مقال نشره موقع “الأرشيف الإخباري” الإيراني، في 21 من كانون الثاني الحالي، عن دور قوات جنّدها “فيلق القدس” الإيراني كـ”فاطميون” و”زينبيون”، بالقتال في عدة دول من بينها سوريا والعراق واليمن، مرفقًا صورًا لقاسم سليماني يتجول برفقة مقاتلين أفغان قيل إنها في بريف حلب في سوريا.

وفي الضفة المقابلة، عزز “الجيش الوطني” السوري كامل جبهاته العسكرية في ريف حلب، بعد حشود عسكرية لقوات النظام في المنطقة، بحسب المتحدث باسم “الجيش”، يوسف حمود.

وقال حمود لعنب بلدي، في وقت سابق، إن “الجيش الوطني” رصد وصول تعزيزات من قبل قوات النظام إلى ريف حلب الجنوبي ترافقها آليات ثقيلة.

وأضاف حمود أن قوات النظام سحبت عناصرها من عدة محاور لإرسالهم إلى ريف حلب، وخاصة من جبهة الساحل والمنطقة الشرقية.

ولا تأكيد مصور حتى الآن يظهر الحشود العسكرية التي يجري الحديث عنها، سوى ما نشرته وكالة “إباء” التابعة لـ”هيئة تحرير الشام”، في 16 من كانون الأول 2019، بفيديو يظهر فيه مقاتلون يحفرون خندقًا، يطلقون على أنفسهم اسم “سرية حلب المدينة”، ويتحدث قيادي منهم عن استعداد فصيله للقتال على جبهات ريف حلب الغربي.

ورغم عدم انطلاق المعركة رسميًا حتى اللحظة فإن الهجمات التي يشنها النظام السوري على أطراف حلب الغربية، بدأت تنعكس في أرقام المنظمات الإغاثية والحقوقية التي توثق الانتهاكات في المنطقة.

خان السبل وكفرلاها وكفر تعال والأتارب ودارة عزة وعنجارة وأورم الكبرى والأبزيمو وغيرها من بلدان ريف حلب الغربي صارت في مرمى النار، بعد أن كانت في الماضي القريب قِبلة النازحين، الذين لم يعد لهم حليف أو ضامن سوى الطقس الغائم، بحسب ما قاله منسق “أطباء بلا حدود”، كريستيان رندرز، لصحيفة “NEWSWEEK“، في 21 من كانون الثاني الحالي.

وأحصى فريق “منسقو استجابة سوريا“، حتى 23 من كانون الثاني الحالي، 68 ألف نازح قادمين من ريف حلب الغربي فروا إلى معبر الغزاوية، أحد المعابر الفاصلة بين إدلب وشمالي حلب، باحثين عن نجاة من تصعيد عسكري روسي- سوري لم تسلم منه خيم النازحين من الأهالي، بحسب ما وثقه “الدفاع المدني السوري” عبر تسجيلات مصورة نشرها، في 23 من كانون الثاني الحالي.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة