زيارة بومبيو إلى إسرائيل.. عدة عصافير بحجر أمريكي واحد

tag icon ع ع ع

أسامة آغي

تصريح المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، مورغان أورتيغاس، المتعلق بزيارة مايك بومبيو، وزير الخارجية إلى إسرائيل، أوضح بعض ملامح هذه الزيارة وليس كلها، فقد قالت أورتيغاس في بيان، “إن بومبيو سيبحث الجهود الأمريكية والإسرائيلية لمكافحة جائحة (كوفيد- 19)، ومسائل الأمن الإقليمي المرتبطة بتأثير إيران”.

هذه الزيارة تلخص تكثيفًا للسياسة الأمريكية، تسبق انتخابات الرئاسة فيها، فترامب الذي يريد البقاء في البيت الأبيض لدورة ثانية، يعرف تمامًا أن موعد السباق إلى الرئاسة قد بدأ وفق حساباته، وأن إسرائيل التي تشكّل جزءًا من هذه الحسابات، ينبغي عليها التنسيق ومواءمة هذه الحسابات.

ولعلّ زيارة بومبيو إلى إسرائيل في الأسبوع الماضي، توضح ماذا تريد إدارة ترامب من حليفتها في هذه المرحلة، فقد كان الأمر واضحًا بنسبة ما، حيث قال بومبيو، “إن التعاون الإسرائيلي مع الصين يعرّض للخطر قدرة واشنطن على العمل مع تل أبيب في مشاريع مهمة”.

ولم يخفِ بومبيو أن محادثاته مع نتنياهو ستتمحور حول التصدي لجائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) والتصدي لإيران وفرض تحقيق خطة ترامب للسلام.

الحجر الدبلوماسي الأمريكي أراد إصابة عدة عصافير في زيارة بومبيو إلى إسرائيل، أولها إبلاغ إسرائيل رفض الإدارة الأمريكية أي تطوير في العلاقات بينها وبين الصين الشيوعية، وهذا ورد صراحة على لسان بومبيو، والثاني هو تنسيق العمليات العسكرية المقبلة بين الحليفين، في مرحلة طرد إيران، وقطع أذرعها في المنطقة، أما الثالث فيتعلق بتعاون علمي فعّال في مقاومة جائحة “كورونا”.

إدارة ترامب تريد لهذه الحزمة من التعاون بينها وبين إسرائيل، أن تكون أرضية لتحقيق انتصارات الساعة الأخيرة، التي تسبق انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وتكون قوة دفع لنجاح ترامب في دورة رئاسية ثانية.

والولايات المتحدة تعرف تأثير اللوبي اليهودي في مجريات السياسة الأمريكية، ولهذا فهي تلّوح لإسرائيل بمزيد من استعدادها للدفاع عن إسرائيل، بخصوص قضم أراضٍ في الضفة الغربية، تقوم عليها مستعمرات يهودية غير شرعية.

ولكن هل تستجيب حكومة نتنياهو/غانتس المختلطة لمطالب بومبيو وإدارته؟

إسرائيل يهمها أولًا، الحفاظ على علاقتها بحليفها الأكبر الولايات المتحدة، ولهذا، فهي لن تتمسك باستدراج الصين إلى مشاريع إسرائيلية، تسبب خسرانها لحليفها الأكبر.

وإسرائيل تدرك بوضوح، أن قدراتها الذاتية لن تستطيع طرد إيران من سوريا، ومن منطقة نفوذها في الشرق الأوسط، ولهذا ستضطر إلى الاستفادة من الجهد الأمريكي، الذي يقدر أن يحشد لحرب طرد إيران من سوريا، ومن مناطق النفوذ الأخرى، التي تتحكم بها طهران.

ويعرف حكام تل أبيب أن ليس بمقدورهم تنفيذ ما يسمى “صفقة القرن”، دون دور أمريكي ضاغط وفاعل في هذا الشأن، وهو ما يجعل إسرائيل توازن مكتسباتها القريبة والبعيدة مع ما يمكن أن تخسره إن تصرفت خارج سياق التوجهات الأمريكية.

وفق هذه الرؤية يمكن القول، إن الأمور التي طرحها بومبيو هي في الحقيقة رزمة واحدة، وإن بدت غير ذلك. فطرد إيران من منطقة نفوذها في البلدان العربية، وتحديدًا من سوريا، ومحاصرة تسلل الصينيين إلى خاصرة الحلف الأمريكي، إضافة إلى تحقيق خطة سلام ترامب (صفقة القرن)، تصبّ كلها في مربع واحد، هو مربع بقاء ترامب في البيت الأبيض، ومنع الصينيين من التمدد الناعم في مناطق نفوذ تعتبر أمريكية منذ ما بعد نهاية الحرب العالمية الثانية.

بقاء ترامب في البيت الأبيض يحتاج بالضرورة إلى سيناريو مقنع للناخب الأمريكي، وتحديدًا في ظل جائحة “كورونا”، التي أظهرت القدرات الأمريكية في جانبيها الأمني والصحي في حالة اختراق وضعف.

ولتبديد هذين الاختراقين، لا بد لإدارة ومناصري ترامب من جعل الناخب الأمريكي يحسّ بأن خطرًا كان يداهم مصالح بلادهم، هذا الخطر يتمثّل بدولة تهدّد حلفاء الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم إسرائيل، وهي إيران، التي تشكّل تهديدًا للسلام والأمن الدوليين وفق قول الأمريكيين.

إذًا نحن ذاهبون إلى مرحلة مزامنة بين تنفيذ أهداف أمريكية، من أولها وأهمها الانتصار على إيران عبر سيناريو قد يتاح عسكريًا أو من دون عمل عسكري، ويتمثل بخروج إيران وميليشياتها من سوريا أولًا، وإضعاف نفوذها في العراق ثانيًا، إضافة إلى تحصين الخاصرة الأمريكية في إسرائيل من تسلل الصينيين عبر إسهامهم بأكبر مشروع تحلية مياه البحر في العالم.

دون هذا الانتصار، لن يتمكن ترامب من تجديد ولايته، وهو يعمل على ذلك في أكثر من محور، وهذا سوف ينعكس على الساحة السورية بأمرين اثنين، هما: إضعاف النظام إلى حد لا يحتمل بقاءه في السلطة، عبر تنفيذ قانون “قيصر” الشهير، وإضعاف النظام عبر طرد حليفه الإيراني من سوريا.

الروس الموجودون على الأرض هم ليسوا بعيدين عن المنظور الأمريكي لحل الصراع السوري، وطرد إيران من المنطقة، فالروس، الذين يغمضون أعينهم عن ضربات إسرائيل والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الجوية لمواقع إيران في سوريا، يعرفون تمامًا أن استثمارهم العسكري في هذه البلاد لا يجد رفضًا أمريكيًا مطلقًا، ولكنهم يعرفون أن ليس بمقدورهم اللعب خارج العباءة الأمريكية، ولن يكون بمقدورهم تمرير إطاري “أستانة” و”سوتشي” كحل للصراع السوري، وهو ما يعني استعدادهم للتضحية بالنظام السوري الذي يعتقدون أنه استنفد كل أوراقه واحترق.

الأشهر المقبلة ستكون أشهر فعاليات عسكرية وسياسية أمريكية في الشرق الأوسط، وهو أمر يترتب عليه تغييرات في المشهد السياسي في المنطقة برمتها، فحين تخرج إيران من سوريا ومن العراق، وهذا متوقع، فهذا يعني تخلخل التوازنات السابقة، التي كانت تعمل إلى حين قريب لمصلحة المشروع الإيراني، ونشوء توازنات سياسية جديدة تأخذ أبعادًا أخرى، وحسابات مختلفة لدى الأمريكيين.

زيارة بومبيو ليست جس نبض لسياسات إسرائيل، بل لوضع مطالب أمريكية على طاولة الدولة اليهودية، تتمثل بضرورة تنسيق اللعب الإسرائيلي، وتنظيمه ضمن أولويات السياسة الأمريكية، وهي زيارة بدء العدّ العكسي الأمريكي لطرد إيران ومنع الصينيين من اللعب في ملعب جديد ليس اسمه “كورونا”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة