اللاجئون والماكينة الألمانية و”حزب الله”

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

استقبل اللاجئون السوريون بارتياح قرار السلطات الألمانية اعتبار “حزب الله” منظمة إرهابية، في 30 من نيسان الماضي، وتدفقت وسائل التواصل الاجتماعي بتأكيدات للخبر المفاجئ، مع تناقل صور مداهمات البوليس الألماني لمقرات الحزب والجهات الداعمة له، فـ”حزب الله” يُعتبر بنظر هؤلاء اللاجئين أحد أهم شركاء نظام الأسد المتسببين بتهجيرهم.

تأتي الخطوة الألمانية مفاجئة في ظل انشغال المجتمعات الأوروبية والعالمية بوباء “كورونا”، لكن السلطات الألمانية بيّنت أن هذا الانشغال لن يثنيها عن مقاومة الإرهاب الذي تنشره منظمة “حزب الله” اللبنانية، التي تسهم بنشر العنف والتحريض على القتل وممارسة الأعمال غير المشروعة من تهريب للمخدرات، وتميل للإرهاب والتخطيط لعمليات إجرامية، تقول السلطات إنها ترصدها منذ زمن طويل، فالماكينة الألمانية تعمل بانسجام وبفعالية كبيرة.

السوريون هم أبرز من ذاق إرهاب “حزب الله”، اعتبارًا من غزو القصير مرورًا بحواجز تفتيشه في ريف دمشق، التي كانت تبحث حتى عن ربطات الخبز وعن حبات الدواء، وتمارس أشرس حصار قاتل ضد مدن وقرى سورية ترفض حكم عائلة الأسد، ولعل اشتراك قوات “حزب الله” الأخير باحتلال مدينة سلقين في الشمال السوري ما هو إلا حلقة من حلقات إرهاب هذا الحزب، وداعميه الذين يتسببون بالمزيد من القتل والتهجير للسوريين للضغط على تركيا وعلى أوروبا، لشرعنة وجود عائلة الأسد وتمويلها بحجة الإعمار مقابل وقف التهجير القسري لمئات الألوف من المدنيين السوريين.

وبالإضافة إلى مضايقة اللاجئين السوريين في لبنان من قبل إعلام “حزب الله”، وتحويل مطار بيروت الذي يخضع لهيمنة الحزب إلى مفرزة أمنية لنظام الأسد ولإيران، لا يزال الحزب حتى اليوم يحشد الآلاف من مقاتليه في مواقع سورية متعددة من أجل تنفيذ الحلم الإيراني في الهيمنة على السوريين وتطويعهم، وجعل بلادهم ميدان منازلات ضد الأمريكيين والإسرائيليين، لتبقى إيران خالية من الحروب ومن التهديدات الخارجية.

يزيد عدد اللاجئين السوريين في أوروبا على ثلاثة أرباع المليون، يضافون إلى أكثر من خمسة ملايين في تركيا ولبنان والأردن وشتى المهاجر الأخرى، وصار للاجئين السوريين ثقل متزايد في الدول التي وصلوا إليها، فقد دفعت الجالية السورية في ألمانيا السلطات القضائية إلى إجراء أول محاكمة لضابط مخابرات سوري هو أنور رسلان مع معاونه إياد الغريب، اللذين أشرفا على جرائم التعذيب والقتل بقرارات من قادة نظام الأسد، الذي يسيطر عليه الإيرانيون والروس، واعتبرت صحيفة “نيويورك تايمز” أن هذه المحاكمة تشبه في رمزيتها محاكمات “نورنبرغ” الألمانية، التي نظمها المجتمع الدولي لمحاكمة مجرمي النازية في نهاية الحرب العالمية الثانية.

لقد عانى اللاجئون السوريون من صلف أنصار “حزب الله” في أوروبا، الذين كانوا يروّجون لدى السلطات الرسمية أن السوريين مجرد إرهابيين من “داعش” و”النصرة”، متجاهلين جرائم النظام والحزب وإيران وروسيا، التي دفعتهم لترك بيوتهم وبلادهم، وكان أنصار هذا الحزب يعملون في التجارة وفي مهن كثيرة، ويتقنون اللغة ويعرفون القوانين، على عكس اللاجئين السوريين الجدد الذين كانوا لا يزالون مضطربين مما أصابهم.

كان بعض أنصار “حزب الله” يتفاخرون بأنهم ذهبوا للقتال في سوريا برحلات “سياحة جهادية” لمناصرة نظام الأسد وإيران، متناسين أن الأسد الأب كان قد تسبب بتهجير عائلاتهم إبان احتلال قوات الردع السورية للبنان، وممارستها جرائم التدمير والتلاعب بالطوائف اللبنانية، لترسيخ النهب الذي كانت تمارسه تلك القوات.

بريطانيا سبقت ألمانيا باتخاذ مثل هذا القرار منذ أيلول 2019، أما فرنسا فلا تزال متأخرة عن الالتحاق بمحاربة “حزب الله”، ولكنها لن تستطيع البقاء خارج الإجماع الأوروبي والدولي الذي يتزايد كل يوم من أجل محاربة إرهاب الحزب.

ويأتي القرار الألماني وسط حملات إعلامية روسية ضد نظام الأسد، وضغوط عليه للتخلص من الهيمنة الإيرانية في سوريا، التي لم تجلب للسوريين وللمنطقة إلا الدمار والإرهاب، كما قالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الأمريكية ردًا على تصريحات وزير خارجية إيران، جواد ظريف، في أثناء زيارته الأخيرة لدمشق، في 20 من نيسان الماضي، وتأتي كذلك بعد عدة أشهر من قتل قاسم سليماني، مهندس التدخل الخارجي الإيراني وأحد أهم داعمي “حزب الله” ونظام الأسد.

ونفذت إسرائيل خلال السنتين الماضيتين عشرات الغارات الجوية ضد مواقع “حزب الله” ومواقع القوات الإيرانية في سوريا، وأعلن وزير الأمن الإسرائيلي أن نهاية العام الحالي ستشهد تصفية النفوذ الإيراني في سوريا، الذي يشكل “حزب الله” أحد أهم رموزه، وقد كان السوريون يتمنون أن يكونوا هم من يحارب الميليشيات الإيرانية ويطردها بدلًا من الاسرائيليين، ولا يزال السوريون يستقبلون الغارات ضد “حزب الله” في سوريا وضد الميليشيات الإيرانية بارتياح كبير، حتى لدى كثير من مؤيدي بشار الأسد الذين وجدوا أنفسهم متورطين في جرائم دفعهم النظام وإيران لارتكابها ضد أبناء بلدهم.

دم السوريين الذين ساعد في قتلهم الحزب، وعواطف السوريين الذين أسهم بتهجيرهم، ستدفع الجاليات السورية في كل مكان لدعم محاربة “حزب الله” والمطالبة بتجريمه، وما القرار الألماني إلا واحد من قرارات كثيرة ستحدّ من غطرسة هذا الحزب الذي أذاق السوريين مرارة الموت والتهجير، وسيظل السوريون يلاحقونه حتى يمثل قادته أمام محاكمات دولية تحاسب كل من مارس الإرهاب ضد السوريين وضد كل من تسبب بمأساتهم!




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة