tag icon ع ع ع

نبيل محمد

ما إن علّقت حكومة النظام السوري أعمال شركة “غولدن لاين” للإنتاج الفني، بسبب تداولها للدولار، حتى تهافت الفنانون مدافعين عن الشركة، قائلين إن شركات الإنتاج الفني وبتداولها للدولار إنما تسهم في خفض أسعاره، فهي أحد الأطراف التي تجذب العملة الصعبة إلى الداخل، الموقف الذي يبدو أنه لا يعبّر فقط عن وجهة نظر أولئك الفنانين بقدر ما هو إحساس بأن ما يستهدف شركات الإنتاج اليوم سيستهدفهم غدًا بشكل من الأشكال.

أما عن كون الشركة وغيرها مضرّة أو مفيدة بالاقتصاد الوطني عن طريق تداولها للدولار، فهو أصلًا ما لم يؤخذ بعين الاعتبار، فالتوجيهات بتطبيق مرسوم الأسد الخاص بمعاقبة المتعاملين بالدولار خلال الأيام الأولى لإصدار المرسوم، كانت هوجاء كالمرسوم نفسه، بمعنى أن سؤال: هل بالفعل سيلعب تطبيق هذا المرسوم دورًا في حماية الاقتصاد الوطني؟ غير وارد الطرح أصلًا هنا.. عن أي اقتصاد وطني يتم الحديث بالضبط؟

المضحك في الأمر أن شركة الإنتاج الفني وفي تعقيبها على القرار الصادر بحقها أشارت إلى أن “المؤسسة العامة للإتتاج الإذاعي والتلفزيوني” التابعة للقطاع العام، باعت الشركة المعاقَبة أعمالًا بالدولار، بمعنى أن تداول الدولار بدا وفقًا لذلك مسموحًا لدى شركات القطاع العام لا الخاص.

أما عن الدولار الذي تداولته الشركة بعد إصدار المرسوم، وفق قولها، فهو طبيعي على اعتبار أنها لا يمكن أن تفي مستحقات الفنانين العرب من خارج سوريا إلا بالدولار، وهو ما يبدو منطقيًا في هذه الدراما الكوميدية الواقعية.

وبشكل غير مستغرب كان رد فعل الفنانين جريئًا إلى حد ما على غير العادة، بعد أن اقترب البلُّ من ذقونهم، بحصار شركات الإنتاج ومنع تداول الدولار، وهم المتعاقدون دائمًا مع شركات عربية، ومع أعمال درامية تنتج بالشراكة مع الخارج، بمعنى أن الدولار عملة متحركة في أيديهم، فهل من الممكن أن يتم منعهم كغيرهم من هذه الميزة؟ وهل ضاقت بالفعل عيون مسؤولي النظام لتصل إلى هنا؟ إلى جيوب الشركات والأفراد الذين طالما وقفوا في صف النظام قاتلًا أو مقتولًا، وشكلوا واجهة ناعمة في الشاشات العربية تدافع عنه، وسفراء له في كل البلاد التي يسافرون إليها ويصوّرون فيها أعمالًا درامية.

لا يجرؤ ربما أحد من المعترضين على إيقاف أعمال “غولدن لاين”، على أن يجاهر بالقول إن المرسوم الصادر عن الأسد مضحك، وإن تحول الدولار إلى فأر تتعقبه قطط المخابرات والشرطة ومؤسسات القطاع العام، هو دراما بحد ذاته، وإن “بدنا نعيش”، تلك الحملة التي بدأت في السويداء مطالبة بأبسط حقوق المواطن، ستصل بهذا المرسوم إلى طبقات لم تكن تتوقع يومًا أن تطالب بأن تعيش، كان مطلب الحياة بالنسبة إليها تحصيل حاصل، طبقات كان تتغاضى عن سلب مكونات كاملة من المجتمع حقها في الحياة، لتظهر على الشاشات مشوهةً الحقائق، وساخرةً من الضحايا، ومهللةً للمجرم وداعميه.

قدر لم يكن يتوقعه مئات الفنانين والمخرجين وأسر الدراما السورية التي استمرت بالإنتاج خلال سنوات الحرب، والتي كان معظم إنتاجها مسخرًا للدعاية الموجهة الداعمة للنظام السوري. أبعد كل هذا تصل يد النظام إلى خزائنهم وجيوب معاطفهم؟ ولربما سيأتمرون غدًا بأمر نقيبهم المناوب ليلًا نهارًا في ثكنته، ملاحقًا هذا على تصريح، وذاك على مخالفة، وآخر على عدم دفع رسوم.

سيكون من اختصاص زهير رمضان في الأيام المقبلة معرفة مَن مِن الفنانين يتقاضى أجره بالدولار، ومن استبقى على عملة محرّمة في خزانة بيته، ولم ينزل بها إلى شباك الصرف في المصرف المركزي ليبيعها بالسعر الذي تحدده الدولة، السعر الذي على الفنان شاء أم أبى أن يقرّ بأنه السعر الحقيقي الذي لا جدال فيه، ألم يقر سابقًا بأن سوريا بخير وبأن الدولة أقوى مما كانت عليه! وأن طريق القدس تمر حينًا من القصير وحينًا من سراقب. كما أقر بذاك سيقر بسعر الصرف ولو من جيبه.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة