يجب اتخاذ إجراءات فعالة لحماية المدنيين بمن فيهم المعتقلون

العقوبات الأمريكية على النظام السوري بما فيها قانون “قيصر”.. مقاربة بلا جدوى

tag icon ع ع ع

منصور العمري

استقبلت فئات واسعة من السوريين دخول قانون “قيصر” التنفيذ، في 17 من حزيران/ يونيو الحالي، بالترحيب والفرح ومشاعر كثيرة تعبر عن معاناتهم من نظام الأسد، بعد أن نكّل بهم وأذاقهم الويلات، ودمر بلادهم وعائلاتهم، وهذا حق لهم. لكن في المقابل لا يجب أن تطول هذه الحالة الشعورية المرحبة برمزية القانون في معاقبة الأسد، فيجب على البعض على الأقل إزاحة المشاعر جانبًا لنُعمل عقولنا ونبدأ بطرح الأسئلة عن مدى فاعلية هذا القانون، وتوافق نتائجه مع مصالح السوريين التي قد لا تكون متطابقة مع مصالح الولايات المتحدة فيما تتوخاه من قانون “قيصر”.

لا يجب التسليم بأن قانون “قيصر” في مصلحة معارضي الأسد، بل تجب دراسته وفهمه أولًا، ثم اتخاذ الموقف والتقييم المناسب. ففي سبيل الدفاع أو التأييد لقانون “قيصر” أو رفضه ومعارضته، يجب ألا نتحول إلى أداة “بروباغندا” تخفي نصف الحقائق، لنتحمل بهذا مسؤولية أخلاقية على الأقل في تشويه معلومات عدد كبير من السوريين أصحاب الشأن.

تعريف الدعاية أو “البروباغندا”: هي نشر رسائل ومعلومات أحادية المنظور للتأثير على الجمهور وتعزيز أجندة معينة، بلا موضوعية، وتقديم الحقائق بشكل انتقائي بهدف التأثير على آراء أو سلوك أكبر عدد من الأشخاص. كثيرًا ما تعتمد “البروباغندا” على إعطاء معلومات ناقصة، وبذلك يتم تقديم معلومات كاذبة عن طريق عدم تقديم معلومات كاملة، وهي تقوم بالتأثير على الأشخاص عاطفيًا عوضًا عن الرد بعقلانية. غالبًا ما ترتبط الدعاية بمواد تعدها الحكومات، لكن الجماعات الناشطة والشركات والمنظمات ووسائل الإعلام والأفراد يمكنهم أيضًا إنتاج “البروباغندا”، بهدف تغيير السرد المعرفي للأشخاص المستهدفين لأجندات وغايات معينة.

مهما كان الموقف من العقوبات، معها أو ضدها كليًا أو جزئيًا، لا يجب الترويج لأكاذيب وإخفاء الحقائق أو تقديم حقائق منقوصة، بما يتعلق بقانون “قيصر”. كما يجب عند الحديث عن القانون وآثاره أن يكون المتحدث على دراية تامة بتفاصيل قانون “قيصر” وبمنهج العقوبات الاقتصادية، وأن يكون قادرًا على تقديم معلومات واضحة وحقيقية للجمهور، لتتشكل لدى السوريين صورة واضحة ومكتملة عن القانون، ومدى تأثيره، وخاصة بما ينسجم مع مصلحة السوريين قبل مصلحة أي طرف آخر. يجب أن يحظى السوريون بحقهم في المعرفة، كي يستطيعوا تشكيل آرائهم تجاه القانون بلا تعرضهم لتحايل أو ترويج بريء أو مدروس.

على وسائل الإعلام، كي لا تكون شريكًا في خداع السوريين وإخفاء الحقائق أو تشويهها لديهم بقصد أو من دونه، أن تستضيف خبراء في العقوبات الاقتصادية، لا معارضين أو مؤيدين سياسيين ليتحدثوا خارج مجال اختصاصهم. حتى مقالات الرأي، يجب أن تكون واضحة تمامًا في طرحها إن كانت قائمة على الرأي الشخصي، الذي قد لا يكون رأيًا خبيرًا بالعقوبات الاقتصادية، أم أن المقال يستعين بمصادر أو خبراء في هذا المجال.

شرح حقائق القانون بلا انحياز قائم على الموقف معه أو ضده، ضرورة حاسمة لفهم أثر القانون بشكل فعلي. لا يمكن تقييم وتوقع أثر القانون بلا فهم حقيقي لقانون “قيصر” بحد ذاته، وأنظمة العقوبات الاقتصادية عمومًا. كيف يمكن تطوير القانون وسد ثغراته القانونية دون فهمه حقيقة؟ كيف يمكن للسوريين دعم القانون والعمل لإنجاحه إن لم تقدم لهم معلومات حقيقية وكاملة عنه؟

من الواضح أن قانون “قيصر” سيلعب دورًا مهمًا في منع إعادة تأهيل نظام الأسد دوليًا، رغم أن الولايات المتحدة منعت ذلك من قبل، حين رأينا تراجع دول الخليج عن محاولاتها إعادة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية. لكن من خلال قانون “قيصر” وضعت الولايات المتحدة منع تأهيل النظام ضمن قوانينها لخمس سنوات على الأقل. كما أن القانون أتى مختلفًا بشكله عن العقوبات السابقة التي كانت تصدر بأوامر تنفيذية من الرئيس الأمريكي، ما يصعب إبطال القانون.

لفهم أهمية قانون “قيصر” ومدى فاعليته، يجب أن يُدرس في إطار العقوبات السابقة المفروضة على النظام، وما الجديد في قانون “قيصر”. كيفية تعامل النظام مع العقوبات السابقة، وما الثغرات التي اعتمدها للتهرب منها. هل تمت معالجة تلك الثغرات، وهل هناك ثغرات أخرى محتملة؟ هل ستلتزم الإدارة الأمريكية القادمة بهذه العقوبات، وهل ستستخدمها كورقة للمقايضة والضغط في ملفات أخرى، كما فعل أوباما في صفقته مع إيران، حين ألغى تصويتًا على قانون “قيصر” من أجل إتمام صفقته النووية. كما يجب التوجه إلى خبراء ومختصين حقيقيين في العقوبات الاقتصادية، لا سياسيين أمريكيين أو معارضين ومؤيدين سوريين، أو من شارك في وضع قانون “قيصر”. يجب أن يكون المصدر ورأيه أكثر اختصاصًا وشفافية وحيادية، كخبير أممي أو أوروبي في العقوبات الاقتصادية، أو اعتماد منهج البحث العلمي لا المواقف العاطفية أو السياسية في دراسة هذا القانون. كما يجب أن يدرس “قيصر” في ضوء سياسة العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الدولية بشكل عام، واعتماد منهج المقارنة في البحث.


هذا المقال جزء من بحث في سياسة العقوبات الاقتصادية عمومًا بالإضافة إلى تلك المفروضة على النظام السوري بما فيها قانون “قيصر”،  أعده الصحفي والحقوقي السوري منصور العمري، ولقراءة الأجزاء المتبقية من البحث اتبع الروابط:

– “قيصر”.. قانون بلا ولاية قضائية

سياسة العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية الدولية.. هل يستجيب الديكتاتور؟

دور العقوبات في الضغط على روسيا للتخلي عن الأسد

تأثير قانون “قيصر” على المعتقلين




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة