فشل الإعلام السوري يفاقم مأساة المهجرات والمهجرين

tag icon ع ع ع

منصور العمري

فشِل الإعلام السوري المعارض بمجمله والإعلام المتخصص في الشأن السوري، في تغطية الأزمة الإنسانية الكبرى في مناطق إدلب وريف حلب. لا أستثني هنا المنظمات الحقوقية التي من ضمن اختصاصها التغطية الصحفية الإنسانية، كما أنني لا أتحدث عن إعلام النظام السوري، فهو أداة بروباغندا وليس إعلامًا حقيقيًا.

خلال ثلاثة أشهر نزح نحو مليون شخص من مناطق إدلب وأريافها وريف حلب الغربي، أغلبهم من الأطفال والنساء هربًا من آلة الحرب الهمجية الروسية والسورية، التي استهدفتهم بالطيران والمدفعية والأسلحة العشوائية، ودمرت الأعيان المدنية التي تقدم للناس الخدمات بما فيها المراكز الطبية. هذه الأزمة مستمرة وتصاعدت في الشهرين الماضيين، أقسى أشهر فصل الشتاء، وهي الأولى من حيث حجمها وخطورتها منذ عام 2011. يكمن في ثنايا هذه الأخبار العامة تفاصيل مهولة ومعاناة إنسانية بلا حدود، يجب كشفها وإظهارها للعالم.

عدد النازحين المرعب بحد ذاته كفيل بإعلان حالة طوارئ إعلامية، في مؤسسات الإعلام الملتصقة بشؤون الناس العاديين.

لم ترقَ تغطيات وسائل الإعلام السورية إلى مستوى الحدث الكارثة، رغم التصريحات الكثيرة التي عبرت عن حجم وهول هذه المأساة من قبل منظمات دولية، والعناوين الصارخة للإعلام الدولي عن حجم الأزمة الإنسانية:

الأمم المتحدة: “موجات النزوح في شمال غربي سوريا هي الأسوأ منذ 2011”.

الأمم المتحدة: المهجرون “مصدومون ومجبرون على النوم في العراء وسط الصقيع، لأن المخيمات تضيق بهم، الأمهات يشعلن البلاستيك لتدفئة أولادهن، ويموت رضع وأطفال من شدة البرد”.

نيويورك تايمز: “كأنها نهاية العالم”.

بدلًا من إطلاق حملات إعلامية تتابع عن كثب هذه الكارثة الإنسانية، اقتصرت التغطية الصحفية على أخبار متفرقة وصور لا تظهر من هذه الكارثة سوى رأس هرم الجليد، بينما يقبع تحت السطح ما هو أعظم، تركزت التغطية الإعلامية في أغلبها على أخبار الحرب والمعارك والانتصارات والهزائم، والأخبار السياسية.

كيفية تعزيز التغطية

على الإعلام الملتصق بقضايا الناس وأزماتهم، أن يتخذ خطوات تظهر التزامه بأساسيات العمل الصحفي ومهامه الرئيسة تجاه القضايا الكبرى:

يجب تدريب بعض الصحفيين والصحفيات على تغطية أخبار النازحين واللاجئين، لأن هذه التغطية نوع صحفي متخصص. ليس من المعقول عدم وجود متخصصين في هذا النوع الصحفي في أرض ملايين النازحين واللاجئين، ولدى وسائل الإعلام التي تغطي أخبارهم، منذ نحو عقد من الزمن.

يجب تعزيز التغطية من خلال وجود شبه دائم لمراسلين مع قوافل المهجرين وفي أماكن استقرارهم وتنقلهم.

لا بد من تخصيص صفحة في المواقع الإلكترونية لوسائل الإعلام السورية للأزمة الإنسانية السورية الكبرى، تقدم تحديثات آنية لأخبار المهجرين، وتخصيص عداد حيّ لأعدادهم. قد لا تكون بعض الوسائل الإعلامية لديها المصادر أو المقدرة الكافية لتقديم هذه المعطيات، لكن يمكنها تخصيص عداد إلكتروني بليرة تركية أو يورو، ورفع الأعداد من مصادر الأمم المتحدة أو المنظمات السورية العاملة على الأرض، واستخدام الخرائط التفاعلية، أو اللجوء إلى التغطية التشاركية، كأن تتشارك عدة وسائل إعلام في التغطية وتبادل الأخبار والمعلومات.

يجب إجراء مقابلات تلفزيونية وإذاعية مع المهجرين بشكل شبه يومي، من أطفال ونساء ورجال، تمنحهم الصوت ليرووا قصصهم الإنسانية ومعاناتهم وغير ذلك.

يجب وضع صورة وعنوان رئيس عن الأزمة الحالية، أو ترويسة في المواقع الإلكترونية.

يمكن تخصيص صورة “البروفايل” للأزمة الإنسانية المستمرة، في صفحات “فيس بوك” و”تويتر” وغيرها، الخاصة بوسائل الإعلام.

أما بالنسبة للناشطين الإعلاميين المستقلين أو الذين يعملون مع وسائل إعلام، فهناك كثير ممن يغطون أخبار المعارك والحروب، وهو أمر ضروري بالطبع، ولكن يجب أيضًا أن يتوجه بعضهم إلى النشاط الإعلامي المتخصص بقضايا النازحين.

كثير من وسائل الإعلام الدولية والمحلية المحترفة، تتبع أسلوب التغطية الحية والتحديثات في مواقعها، للأزمات الإنسانية والأخبار المهمة المرتقبة.

لماذا يجب تكثيف التغطية للأزمات الإنسانية

يفترض أن تكون الإجابة عن هذا السؤال من البديهيات المعرفية لوسائل الإعلام، لأنها مهمتها الرئيسة، لكني سأقدم بعض النقاط المرتبطة بهذه الأزمة تحديدًا:

لأن تغطية المآسي الإنسانية تشعر الضحايا بأنهم ليسوا رقمًا، وأن هناك من يدرك ألمهم، وأن لمعاناتهم قيمة، بما قد يكون عاملًا نفسيًا مهمًا في تعزيز صمودهم أمام الظروف اللاإنسانية التي يعيشها، كي لا تخرج علينا روسيا بتكذيب أزمة النازحين، كما صرح وزير دفاعها.

لماذا تغطي صحيفة أمريكية كـ”نيويورك تايمز” الأزمة الإنسانية السورية بتقريرين مطولين وعناوين صارخة، من قبيل: “كأنها نهاية العالم“، و”800 ألف سوري فروا خلال ثلاثة أشهر ، هذا ما تبدو عليه“، ولا يقدم الإعلام السوري تغطية من هذا النوع، ويضطر السوري إلى الاشتراك في الصحيفة كي يستطيع قراءة التقرير؟

من الناحية القانونية: تُحرج الأزمات الإنسانية المجتمع الدولي وتضطره على أقل تقدير للمتابعة وإصدار البيانات دون تأخر، بما يعزز مواقف ونقاشات الدول في مجلس الأمن وأروقة الأمم المتحدة، بينما أخبار الانتصارات والهزائم العسكرية لا تلعب دورًا هنا.

من الناحية السياسية، تُدفع الحكومات ووزارات خارجيتها لإصدار بيانات وتصريحات واتخاذ مواقف سياسية.

من الناحية الإعلامية: تدعم تقارير الإعلام المحلي وتغطياته الإعلام الدولي وتحفزه على التغطية.

لماذا تغطي الصحف الدولية هذه الأزمة بتفوق شديد على وسائل الإعلام السوري، رغم أنها تبعد آلاف الكيلومترات عن إدلب، ولدى الإعلام السوري مراسلون في كل حارة ومنطقة في إدلب؟

قد يقول البعض إن التغطية الصحفية غير مفيدة ولن تؤدي إلى تحرك لوقف هذه الكارثة، لكن هذا الموقف ليس هو المعيار في التغطية الصحفية. مهمة وسائل الإعلام بتعريفها هي التغطية الصحفية، “مو إنو تحرد وتروح عبيت أهلك، أو تحلف يمين الطلاق مع المهنة”.

بالطبع عدم التحرك الدولي أمر مؤلم وشائن ويسبب الكآبة والشعور باللاجدوى، وربما التقصير في العمل، لكن الحل ليس بعدم التغطية وترك غرفة النوم، والارتماء على “الصوفة” بالصالون. توجد عدة حلول لمواجهة الشعور باللاجدوى منها زيارة استشاريين نفسيين، أو تثقيف العاملين في الوسائل الإعلامية بطرق التعامل مع هذه الضغوط النفسية.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة