طقوس ترافق حصادها..

سيدات يحولن الوردة الشامية إلى “مربّى”

camera iconسوريات يحضرن كمية من الورود الشامية في بلدة المراح قرب دمشق من أجل استخراج مواد عطرية ودوائية (رويترز)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – خولة حفظي

“بيسألني الورد بتقطفني لمين، قلت يا ورد خذ مني هالعهد، ما بهديك إلا لأحلى وأجمل الحلوين”.. على أنغام هذه الأهزوجة الشعبية وغيرها من الأغاني التراثية، يبدأ زارعو الورد في سوريا في شهر أيار من كل عام رحلتهم إلى حقولهم منذ الصباح الباكر، حين تبدأ الوردة الشامية بالإزهار، معلنة بدء موسم حصادها.

بعد الظهر، يعود المزارعون إلى منازلهم حاملين في جعبتهم براعم الوردة الشامية ليتم فرزها لاحقًا، في جو جماعي تشاركي.

تبدأ مرحلة الفرز بفصل براعم الورد الجافة لإضافتها للشاي، بينما تُخزّن بتلات الورد الأخرى وتُعدّ للتقطير، في حين تستعد النساء لمساعدة بعضهن في صناعة مربى الورد وشراب الورد والحلويات، على وقع الأهازيج والأغاني الشعبية.

وأدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلم (يونسكو)، الوردة الشامية وما يتصل بها من ممارسات وطقوس، على قائمتها التمثيلية للتراث الثقافي غير المادي للبشرية، في أواخر عام 2019.

صناعة مربّى الورد

من الورد البلدي ذي اللون الزهري حصرًا، تصنع النساء في سوريا مربّى الورد، كما تشرح سحر العلي لعنب بلدي، وهي ربة منزل مقيمة في ريف إدلب الجنوبي.

والورد البلدي هو الاسم الشعبي للوردة الشامية، التي يتم تحويلها إلى مربّى في الصيف، وتموينها في “مرطبانات” وحفظها للاستهلاك في الشتاء.

وتنتشر صناعة مربّى الورد بشكل واسع في سوريا، وتتركز بشكل كبير في حلب ودمشق والمناطق الريفية، وتبدأ في شهر أيار من كل عام.

تشرح سحر العلي طريقة تحضير مربّى الورد قائلة، “نحتاج إلى كيلوغرام ورد بلدي وثلاثة كيلوغرامات سكر، وملعقة من ملح الليمون والقليل من القرمز (صبغة لونية) وخمسة لترات ماء”.

وتمضي بحديثها، “نحضّر الورد ونفرد أوراقه، ثم نأخذ البتلات منه فقط، ونضع عليها ملح الليمون والسكر ونهرسها بشكل جيد، وبعد ذلك تجب تصفية الماء منه (يمكن استخدام الماء لصناعة شراب الورد)”.

وتتابع، ” نضع بتلات الورد في وعاء على النار، ونضيف إليها الماء، ويجب الانتباه إلى أنه يحتاج لكثير من الغليان، مع الاستمرار بالتحريك، وفي المرحلة الأخيرة نرشّ القرمز ليغلي كثيرًا أيضًا، ثم نطفئ النار ونحضره للتعبئة بمرطبانات”.

زراعة الوردة الشامية

“الورد البلدي أو الورد الجوري وغيرهما، هي تسميات متعددة للوردة الدمشقية، وإن كان الورد البلدي هو الاسم المتعارف عليه في سوريا”، تقول المهندسة الزراعية علياء الباشا، لعنب بلدي.

وعن سبب التسمية، أوضحت أن الغربيين عرفوا الوردة في أثناء حملات عسكرية على بلاد الشام، ولذلك أطلقوا عليها الوردة الشامية، بينما تعتبر الوردة مهجنة وليست أصيلة، أي ليس لها موطن أصلي.

وتضيف أن زراعة الوردة الشامية في سوريا تتركز حاليًا في بلدة المراح بالقلمون الشرقي بريف دمشق الشمالي، ويبدأ موسم قطافها في شهر أيار.

وتعد الأراضي الرملية (الصفراء) بيئة مناسبة لزراعة الوردة الشامية، نظرًا لغنى هذا النوع من التربة بالمواد الغذائية، بشرط أن تكون جيدة الصرف وخالية من الأملاح، وتسمّد بالسماد البلدي ولا تحتاج إلى الأسمدة الكيميائية، وفقًا للمهندسة الزراعية.

وحول إمكانية زراعتها بحديقة الزينة، قالت المهندسة الزراعية إنه من الممكن زراعتها ضمن سياج نباتي لحمايتها جيدًا وتسهيل عملية حصادها، لأنها تُحصد بشكل يدوي ولا يمكن حصادها عن طريق الآلآت، لمنع أي ضرر أو أذية للوردة.

استخراج الزيت العطري

لا يقتصر استخدام الوردة الشامية على صناعة المربّى، بل يمكن كذلك استخراج الزيت العطري منها، الذي يستخدم في عدة مجالات، منها الطبية والجمالية.

وفي حديث لعنب بلدي، قالت المهندسة الزراعية علياء الباشا، “إن استخراج الزيت العطري يتم عبرعملية التقطير البخاري، حينها تُفصل المواد العطرية عن المادة الأصلية”.

وأضافت المهندسة الزراعية، أن استخراج عبوة من الزيت العطري يحتاج إلى كميات كبيرة من بتلات الورد، توضع في وعاء مخصص للتقطير، وتعرّض لحرارة عالية فيخرج بخار الماء حاملًا معه الزيت العطري الموجود، ليتكاثف على سطح جهاز التقطير.

ولاحقًا يتبخر الماء، ليتم استخلاص الزيت العطري من خلال أنبوب ملحق بجهاز التقطير، ويُجمع من خلال صمام، وفيما بعد يُجفف الزيت باستعمال مواد مخلصة مثل كبريتات الصوديوم اللامائية.

يُباع زيت الورد لأغراض مختلفة، وبحسب الوردة التي يستخرج منها يزيد سعره، ويقل الطلب عليه، كما يستخدمه بعضهم في الشمع أو المباخر للحصول على الروائح المنعشة.

وفيما تبدو هذه الاستعمالات شائعة إلى حدّ ما في سوريا، يبقى المربّى أشيَعها وأكثرها قربًا من عادات وطقوس محلية، تجعل رائحة تحضيره العطرة سمة لأيام الربيع.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة