مواقع تواصل اجتماعي ومدوّنات جماعية

لماذا تراجع الإقبال على المدوّنات الشخصية العربية

camera iconصورة تعبيرية

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – صالح ملص

بدأت حركة التدوين الشخصي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا عبر الإنترنت بتخصصات علمية وثقافية مختلفة، بالتزامن مع حضور المستخدم العربي عبر شبكة الاتصالات العالمية، التي سمحت له بتبادل المعلومات وإثراء محتواه الناطق باللغة العربية في الفضاء التقني الواسع.

ومع ذلك يشكل المحتوى المعرفي الناطق بالعربية 3% من المحتوى العالمي، بالرغم من أن عدد مستخدمي الإنترنت الناطقين بالعربية يبلغ 96 مليونًا حول العالم، وفق التقرير العالمي الصادر عن “الاتحاد الدولي للاتصالات”، بالتعاون مع دراسات “جوجل”.

بساطة مواقع التواصل الاجتماعي

انتشار مواقع التواصل الاجتماعي أثر على عدد المدوّنات الشخصية العربية، بحسب ما قاله المدوّن والصحفي السوري ملاذ الزعبي، لعنب بلدي، بسبب اكتفاء بعض مستخدمي “فيس بوك” و”تويتر” بكتابة المنشورات والتغريدات بدلًا من المشاركة بالكتابة المطولة في المدوّنات الشخصية.

وفي نفس الوقت، يرى ملاذ أن هذه المواقع لها أثر إيجابي، إذ أسهمت بنقل المدوّنات الشخصية وإيصال محتواها إلى أكبر عدد من المتلقين.

المدوّن السوري علي الأعرج يرى، في حديثه مع عنب بلدي، أن انتشار المواقع الاجتماعية جاء نتيجة سهولة استعمالها وبساطة محتواها في الغالب، بينما يتطلب إنشاء مدوّنة شخصية تعنى بمجال معرفي معيّن الوقت والجهد في الإشراف على محتواها، الذي يأخذ طابع الاحترافية أكثر من “فيس بوك” أو “تويتر”.

ويلجأ الناس عادة إلى متابعة المدوّنات الشخصية حين يكون الأمر متصلًا بموضوع يخصهم، بحسب علي، مثل مواضيع السينما أو الرياضة أو الطبخ أو سرد التجارب الشخصية، لذلك يعتمد انتشار المدوّنة الشخصية على مدى انتشار المجال الذي تطرحه بين الناس، بينما تكون وسائل التواصل الاجتماعي “فضاء فكريًا عامًا” يجمع كل المجالات والأفكار.

مقدار وصول المدوّنات الشخصية إلى الناس في منطقة الشرق الأوسط مقارنة بالعالم الغربي أضعف، بحسب علي، لأن الناس لا يمتلكون القابلية للقراءات الطويلة، ما يعكس جمود طبيعة المدوّنات الشخصية بالنسبة لمواقع التواصل الاجتماعي، التي تتمتع بالتفاعل السريع والمباشر مع صاحب المنشور وجمهوره.

“إذا وصل إليك شخص ليتابع مدوّنتك الشخصية فهو يتابعك ويناقش رأيك بصدق، دون مراءاة، وهنا تكمن متعة المدوّنات، بعكس مواقع التواصل الاجتماعي التي تمنحك أن تضيف خمسة آلاف صديق من أجل اللايك فقط”، وفق ما عبر عنه علي لشرح أهمية وجود المدوّنات الشخصية.

مدوّنات “جماعية” منافسة

في عام 2013، كانت “مدوّنة حبر” من ضمن المدوّنات التي دخلت قائمة “أفضل المدوّنات العربية” الصادرة عن “شبكة الصحفيين الدوليين”، وهي مدوّنة أردنية تعطي الفرصة للناس لسرد قصصهم والتفاعل مع بعضهم.

ويرى المدوّن ملاذ الزعبي أن المنصات كـ“حبر” ليست مدوّنة وفق الشكل التقليدي للمدوّنات الشخصية، إنما يصنفها كمواقع صحفية.

ومن جهته، يعتقد علي الأعرج أن “المدوّنات الجماعية” أثرت على المدوّنات الشخصية الفردية، كونها ضمت “جزءًا كبيرًا من أصحاب المدوّنات الشخصية”، صاروا ينشرون في تلك “المدوّنات الجماعية”.

ووجود هذا النوع من المدوّنات لا يكون سلبيًا بالمطلق، بحسب علي، فالناس بحاجة إلى مثل هذا النموذج، من أجل زيادة الوصول إلى فكرة المدوّنات، والتعبير عن الأفكار بقالب المدوّنة.

لكن هذه “المدوّنات الجماعية” لا تنشر مواد الكتّاب، إلا إذا توافقت مع سياسة نشر المدوّنة، وفق علي، لذلك تتميز المدوّنات الشخصية بإعطاء هامش من الحرية أكبر من “المدوّنات الجماعية”.

وقالت المدوّنة السورية لطيفة حميدو لعنب بلدي، إن هذين النوعين من التدوين يختلفان اختلافًا جذريًا، بحيث لا يغني أحدهما عن الآخر، لأن المدوّنات الشخصية لها طابع شخصي، “عندما أكتب في مدوّنتي الخاصة أشعر كأني أتمتم بكلماتي في أذن كل قارئ يعرف صوتي وذكرياتي وسلسلة أفكاري، بينما القارئ للمدوّنات المتعددة الأقلام، يتلقاها غالبًا كمصدر للمعلومات بالدرجة الأولى”.

“مناخ أمني” يضيّق فضاء المدوّنات الواسع

وتعتقد المدوّنة لطيفة حميدو أن انعدام الحريات في بلدان الوطن العربي هو “السبب الأقوى والرئيس” لانخفاض الإقبال على المدوّنات الشخصية، لأن الحريات تعطي المساحة لمناقشة تجربة معينة أو فكرة تدور في بال الفرد، والتي في حال كتب عنها المدوّن في مدوّنته اليوم “سيدفع ثمن رأيه غالبًا بعدها”.

“مدوّنتك الشخصية هي مساحتك وفضاؤك الحر، ولا أحد يأمرك فيها”، بحسب تعبير علي الأعرج، الذي أرجع انخفاض عدد المدوّنات الشخصية في العالم العربي لغياب الميزة الأساسية التي تتمتع بها هذه المدوّنات، وهي حرية التعبير.

وفي الحالة السورية، فإن تأخر دخول خدمة الإنترنت وسوءها، بحسب ملاذ الزعبي، ووجود مناخ أمني ضاغط على الحريات، عوامل سببت انخفاض عدد المدوّنات الشخصية بالمقارنة مع بلدان عربية أخرى مثل مصر.

ومع بداية دخول الإنترنت إلى سوريا في أواخر التسعينيات من القرن الماضي، كان الوصول له حكرًا في البداية على هيئات حكومية، وحتى عام 1999 لم يكن يسمح للمواطنين السوريين بالاشتراك بالإنترنت.

وكانت منظمة “هيومن رايتس ووتش” ذكرت في تقرير لها، نُشر في العام نفسه، أن سوريا “لا تزال البلد الوحيد المتصل بشبكة الإنترنت في المنطقة، الذي لم يسمح لمواطنيه بعد بدخول الشبكة محليًا، وذلك بالرغم مما أصدرته بعض الدوائر الرسمية من تصريحات تعدد مزايا الإنترنت. وهذا الأسلوب المتأني الذي تنتهجه الحكومة ينسجم مع جهودها الرامية لكبح كل أشكال التعبير التي تنطوي على انتقاد لأسلوب الحكم في البلاد”.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة