بوجهين.. النظام السوري يستخدم ورقة تجار دمشق

camera iconوزير التجارة في حكومة النظام السوري طلال البرازي في زيارة إلى غرفة تجارة دمشق- 15 من حزيران 2020 (غرفة تجارة دمشق)

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

“لأول مرة منذ 47 عامًا يبادر وزير التجارة الداخلية لزيارة غرفة تجارة دمشق أولًا عندما يتسلم مهامه، قبل أن نطلب مقابلته”، بهذا التصريح رحب رئيس الغرفة، غسان قلاع، بوزير التجارة وحماية المستهلك في حكومة النظام السوري المكلف حديثًا، طلال البرازي، الذي رد بالقول، إن “الوطن عهد من تجاره الدمشقيين في السابق والحاضر، العديد من المبادرات تجاه الوطن والمواطن”.

لم يكن لقاء البرازي بأهم ‏الفعاليات الاقتصادية في دمشق وكبار التجار، في 15 من حزيران الحالي، وحديثه “بشفافية” كما وصفها أعضاء الغرفة، حدثًا عابرًا وزيارة دورية، وإنما كان هدفه حث التجار على المشاركة في حل المشكلات الاقتصادية، والتأكيد على أهمية “دور التاجر في مساندة مؤسسات الدولة بما ‏يحمله من قيم وخبرة ودعم”، بحسب قوله.

لكن “الخطاب الوطني” الذي استخدمه البرازي “لاستنهاض همم التجار”، قابله خطاب من نوع آخر عهده التجار من النظام السوري خلال السنوات الماضية، وهو “الابتزاز والتهديد والوعيد” لدفع “إتاوات مالية”، وإلا تكون تهمة “غسيل الأموال والتهرب من دفع الضرائب” وما يتبعها من مصادرة الأملاك بانتظارهم، كما حصل مع رامي مخلوف ابن خال الأسد، في الأسابيع الماضية خلال الصراع على شركة “سيريتل”.

ادفع بالتي هي أحسن

تأتي زيارة البرازي بالتزامن مع ضائقة مالية حادة وأزمة اقتصادية تعصف بحكومة النظام السوري، أدت إلى تدهور في قيمة العملة ووصول سعر الصرف إلى مستويات لم يعهدها السوريون من قبل، إذ تجاوزت حدود ثلاثة آلاف ليرة سورية، متأثرة بجملة من العوامل، أهمها أزمة المصارف اللبنانية، كون لبنان يعتبر الحديقة الخلفية اقتصاديًا للنظام.

إلى جانب تأثيرات قانون “قيصر” الذي دخل حيز التنفيذ، في 17 من حزيران الحالي، بفرض عقوبات اقتصادية على 39 شخصية وكيانًا، أبرزهم بشار الأسد وزوجته أسماء، إضافة إلى شقيقيه ماهر وبشرى، ورجل الأعمال محمد حمشو.

ومع ظهور بوادر احتجاج بإغلاق المحلات وتوقف عمليات البيع والشراء، استنفرت الحكومة بوضع خطط ودعم قطاعات اقتصادية، إلى جانب البحث عن مورد للعملة، بالليرة السورية أو الدولار، ولم يكن أمامها سوى تجار دمشق عبر طريقتين.

الطريقة الأولى كانت عبر مطالبة عدد من التجار بدفع ملايين الليرات السورية، بحسب ما علمته عنب بلدي من مصادر مقربة من تجار دمشقيين، بالتزامن مع تهديد بالحجز ومصادرة الأموال.

وتحدثت المصادر المطلعة على التهديدات، أن النظام السوري طالب في الأسابيع الماضية عددًا من التجار بدفع ملايين الليرات، إلا أن بعضهم رفض الدفع بحجة عدم وجود سيولة نقدية، ليجبروا على توقيع أوراق، تحت التهديد، تتضمن إقرارًا خطيًا من قبلهم، بأنهم يسرقون أموال الدولة عبر تهريب مواد، إلى جانب التهرب من دفع ضرائب وغرامات مالية لمصلحة الحكومة، على الرغم من دفعها سابقًا، ليصدر عقب ذلك قرار بالحجز على أموالهم ومصادرتها.

وأضافت المصادر أن بعض التجار توقفت أعمالهم وأُغلقت منشآتهم، بينما غادر بعضهم إلى خارج سوريا بعد مصادرة أموالهم.

وكانت وزارة المالية في حكومة النظام أعلنت، عام 2019، الحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لعدد كبير من التجار والأشخاص، وصل عددهم إلى 10315 قرارًا، بحسب ما أكده معاون وزير المالية في حكومة النظام السوري، بسام عبد النبي، لموقع “الاقتصادي” في 28 من أيلول 2019.

كما أصدرت في أيلول 2019، قرارًا بالحجز على أموال مجموعة من المسؤولين ورجال الأعمال، بينهم دمشقيون، أبرزهم عائلة الفتال، إذ شملت “شركة أنس الفتال وشريكه محمد أسامة الفتال”، وأموال عضو غرفة صناعة دمشق وريفها، أنس محمد عزيز الفتال، ومدير شركة “فتال للأعمال التجارية”، محمد حاتم محمد عزيز الفتال، مرجعة ذلك إلى ضمان حقوق الخزينة العامة من الرسوم والغرامات.

“استنهاض الهمم” لسد الثغرات

وفي المقابل، بدا واضحًا التقارب بين وزير التجارة، طلال البرازي، وتجار دمشق، عبر المديح والثناء، إذ قال البرازي، بحسب موقع “الوطن أونلاين”، “استنهض همم التجار (…) من أجل سدّ الثغرات، إذ يجب أن نسهم مع بعضنا لمواجهة الحرب الاقتصادية، والأشخاص الذي يستهدفون الاقتصاد يجب لفظهم”، مضيفًا، “أنا واثق بأن أكثر من 95% من تجار دمشق سوف يبادرون ويساعدوننا في مواجهة هذه الظروف”.

وعقب حديثه، أطلقت مجموعة من التجار مبادرات متنوعة، منها البيع بسعر التكلفة لمدة أسبوع، وتخفيض الأسعار بنسب تصل حتى 50%، قابلها البرازي بمبادرة لمدة شهر يجتمع فيها يوم السبت من كل أسبوع في غرفة التجارة دون أن يكون الأمر ملزمًا بالحضور، بهدف مناقشة قضايا وهموم التجار، وحل مشاكلهم بالشكل الذي يمكن أن ينعكس على الأسعار والأسواق، بحسب قوله.

من جهته، اعتبر رئيس غرفة دمشق، غسان قلاع، بحسب موقع “سيريانديز“، أنه “لأول مرة يرى مسؤولًا حكوميًا يتحدث في غرفة تجارة دمشق من طرف التاجر، ويتحدث مع القطاع الخاص بهذه اللهجة، فلم يحمل العصا، ولم يهدد ولم يتوعد”.

أما أمين سر الغرفة، محمد حمشو، فاعتبر أن “اللغة التي يتحدث بها الوزير البرازي، أراحت التجار ليس في دمشق بل في كل سوريا، ومن شأنها أن تمد الجسور الحقيقية بين التجار والمنتجين والحكومة”، في حين اعتبر عضو مجلس الإدارة، حسان عزقول، أن “شفافية وزير التجارة الداخلية اليوم هي مصالحة بين التجار والوزارة”.

المصالحة مع التجار الدمشقيين

وتشير هذه التحركات إلى إدراك أهمية تجار دمشق في أزمة النظام الحالية، وهو ما يذكر بسلوك سابق للأسد الأب، بحسب ما ذكره الكاتب والصحفي البريطاني باتريك سيل في كتابه “الأسد- الصراع على الشرق الأوسط”، بالقول إن “(الرئيس السابق حافظ) الأسد قد تعلم من مصاعب صلاح جديد (قيادي سابق في حزب البعث)، أنه من أجل إعطاء نظامه قاعدة مستقرة، يجب عليه أن يتصالح مع طبقة التجار الدمشقيين، أو على الأقل أن يتجنب تنفيرها منه كليًا، وقد أتت هذه السياسية ثمارها”.

لكن عملية “التصالح” هذه قد تكون عبر العقلية الأمنية تحت التهديد والوعيد، وهو ما حصل في ثمانينيات القرن الماضي، عندما أضرب تجار سوق “الحميدية” في دمشق، وأغلقوا محلاتهم احتجاجًا على التعامل الأمني مع مدن الشمال السوري، وخاصة حماة.

ويضيف سيل أن “الحكومة كانت معرضة لخطر مباشر هو فقدان السيطرة على الأمور، ووجد الأسد حليفًا في بدر الدين الشلاح، رئيس اتحاد الغرف التجارية وصاحب النفوذ الكبير والأبوي، الذي كان في الثمانينيات من عمره، والذي جمع أصحاب الدكاكين البارزين وحثهم على إبقاء دكاكينهم مفتوحة، وأدى ذلك إلى تحول الأمور لمصلحة النظام”.

لكن طلب الشلاح جاء بعد تهديد من قبل حافظ الأسد له بنسف سوق “الحميدية” كاملًا في حال استمرار الإضراب، الأمر الذي دفعه إلى النزول فورًا إلى “الحميدية” والطلب من التجار إنهاء الإغلاق فورًا، بحسب ما قاله مصدر مطّلع لعنب بلدي، شغل مناصب قيادية في مؤسسات الدولة السورية، ورافق الشلاح في ذلك الوقت.

أما خلال السنوات الماضية، فشهدت العلاقة بين التجار والنظام نوعًا من الغموض، إذ وُجهت لهم اتهامات بدعم النظام ومنع انهياره اقتصاديًا بهدف حماية مصالحهم، لكن في المقابل عمد النظام في بداية الثورة إلى تهديد كل من يرفض التعامل معه ويمتنع عن دفع الإتاوات، وهو ما يفسر مغادرة بعض رجال الأعمار الكبار، وعلى رأسهم رئيس اتحاد غرف الصناعة السورية وغرفة صناعة دمشق، عماد غريواتي، الذي حُجز على أمواله وصودرت لاحقًا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة