tag icon ع ع ع

جريدة عنب بلدي – العدد 34 – الاحد – 14-10-2012

يقول أندرو راثميل: «إن كل من يدرس الشرق الأوسط سرعان ما يتأكد للتو أن تفسير الأمور بناءً على نظرية التآمر يحتل مركز الصدارة في البلدان العربية. فاللاعبون السياسيون والمراقبون، فضلًا عن الرأي العام، يميلون كلُهم إلى الاعتقاد بأن التطورات السياسية الضخمة ليست إلا من هندسة قوى خارجية، مما يجعل الخصوم السياسيين برمتهم يكيلون التهم لبعضهم البعض بأنهم عملاء لسلطة أجنبية ما».

هذه النظرة الأولية للمؤامرة الخارجية تتوافق مع ما يحصل في سوريا اليوم، فالأحداث المتسارعة المجريات التي تحصل كل يوم تشير إلى نقطة هامة ينبغي أن تبقى حاضرة في أذهاننا وهي: «طبيعة تفكير العقل السوري هي طبيعة تفكير تآمري».

فعندما يحدث أمرٌ ما، نميل باللاوعي في داخلنا إلى اعتبار أن ذلك من صنع قوى خارجية. ونذهب بعيدًا في صوغ الأسباب التي دفعت القوى الخارجية إلى فعل ذلك الحدث والنتائج المترتبة عليه وهكذا… نهندس الأحداث بطريقة إبداعية «تآمرية»، وكأننا نعيش كطرف مستقل في هذا العالم والجميع ينوي التآمر علينا والنيل منا… ولكننا في نفس الوقت لا ننكر وجود قوى خارجية قد تكون السبب في صنع بعض الأحداث ولكنها ليست السبب كله.

ولا يُلام السوريون على هذه النظرة، فلهم الحق في ذلك!! فالسنوات الطويلة التي عاشها السوريون بين براثن الاحتلال الخارجي جعلت أزمة الثقة تحول دون وجود تصور عام للإنسان والوطن والكثير من الأمور الأخرى، حيث أصبح اللجوء للخارج والاستعانة به تحت مسميات عدة أسلوبًا عامًا في سوريا وهذا ما أثبتته وقائع القرن الماضي ومجريات أحداث اليوم.

أما الأسباب التي دفعت كل وطني سوري باللجوء للخارج والاستعانة به فهي كثيرة ولكن أهمها هو:

– القوة في الاتجاه لدى أصحابه وضعفه في المجتمع والإحساس بأنه لن يكون مقبولًا أو موجودًا بالوضع الحالي، يدفع أصحابه باللجوء إلى قوة خارجية لتلقي الدعم والتأييد.

– تقبل القوة الداخلية للمشروع الخارجي سواءً كان أيديولوجيًا أم سياسيًا، فتندفع القوة الداخلية نحو المشروع الخارجي بدافع تقديم جديد للمجتمع لعدم وجود مشروع ذاتي لذلك البلد.

أما النتيجة على الساحة السورية: أننا -كسوريين وبأيد وطنية- جعلنا القوى الخارجية تتدخل في شؤوننا الداخلية (بمباركة وطنية قبلنا الاحتلال الخارجي وتحت مسمى المصلحة العليا)، وهذا ما أثبتته مجريات القرن العشرين ونحن نعيشه في اليوم الحالي .

ما يلزمنا اليوم هو إعادة النظر في عقليتنا التآمرية نحو الفعل السياسي بشكل عام، فالعمل السياسي يتقبل أطرافًا عدة لكي تصنع فعله الإرادي، والدول الكبرى ليست سوى طرف من عدة أطراف في معادلة العمل السياسي وعلينا تقبل هذا الأمر شئنا أم أبينا.

بل وعلينا أيضًا التعامل مع فعلنا السياسي كأناس ناضجين، يحددون أهدافهم ويضعون الخطط الكفيلة لتحقيق هذه الأهداف.

فالمؤامرة في عالم السياسة أمر كثير الحدوث وربما لا يكون سلبيًا، ولكن طريقتنا في التعامل مع المؤامرة هو الذي يحدد سلبياتها أو ايجابياتها علينا، فالحذر والذكاء مصباح العمل السياسي الناجح.

مقالات متعلقة