لا مساحة للتباعد ولا نظامًا صحيًا كافيًا.. كيف تتجهز إدلب لجائحة “كورونا”

camera iconأطفال يرتدون الكمامات أثناء نشاط للتوعية بمخاطر فيروس "كورونا" في مخيمات أطمة - 16 آذار 2020 (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – حباء شحادة/ يوسف غريبي

سمع عدنان الإمام، النازح المقيم في مدينة الدانا شمالي إدلب، بفيروس “كورونا” من أحد أصدقائه، ومع عدم اقتناعه بخطره على المنطقة امتنع عن التوجه للمسجد لصلاة الجمعة، وقال لـعنب بلدي، “لا داعي للخوف من الفيروس فقد مررنا بحالات أبشع منه، من قصف ونزوح وتهجير… لكن في حال انتشاره ستحدث كارثة إنسانية”.

عدنان هو واحد من مئات آلاف النازحين الذين اضطرتهم الحملة العسكرية لقوات النظام السوري وحليفته روسيا على ترك ديارهم والاتجاه شمالًا إلى المدن الحدودية المزدحمة.

أكثر من ثلاثة ملايين شخص في محافظة إدلب، لم تكد تصلهم أخبار توقف القصف والنيران بعد اتفاق وقف إطلاق النار بين روسيا وتركيا، الذي بدأ في 5 من آذار الحالي، حتى بدأت التحذيرات والحملات من خطر فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد– 19) تملأ الأجواء.

اكتُشفت حالات الإصابة الأولى بالفيروس نهاية كانون الأول من عام 2019 في الصين، وسرعان ما انتشر مسببًا الذعر والهلع العالمي، حتى في أكثر الدول تقدمًا بالمجالات الصحية والتكنولوجية.

الحال ليس كذلك في سوريا، التي بلغت عامها التاسع من الحرب الآن، ورغم عدم الإعلان عن أي إصابة بالفيروس (المنتشر في كل دول الجوار) بعد، فإن مسؤولي الصحة العالميين والأطباء المحليين حذروا من احتمال تفشيه فعلًا، دون أن يتم الكشف عنه، ولا التحضير الكافي لمواجهته.

لا مجال للتباعد

سببت الحملة العسكرية الأخيرة على شمال غربي سوريا، منذ كانون الأول 2019 ، أكبر موجة للنزوح خلال سنوات النزاع، وهددت بأكبر كوارثه الإنسانية.

ما يزيد على مليون شخص غادروا ريف إدلب الجنوبي وازدحموا شمالًا على الحدود السورية- التركية، في المخيمات الرسمية والعشوائية، وفي المدن والقرى والبلدات المكتظة أصلًا بالمهجرين والنازحين.

كان إيجاد المأوى هو أكبر التحديات التي واجهها النازحون في مناطقهم الجديدة، إذ اضطروا لمشاركة الخيام واللجوء لمبانٍ غير مكسية ولا سكنية، مثل المدارس والجوامع، في حين اضطر آخرون للمبيت بالعراء.

غياب السكن الصحي، على حد تعبير المنسق الطبي في جمعية “عطاء للإغاثة الإنسانية”، الطيب عارف أبو كرش، يزيد من مخاطر تفشي الفيروس “بشكل سريع وغير مسيطر عليه”، حسبما قال لـعنب بلدي، مشيرًا إلى معاناة المخيمات من نقص سبل الصرف الصحي، وكثرة الاختلاط بين الناس.

عاد 0.51% فقط من النازحين إلى مناطقهم بعد وقف إطلاق النار، وفق بيانات  فريق “منسقو استجابة سوريا“، وتوجد 49 حالة خرق له من قبل قوات النظام وروسيا، حتى 21 من آذار الحالي، ما يعني أنه لا يوجد الكثير من الضمانات لعودة البقية.

ووصف مدير فريق الطوارئ في منظمة “بنفسج”، مأمون خربوط، في حديث إلى عنب بلدي، المخيمات ومراكز الإيواء بـ”الحلقة الأضعف”، كونها تضم تجمعات كبيرة من النازحين المضطرين للاشتراك بالمرافق الخدمية، من الحمامات والمطابخ، مع ضعف مستوى الرعاية الصحية والنظافة.

يعيق الازدحام عن اتباع القواعد الصحية التي تنصح بها المنظمات الطبية لتفادي خطر انتشار الفيروس، من الابتعاد مسافة متر واحد على الأقل من المصابين، والحرص على غسل اليدين بالماء والصابون، وتعقيم المساكن والحاجيات المستخدمة.

ولكن المنظمات الإغاثية عملت على نشر التوعية بمخاطر الفيروس وسبل الوقاية على أي حال، معتبرة أن خط الدفاع الأول أمام انتشار الفيروس هو الوقاية الشخصية، نظرًا لما يعانيه النظام الصحي من نواقص واستهداف.

مراكز للصحة تفتقد للأمان

فقدت محافظة إدلب 76 منشأة صحية نتيجة القصف والاستهداف من قبل قوات النظام وروسيا، إضافة لفقد العديد من أفراد الكوادر الطبية نتيجة القتل والنزوح، حسبما قال رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب، الطبيب مصطفى السيد الدغيم، لعنب بلدي.

شكلت مديرية الصحة فريق عمل مع منظمة “الصحة العالمية”، ومنظمات شريكة أخرى، لتخصيص ثلاثة مشافٍ لاستقبال حالات فيروس “كورونا” خلال 15 يومًا، مع إنشاء 28 مركز عزل مجتمعي لاستقبال الحالات المشكوك فيها، إلا أن تلك المخصصات “لن تستوعب الأعداد المتوقعة في حال حصل التفشي”.

لا تملك المراكز الصحية سوى 200 سرير للعناية المركزة، حسب تقدير السيد الدغيم، في حين قدر الدكتور محمد شهم مكي احتياج المنطقة لأكثر من 50 ألف سرير للعناية في حال انتشار الفيروس.

حصل الدكتور شهم مكي، المختص بالطب المخبري، على تدريب خاص للتعامل مع الفيروس في تركيا، وجهزت مديرية الصحة مخبرًا مختصًا بالوبائيات للكشف عن الفيروس، إلا أن عدة الفحص لم تتوفر بعد في المنطقة، وبالتالي لا يمكن التأكد من وجود حالات الإصابة من عدمها.

وفّرت منظمة “الصحة العالمية” تلك الفحوصات لمناطق النظام السوري خلال شباط الماضي، إلا أن مناطق المعارضة التي لا تعتبر دولة معترفًا بها، تحتاج إلى وقت أطول للحصول عليها.

باعتقاد السيد الدغيم فإن مناطق النظام تضم حالات من الإصابة بالفيروس، بسبب حدودها المفتوحة أمام الدول المجاورة التي تفشى فيها المرض، مع غياب “الشفافية” عند سلطات النظام للإعلان عن الحالات الموجودة لديه.

واعتبر رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب إغلاق المعابر الحدودية من أساليب الوقاية التي يجب اتباعها، وقال إنه قد تأكد من إغلاق حركة المرور أمام المسافرين من معبر “أبو الزندين” المتصل مع النظام، ومن معبري “باب السلامة” و”باب الهوى” مع تركيا، باستثناء دخول الشاحنات، التي يتم فحص حمولتها وفحص سائقيها عند مرورهم.

درهم وقاية خير من قنطار علاج

بدأت مديرية الصحة بحملات توعية تجري بالاشتراك مع عدد من المنظمات، يتم خلالها طباعة “البروشورات” التوعوية، والتثقيف عن طريق عمال الصحة المجتمعية بطرق الوقاية والعزل في المخيمات وأماكن التجمعات والأسواق.

ووجهت منظمة “عطاء للإغاثة الإنسانية” عياداتها المتنقلة وكوادرها الطبية لمناطق المخيمات لتوزيع الكمامات ومواد التعقيم، في حين عملت “بنفسج” على تدريب 40 مسعفًا على التعامل مع الحالات المشتبه بها، والسيناريوهات العملية للاستجابة لتلك الحالات.

وعقمت الفرق الصحية مراكز للإيواء ومدارس وجوامع وأماكن التجمعات، حسبما قال مدير فريق الطوارئ في منظمة “بنفسج” مأمون خربوط لعنب بلدي.

إلا أن مواطنين، من بينهم إبراهيم درويش في مخيم دير حسان، لا يؤمنون بجدوى هذه الحملات، لأن أغلب الناس في المخيمات “بسطاء”، بحسب وصفه، ولا قدرة لهم على اتباع الاحتياطات المطلوبة من غسل اليدين وشراء الكمامات، واصفًا في حديثه لـعنب بلدي استعدادات أهالي المنطقة بـ”الاتكال على التيسير”.

بدوره أكد رئيس دائرة الرقابة الدوائية في مديرية صحة إدلب، مصطفى السيد الدغيم، أن العزل الاجتماعي ودوام التعقيم هو أساس مكافحة الفيروس، والحائل الوحيد أمام تزايد أعداد الوفيات.

وقال السيد الدغيم، إن على أهالي المنطقة الامتناع عن الخروج للأسواق والمدارس والجامعات والمساجد دون ضرورة قصوى، وعلى من يخرج اتخاذ طرق الوقاية المناسبة، وغسل اليدين بالماء والصابون والمعقمات ذات نسبة كحول 70 أو 80%، والابتعاد عن مخالطة الأشخاص المتوقعة إصابتهم.

التزام البيوت وعدم النزول إلى الشارع هو السبيل لاستيعاب الفيروس، حسب رأي السيد الدغيم، مشيرًا إلى ما عانته الدول المتقدمة في أوروبا من مصاعب استيعاب الحالات المصابة، وداعيًا سكان المنطقة للتعاون معًا لمواجهة “كورونا” بفعالية.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة