تحت رحمة المجتمع والتهديدات الأمنية..

ضغوط متزايدة ترافق عمل الصحفيات في إدلب

camera iconتعبيرية- ناشطة صحفية في إدلب (عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – شادية تعتاع

بسبب تقرير صحفي يوثق انتهاكات تعرض لها طفل في إدلب اعتقلته “هيئة تحرير الشام” في شباط الماضي، تتواصل الضغوطات على سمر (اسم مستعار)، التي أعدت التقرير ونشرته قناة فضائية، تعرضت إدارتها لضغوط أخرى بسببه.

تعيش سمر في مدينة إدلب، وتعمل كمراسلة لإحدى القنوات الفضائية، لكنها رغم ذلك تحفظت على نشر اسمها الحقيقي في لقائها مع عنب بلدي، خوفًا من ضغوط إضافية تجعلها في خطر حقيقي.

تقول سمر، إن “هيئة تحرير الشام” تواصلت مع قناتها، وطلبت حذف التقرير، معتبرة أن المعلومات التي ذُكرت فيه مزيفة، و”بدأت بالتحريض على الرغم من أنني قدمت أكثر من عشرة شهود قالوا إن الطفل (البالغ عشر سنوات) كان معهم في المعتقل”، وبالمقابل قدمت الصحفية الوثائق التي تثبت مصداقية تقريرها لوسيلة الإعلام، بحسب تعبيرها.

سمر وغيرها من الصحفيات في إدلب، يعملن ضمن هامش ضئيل من الحرية والأمان، فاحتمال وقوع الخطر عليهن في كل يوم أمر وارد بسبب الوضع الأمني، كما يتقبلهن المجتمع على مضض دون دعم واسع أو بيئة مريحة، وفي حال نشرن تغطيات لا تعجب فصيلًا ما في المنطقة، حينها يتحول احتمال وقوع الخطر إلى تهديد مباشر، لا يحتاج إلى ترجيح أو استدلال.

“لأننا نساء”

تعاني الصحفيات في إدلب وريفها من صعوبة التنقل كونهن “نساء”، فالمنطقة غير مستقرة من الناحية الأمنية، هذا ما قالته نور (اسم مستعار)، وهي صحفية أخرى التقت بها عنب بلدي في إدلب، مضيفة، “المواصلات محدودة والمسافات بعيدة، ونظرة المجتمع إلى حد كبير تتجه إلى إطلاق أحكام باطلة، وتنميط دورنا بالمجتمع كنساء صحفيات”.

هناك من يحترم عمل النساء الصحفيات في المدينة، بحسب نور (تحفظت أيضًا على نشر اسمها لأسباب أمنية واجتماعية)، لكن الكفة تميل للجهة الثانية من المجتمع باعتقادها، تلك الجهة التي تفرض عليهن أحكامها القاسية وتطلق عليهن “الشتائم والتنمر”.

وهو ما جاء في بحث نشرته “شبكة الصحفيات السوريات” تحت عنوان “النساء في وسائل الإعلام السورية الناشئة“، إذ تتعرض الصحفيات السوريات إلى التمييز أو الإقصاء أو التقييد خلال عملهن بناء على نوعهن الاجتماعي، كونهن نساء بالدرجة الأولى، وكونهن صحفيات بالدرجة الثانية.

على المستوى الأمني، تعرضت نور، وفق ما قالته لعنب بلدي، إلى حادث إطلاق نار في 2018، واستهدفت الطلقات السيارة التي كانت تنقلها لتغطية معرض أشغال يدوية على مدخل مدينة إدلب من قبل عناصر مسلحين، بسبب عدم توقف سائق السيارة على الحاجز الأمني التابع لأحد الفصائل المسلحة.

ومن أنواع المخاطر الأخرى التي يمكن أن تتعرض لها الصحفيات في إدلب، بحسب نور، المفخخات في السيارات، أو الاعتقال وتداعياته من اعتداءات جنسية أو نظرة المجتمع لهن بعد الخروج من مراكز الاحتجاز.

وبالإضافة إلى مخاطر المهنة الرئيسة، كالعمل خلال القصف “الذي يكون أشبه بالانتحار” والمخاطر الأمنية، هناك الملاحقة المستمرة من قبل عناصر الفصائل المسلحة المختلفة في المنطقة.

البلد الأكثر فتكًا بالصحفيين

لا تقتصر الانتهاكات ضد الصحفيين في سوريا على الصحفيات، بل هي ظاهرة عامة في بلد يحتل للعام الثاني على التوالي المركز الـ174 من أصل 180 بلدًا، حسب التصنيف العالمي لحرية الصحافة لعام 2020.

ووثقت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، مقتل 707 صحفيين منذ آذار 2011،  إضافة إلى إصابة ما لايقل عن 1563 صحفيًا بجروح متفاوتة.

وقالت “الشبكة”، في تقرير لها بمناسبة “اليوم العالمي لحرية الصحافة”، إن سوريا ما زالت من الدول الأكثر فتكًا بالصحفيين، حيث تصدرت دول العالم  من حيث حصيلة القتلى الصحفيين في عام 2019.

ولفت التقرير إلى مقتل 707 صحفيين في سوريا منذ آذار 2011، بينهم ست صحفيات، كما شهدت سوريا ما لا يقل عن 1169 حالة اعتقال وخطف بحق صحفيين منذ آذار 2011، لا يزال نحو 422 منهم قيد الاعتقال والاختفاء القسري، بينهم ثلاث سيدات.

وأكد التقرير أن النظام السوري يحتجز ما لا يقل عن 353 صحفيًا، بينهم امرأتان وأربعة صحفيين أجانب.

بينما تشير “رابطة الصحفيين السوريين” في تقريرها السنوي لعام 2019، إلى أن “هيئة تحرير الشام” صاحبة المسؤولية الأكبر عن الانتهاكات بحق الصحفيين في سوريا.

خلط في المفاهيم

إلى جانب المخاوف الأمنية، تقلق صورة النساء الصحفيات السوريات المجتمع المحافظ في سوريا، فهي “صورة غريبة إلى حد ما، كونها مهنة تتطلب شخصية حرة وواعية وقوية”، وفق المتخصصة في قطاع الحماية الإنسانية نجوى الضعيف، ونظرًا لطبيعة ثقافة المجتمع، فإن الصحفية تكون “تحت المجهر” في أغلب الأوقات.

وقالت نجوى الضعيف، في حديث لعنب بلدي، إن المجتمع يعاني من “خلط في المفاهيم” بين الوعي الثقافي الحر والسلوك غير المسؤول، وخلال سنوات الثورة السورية غاب هذا الخلط عند بعضهم ولكن لا تزال المعضلة موجودة، برأي المتخصصة، معللة ذلك بأن الأغلبية العظمى من المجتمع هي ضد عمل المرأة في حقل الصحافة.

وقبل بدء الثورة، اعتاد المجتمع أن يرى المرأة “بسِمة نمطية معينة، كون إدلب من المدن المنسية قبل الثورة”، وكانت مغيبة عن المشاركة في المجالين السياسي والإداري، وفق ما قالته الناشطة ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي فاطمة حميد، لعنب بلدي.

ومع بدء الثورة السورية شاركت المرأة بشكل حقيقي في التعبير عن المطالب السياسية للشعب السوري، من خلال المشاركة في المظاهرات والعمل الصحفي أو الإعلامي، وبعد فقدان كثير من النساء المعيل الأول للأسرة، بدأت النساء في إدلب بالخروج من القيود التي كن يعشن داخلها إلى ميدان العمل.

ترى فاطمة أن من الطبيعي وجود التحديات أمام النساء العاملات في مجال الصحافة أو الإعلام، بعد أن كان “محتكرًا على الرجال” سابقًا، وهو ما تناضل الصحفيات ويقاومن لكسره من خلال مواصلة العمل سعيًا لتوسيع هوامش حريتهن.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة