تعويم الليرة السورية وتخبط السياسة الاقتصادية

tag icon ع ع ع

ما هو التعويم؟

فوجئ الجميع بالأمس بصدور قرار تعويم الليرة السورية وتوالت الأسئلة المطروحة حول معنى تعويم العملة وأبعاده الاقتصادية والسياسية، فمن وجهة نظر اقتصادية، يعني مصطلح تعويم العملة اflotation بـ تخلي البنك المركزي عن تحديد سعر العملة وترك سعر صرفها، أي معادلتها مع عملات أخرى، يتحدد وفقًا لقوى العرض والطلب في السوق النقدية، أي ربط قيمة العملة بحجم الطلب عليها زيادة أو نقصان. وتختلف سياسات الحكومات حيال تعويم عملاتها تبعًا لمستوى تحرر اقتصادها الوطني، وكفاية أدائه، ومرونة جهازها الإنتاجي. ومن أهم أسباب التعويم اختلاف معدلات التضخم وأَثَرُ ذلك في أسعار الفائدة، ثم في تقلبات أسعار صرف العملات ناهيك عن تزايد العجز في ميزان المدفوعات نتيجة زيادة الإنفاق سواء للاستثمار الخارجي أم لتمويل نفقات حرب ما.

تعويم الليرة السورية، القرار الذي ينذر بالخطر

أما ما يحصل في سوريا، فهو نتيجة معدلات التضخم العالية التي حصلت منذ اندلاع الثورة السورية والعجز الكبير في ميزانية الدولة نتيجة تمويل نفقات الجيش والدبابات التي تحتل المدن وتقتل المدنيين الأبرياء من السوريين. وإصدار قرار تعويم الليرة السورية سيؤدي حتمًا إلى لجوء الأفراد إلى العملات الصعبة أو الذهب كبديل للعملة وبالتالي يتراجع سعر الليرة السورية أمام العملات الأجنبية الأخرى. وفي حال استمر هذا القرار لمدة ثلاثة أشهر متتالية، فهذا يعني انهيار العملة وستصبح قيمتها مساوية لقيمة أية جريدة نمسح بها زجاج نافذة المنزل.

هنا نعود بالذاكرة إلى الثمانينيات حين قام الأسد بتعويم الليرة وهبط سعرها هبوطًا حادًا وفقدت قيمتها حينها مما أدى إلى انهيار الاقتصاد السوري وتغير حال الليرة السورية الأمر الذي لازلنا نعاني من تبعاته إلى الآن في ظل استمرار النهج الأسدي مدة 40 عامًا متتالية.

الدوافع وراء اتخاذ قرار انتحاري

ولم يقم النظام بهذه الحركة إلا بعد أن أفلس وخسر كل أوراقه كما خسر الدعم الذي لطالما صمّ آذاننا به من الدول الداعمة لمقاومته المزعومة مثل روسيا وإيران والصين. حيث نتيقن اليوم مع صدور القرار بأن اشماعة النظامب وادعاءاته المستمرة لمؤيديه، ألا وهي دعم تلك الدول االصديقةب له ما هو إلا محض خيال ومجرد أقوال لم ترتق أبدًا لمستوى الأفعال وإن كان هناك من فعل، فيكون على نطاق ضئيل أودى إلى انهيار النظام وخسارته واضطراره لإصدار هكذا قرار. ولنبدأ من إيران، الدولة المحاصرة اقتصاديًا والتي بالكاد تستطيع الخروج من أزمتها التي ضاق خناقها عليها اقتصاديًا وسياسيًا ودوليًا، أما روسيا، العملاق المنهار الذي فقد كل سيطرته في العالم باستثناء دعم سوريا له نتيجة الاتفاقيات المبرمة منذ عهد الأسد الأب وجلها من صفقات السلاح، والآن، وبعد صدور القرار، يتبادر إلى أذهاننا سؤال محير، أين الدعم الروسي إذًا؟ وهل البوارج والمقاتلات الحربية الروسية التي عملت من الموانئ السورية مرتعًا لها مجرد كذبة أو دعاية من العيار الثقيل لرفع معنويات المؤيدين؟ وهل يا ترى سقطت أسطورة الدعم من الدول الصديقة وسيسقط معها النظام الفاشي في سوريا؟

هل جاء التعويم لدعم الاقتصاد السوري أم لإرهاق كاهله؟

وإذا كان الهدف من التعويم توحيد سعر الصرف بين البنوك والسوق السوداء وتمكين البنك المركزي من الاستحواذ على الجزء الأكبر من التعاملات والمضاربات التي تحصل في السوق السوداء وسحبها إلى خزينة البنك المركزي ليستعيد ماء وجهه والعمل على تجميع ما خسره من عملات أجنبية، فإنه يعرض الدولة لخطر اهتلاك العملة نتيجة التنافس الذي سيتصاعد بين الدولة والسوق السوداء. وإن كان الهدف المنشود رفع سعر صرف الليرة السورية مقابل بقية العملات، فإن ذلك يؤثر سلبًا في حركة الصادرات، لأن أسعار السلع المحلية تصبح مرتفعة للمستوردين الأجانب فينخفض الطلب عليها (وفقًا لدرجة مرونة الطلب)، ويؤدي ذلك إلى زيادة الواردات لأن أسعار السلع الأجنبية تصبح أرخص للمستوردين المحليين، مما يسهم في عجز الميزان التجاري، ويمكن أن تتشجع رؤوس الأموال المحلية للاتجاه نحو الاستثمارالخارجي لأنه أصبح في الإمكان مبادلة وحدة العملة المحلية بوحدات أكثر من العملة الأجنبية، وبذلك يتأثر ميزان مدفوعات الدولة تأثرًا سلبيًا، وتتأثر الصناعة المحلية بتعرضها لمنافسة الواردات، ويتباطأ النمو وترتفع درجة البطالة. وفي حالة تعويم الليرة السورية باتجاه انخفاض سعر صرفها تحدث الآثار المعاكسة، إلا أن هذه الآثار الاقتصادية لتعويم العملات لا تنطبق تمامًا ولا تصح في الحالة السورية وذلك لعدة أسباب أهمها أن الطلب العالمي على الصادرات السورية في معظمه عالي المرونة، والجهاز الإنتاجي لديها ضعيف نسبيًا وغير قادر على تلبية الطلب الخارجي، إن وجد، وهي تنفذ معظم تجارتها الخارجية بعملات أهم شركائها التجاريين، وليس بعملتها الوطنية، وتقيّد على حركة العملة المحلية كثيرًا وهذا ما يفسِّر الفوضى النقدية التي تعيشها سوريا اليوم وارتفاع سعر الدولار ليقترب من 76 ليرة سورية.

في النهاية، هل ينبئ صدور قرار التعويم بعجز النظام عن الاستمرار ويكون اللبنة الأولى في طريق الانحدار والسقوط؟




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة