أسهمت بتعقيد المشكلة العقارية.. محاولات لفهم قضية العشوائيات في سوريا

العشوائيات في سوريا - (تعديل عنب بلدي)

camera iconالعشوائيات في سوريا - (تعديل عنب بلدي)

tag icon ع ع ع

شهد قطاع السكن العشوائي، قبل الاحتجاجات في سوريا عام 2011، تزايدًا في معظم المحافظات، حتى وصلت نسبة السكان الذين يعيشون في المناطق العشوائية إلى أكثر من 40%، بحسب تصريحات حكومة النظام السوري عام 2018، ولا يزال مدى انتشار العشوائيات الفعلي غير معروف، بسبب موجات النزوح الداخلي المستمرة بين المناطق السورية، خاصة شمالي البلاد، حيث يُقيم النازحون في مناطق منعدمة الخدمات مع عدم استقرار أي وضع قانوني فيها.

وتعرّف العشوائيات، بحسب الأمم المتحدة، بأنها المباني المقامة بشكل غير لائق بلا تخطيط أو نظام خارج نطاق خطط التنمية السكانية للحكومة، وغالبًا ما تفتقر إلى بعض الخدمات الأساسية.

وخلال التدمير المادي للمساكن في الأحياء التي ناهضت حكم النظام، بفعل العمليات العسكرية داخل المناطق العشوائية في غوطة دمشق الشرقية، ومحافظة حمص وشرقي مدينة حلب، أُتلفت العديد من وثائق الملكية، ما يهدد بفقدان سكان تلك المناطق حقهم بملكياتهم العقارية، بالتزامن مع إصدار النظام قوانين عقارية يقصي مضمونها بمنع النازحين واللاجئين من تلك المناطق من حقهم بالعودة إلى مساكنهم الأصلية.

وقد شرع النظام بإحداث مناطق تنظيمية في مناطق السكن العشوائي التي شهدت تدميرًا واسعًا، مثل مخيم “اليرموك” جنوبي العاصمة دمشق، بالاستناد إلى القانون “رقم 23” لعام 2015، وهو ما يوقع ضررًا بالمخالفين الذين بنوا فوق أراضٍ خاصة وأخرى تعود ملكيتها للدولة، مع عدم حصولهم على سكن بديل، بعد صدور المخطط التنظيمي للمنطقة، وكذلك الأمر في منطقة القابون شمالي دمشق.

محاولات لمواجهة العشوائيات

شاركت 12 منظمة مدنية سورية، في 23 من حزيران الماضي، من بينهم منظمة “اليوم التالي”، في مبادرة حوارية تهدف إلى خلق تصور متكامل لمشكلة السكن العشوائي وآليات التعامل معه.

وحملت الجلسة عنوان “العشوائيات.. أسبابها وطرق التعامل معها”، في محاولة من قبل المجتمع المدني السوري لفهم هذه الظاهرة من جوانبها التاريخية والقانونية والإدارية.

وتمحورت الجلسة، التي أُقيمت عبر الإنترنت، بحسب ما قاله منسق الجلسة في منظمة “اليوم التالي” أحمد طه، لعنب بلدي، حول أسباب نشوء السكن العشوائي في سوريا استنادًا إلى شرح القاضي أنور مجني للظاهرة في سياقها التاريخي.

وكانت أبرز أسباب نشوء العشوائيات في سوريا، بحسب ما ذكره مجني، هي أسباب سياسية بفعل نزوح الآلاف من سكان هضبة الجولان السوري المحتل عام 1967، بالإضافة إلى المهجرين الفلسطينيين واستقرارهم لفترة زمنية طويلة داخل مناطق غير منظمة من قبل الدولة.

كما أن التنمية غير المتوازنة بين الريف والمدينة كانت من الأسباب التي ذكرها القاضي مجني، لأن التنمية الإدارية والخدمية كانت متمركزة بشكل رئيس في المدينة دون الريف، ما أدى بحسب تعبير مجني إلى “طرد ريفي وجذب مدني”.

التوافد السكاني إلى مراكز المدن الرئيسة في سوريا يعتبر أيضًا سببًا أساسيًا في نشوء ظاهرة السكن العشواني، فعلى المستوى الإجمالي الوسطي تشكل مناطق السكن العشوائي بحدود 15 إلى 20% من الإجمالي في سوريا (ريف – حضر) وبحدود 25 إلى 30% في مراكز المدن، وترتفع هذه النسبة إلى ما يزيد على 40% في مراكز المدن الرئيسة، وفق دراسة أعدها القاضي السوري خالد الحلو عام 2019، حملت اسم “القوانين والتشريعات المرتبطة بحقوق السكن والملكية HLP”.

تشريعات لم تواكب النمو السكاني

تركز المحور الثاني من الجلسة، الذي أداره القاضي حسام الشحنة، حول توصيف ظاهرة السكن العشوائي من جانب التشريعات السورية التي لم تواكب النمو السكاني، والحاجة المتزايدة لتأمين المسكن زاد بدوره حجم المخالفات السكنية.

وتطرق هذا المحور أيضًا إلى القوانين التي تعد “اغتصابًا لأملاك المهجرين” بحسب تعبير منسق الجلسة في منظمة “اليوم التالي” أحمد طه، وتستهدف بالدرجة الأولى سكان مناطق المخالفات والسكن العشوائي ومناطق المخالفات الجماعية، التي نشأت في أماكن غير معدة أصلًا للبناء في ظل غياب التخطيط الحكومي.

أما المحور الثالث فتضمن حوار المشاركين من منظمات وناشطين في المجال العقاري، لشرح وجهة نظر الإدارات المحلية في سوريا حول مشكلة السكن العشوائي، قدمها المهندس فراس مصري، إذ استعرض ملفًا مرئيًا، شرح من خلاله أهم المصطلحات في هذا المجال، واستعرض تطور مناطق العشوائيات، مرجعًا ذلك إلى ثلاثة محددات فنية هندسية وقانونية وسياسية، بالإضافة إلى حديثه عن آليه معالجة قطاع السكن العشوائي من خلال السكن البديل والمسح الاجتماعي.

الفهم الصحيح لظاهرة السكن العشوائي في سوريا وتشخيصها واستعراضها بشكل دقيق يساعد، وفق طه، على مقاربة واكتشاف الحلول لمواجهة التعقيد الذي يعانيه قطاع العقارات بسبب التشريعات المتعلقة به.

وناقشت الجلسة أيضًا خطورة إعادة تنظيم مناطق السكن العشوائي في الوقت الحالي، خاصة في حي مخيم “اليرموك” وحي شمال السكة في محافظة الرقة شمال شرقي سوريا، وذلك بسبب تضرر أصحاب الحقوق العينية غير المدوّنة في الدوائر العقارية، بموجب مرسومي “رقم 23” لعام 2015 و“رقم 10” لعام 2018.

ونزح أكثر من 12 مليون سوري (داخليًا وخارجيًا) في سوريا خلال السنوات التسع الأخيرة، وفقد بعضهم مستنداتهم القانونية التي تُثبت حقوقهم في المساكن والأراضي والملكيات (العديد منهم لم تكن لديه مستندات قانونية، وآخرون تركوها عند النزوح، وآخرون فقدوها أو سُلبت منهم أو تم إتلافها بفعل القصف).

مطالبة بآلية دولية لتوثيق الملكية العقارية

التركيز من خلال العملية السياسية في المرحلة الانتقالية التي ستشهدها سوريا على المطالبة بوقف كل عمليات الاستملاك هناك، هي أبرز ما خرجت به الجلسة الحوارية من توصيات، وكذلك إيقاف إجراءات إحداث مناطق التطوير العقاري منذ آذار 2011، وفق ما طالبت به الجلسة الحوارية.

ومن مخرجات الجلسة إعداد ورقة بحثية تدرس مشكلة العشوائيات في سوريا وطرق التعامل معها في المستقبل.

وناشدت الجلسة، وفق ما قاله منسقها في منظمة “اليوم التالي” أحمد طه، الأمم المتحدة والجهات الدولية الفاعلة في الملف السوري أن تضع حقوق السكن والأراضي في صميم العملية السياسية في أثناء عملية العدالة الانتقالية، من خلال إنشاء آلية دولية مستقلة لتوثيق مطالب الملكية للنازحين والمهجرين السوريين قسرًا.

وأوصت ورقة المهندس مصري بالبحث عن طرق إبداعية، وفق تعبير طه، لإثبات الملكيات من خلال إنشاء جمعيات شاغلي السكن العشوائي ومناصرتهم.

وطالبت الجلسة بالبحث عن حلول توافقية تعمل عليها “الحكومة السورية المؤقتة”، كونها المسؤولة في مناطق سيطرة فصائل المعارضة في شمالي سوريا، لتحافظ على أملاك الدولة والأملاك الخاصة هناك، لاستحالة تطبيق الأنظمة النافذة في التشريعات السورية فيها، ولعدم إمكانية إيقاف عمليات البناء العشوائية.

كما أوصت الجلسة بمتابعة ما يحصل في بعض مناطق شمال شرقي سوريا، حيث قوة الأمر الواقع هناك لا تتبع للنظام السوري ولا لـ”الحكومة المؤقتة”، وأي إجراءات تنظيمية في تلك المناطق قد تؤدي، بحسب طه، إلى “تغيرات ديموغرافية” لحساسية تنوع الإثنيات العرقية في تلك المنطقة.

ونبه طه النازحين واللاجئين إلى ضرورة الحفاظ على إشعارات فواتير الماء والكهرباء التي تعتبر دليلًا عل الملكية في المناطق العشوائية.

ترسيخ وعي السوريين حول المشكلة العقارية

تحاول منظمات المجتمع المدني السورية من تلك الفعاليات وورشات العمل خلق تصور متكامل للمشكلة العقارية في سوريا وآليات التعامل معها، وفق طه، وتبادل الخبرات والمعلومات لضمان التنسيق والتكامل والتعاون بين أعضائها.

بالإضافة إلى تعزيز فهم البنية الحقوقية والدستورية التي خلفها النظام في المسألة العقارية، ومتابعة التشريعات الجديدة المتعلقة بملكية المساكن المصادرة، وإقامة المبادرات لترسيخ وعي السوريين المتضررين من قضية حقوق الملكية العقارية والسكن، ومناصرة قضيتهم في المحافل الدولية.

كما تعمل المنظمات المدنية السورية المستقلة، بحسب طه، على بناء قاعدة بيانات لفهرسة قوانين الملكية العقارية الصادرة من حكومة النظام، بهدف تحليلها والتوصل لرؤى أفضل وأشمل للتعامل معها في المستقبل، بالإضافة إلى متابعة وتوثيق عمليات الاستملاك الرسمية وغير الرسمية في جميع أنحاء سوريا.



English version of the article

مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة