تسمين العجول المقدّسة

tag icon ع ع ع

إبراهيم العلوش

تجلت عبقرية بشار الأسد الاقتصادية في الشراكة التي أقامها مع عائلة مخلوف، وكانت أولى بوادرها اغتصاب قطاع الاتصالات بشركة “سيريتل”، فتنمية ثروة العائلة كانت أهم عنده من تنمية الاقتصاد السوري ومن خلق فرص العمل للشباب.

ولكن الخلاف العلني مع رامي مخلوف، الذي نشهد حلقاته المتلاحقة هذه الأيام، فتح زوايا منسية من قبل السوريين، وأعاد طرح ثروة عائلة الأسد للمداولات في سنة الجوع هذه التي تكوي السوريين جميعًا ومن كل الأطراف.

أول تداول شبه علني بين السوريين لثروة عائلة الأسد كان في العام 1994 بعد وفاة باسل الأسد، حين قدّم وفد من عائلة الأسد عقد زواج مكتوبًا بعد وفاة باسل وبتاريخ قديم يثبت زورًا أنه متزوج من امرأة، ومن حقها أن ترث جزءًا من تركته المودعة في النمسا وفي غيرها، والتي كانت مهددة بالابتلاع كليًا من قبل المصارف الأوروبية.

وأما التداول العلني الأول فكان في النقاش الذي دار في جلسة من جلسات مجلس الشعب في التسعينيات حول موارد البترول في ميزانية الدولة، وتساءل بعض النواب عن غياب هذا البند، فتم الرد عليهم بجملة شهيرة لا يزال السوريون يرددونها وهي “البترول في أيدٍ أمينة!”، وفهمها السوريون بأنها بيد القصر وبيد حافظ الأسد نفسه، ولعلها كانت اغتصابًا  من قبل “الأب القائد”.

ولم نحسب ثروة رفعت الأسد التي اصطحبها معه إلى أوروبا عام 1987مع قافلة من نسائه ومن أولاده ومن ضباطه ومن منافقيه، الذين لا يزالون يتعيشون منها مع أولادهم وأحفادهم حتى الآن!

جرّبت سوريا في عهد حافظ الأسد طرقًا كثيرة للاستثمار، اعتبارًا من الربا الفاحش الذي كان يتم تغطيته ببيع السيارات الوهمية ورهن المزارع والبيوت، والذي تصل فوائده السنوية إلى 40%، ومرورًا بظاهرة جامعي الأموال التي انتشرت في المدن السورية، وكان من أهم أعلامها بسام خربوطلي في دمشق، وأمينو وكلاس والأوبري في حلب، وعاصم طه في الرقة، ولعل كل مدينة وكل بلدة تعرف اسمًا واحدًا على الأقل من أسماء جامعي الأموال الذين انتهوا إلى الافلاس أو إلى الهرب بالأموال إلى خارج سوريا وتم ترك ضحاياهم بلا سند وبلا قانون يعوضهم.

ولكن بشار الأسد القادم من أوروبا اختار عائلة مخلوف كملاذ آمن لاستثمار الأموال التي تركها حافظ الأسد، وتقدر بحوالي 30 مليار دولار، كما تقول بعض المصادر، وهذا الرقم قبل أن يبدأ الابن باستثماره لدى رامي مخلوف بإشرافه شخصيًا، وبمعونة اقتصاد الدولة، ورجال الدولة، وقوانين الدولة السورية.

فيديوهات رامي مخلوف الأخيرة فتحت الباب واسعًا للنقاش في ثروة عائلة الأسد، فالشعب السوري جائع، والإيرانيون في حالة حصار وإفلاس، ويطالبون بمبلغ 30 مليار دولار أنفقوها على تثبيت نظام الأسد، كما صرح النائب الإيراني حشمت الله فلاحت قبل عدة أيام. والروس بدورهم يطالبون بتعويضات عن حماية النظام بتدمير المدن السورية وبثمن استعمال “الفيتو” 12 مرة حتى الآن!

الجميع يصيحون الآن: نعم.. الدولة السورية مفلسة، ولكن عائلة الأسد تمتلك المليارات وتستثمرها في “سيريتل” وفي البنوك الخاصة والشركات القابضة، وتودع رأسمالها في الخارج، فلماذا لا تدفع فواتير استمرار عائلة الأسد في الحكم؟

رامي مخلوف مصرّ على الاحتفاظ بالأموال التي بحوزته مثله مثل بسام خربوطلي وأمينو وكلاس والأوبري وعاصم طه وغيرهم من جيل الإرث الأسدي في استثمار الأموال، ويحاول الدفع من خارج الثروة التي يمتلكها بتنمية تجارة المخدرات التي يشارك بها ماهر الأسد و”حزب الله” كما تقول صحيفة “دير شبيغل” الألمانية.

منذ بداية الثورة ظل النظام متعنتًا، وعامل السوريين بكبرياء واحتقار ظنًا منه أن ما بناه حافظ الأسد لا يمكن لأي قوة في العالم أن تهدمه، سواء بإنجازه المحكم لبنية الدولة الاستبدادية، أو ببناء الجيش الذي يحتقر المدنيين السوريين ويتربع مع مخابراته العسكرية والجوية فوق القانون، وأيضا بامتلاكه ثروة عائلية تقدر بالمليارات وتستطيع أن تخنق بها الشعب السوري، وأن تموّل بها، في الخارج، حملات الدعاية والتجميل لكل بشاعات النظام وجرائمه.

مدرسة الاستثمار الاقتصادي الأسدية تنهار اليوم، سواء بأيدي السوريين أو بأيدي من استعان بهم النظام لنجدته، فرامي مخلوف وأموال عائلة الأسد التي يستثمرها لن تنجو من الخراب الذي ألحقه النظام بسوريا وبشعبها، وهذا الاستثمار مثله مثل كل استثمارات حافظ الأسد الأخرى، في الجيش وفي المخابرات، وفي “الجبهة الوطنية التقدمية” وفي عبادة الفرد، لن تنقذ النظام اليوم.

ويتضح أخيرًا أن كل العجول المقدّسة التي تم فرض عبادتها على السوريين من عائلة الأسد ومخلوف وشاليش ومن قادة المخابرات والجيش والأحزاب ورجال الأعمال المزيفين، صارت اليوم مجرد رماد بعد أن أحرقتها ثورة الحرية والكرامة.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة