بين الصورة والحقيقة.. قتلى التعذيب أحياء حتى يثبت العكس

شخص يحاول التعرف على أحد أقربائه المختفي في سجون النظام السوري من خلال الصور المسربة من قيصر - 13 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي )

camera iconشخص يحاول التعرف على أحد أقربائه المختفي في سجون النظام السوري من خلال الصور المسربة من قيصر - 13 من تموز 2020 (عنب بلدي / يوسف غريبي )

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – عاصم الملحم

نظر محمد إلى صورة الشاب المغمض العينين وقال “هذا ليس أحمد”. لم يطرأ على ملامح أخيه كثير من التغيير، ووجهه يبدو واضح التفاصيل في الصورة التي التقطها له “قيصر” قبل سبعة أعوام، إلا أن رؤيته بعد “دهر” من البحث والعناء والأمل، جعلت نبأ العثور عليه عصيًا على التصديق.

سبع سنوات مرت على انشقاق مصور الطب الشرعي “قيصر” عن النظام السوري، حاملًا 55 ألف صورة لـ11 ألف معتقل، اقتصرت هوياتهم على أرقام بلا أسماء.

جالت صور المعتقلين القاعات العالمية، بعد أن أكّد مكتب التحقيقات الفيدرالي في الولايات المتحدة صحتها، من الأمم المتحدة إلى البرلمان الأوروبي ومتحف “الهولوكوست” الأمريكي، ورافقت صفحات وسائل التواصل الاجتماعي ومواقع المنظمات الحقوقية لتمر على أعين الملايين مرارًا.

لكن هويات الضحايا بقيت رهنًا ببحث الأهالي وتعرفهم إلى أبنائهم وسط جثث لضحايا التعذيب والسجون السورية. مهمة كانت ثقيلة على قلوب كثيرين، واليوم وبعد أن خبا أمل نجاة المعتقلين، عاودت صور “قيصر” الانتشار، متزامنة مع بدء قانون العقوبات الذي حمل اسم مصوّرها، في 17 من حزيران الماضي.

توالت أنباء تعرف أهالي الضحايا إلى أبنائهم من الصور، لكن الجزم بصحة الصور قانونيًا وشرعيًا لا يعتمد على رؤيتها فحسب.

ألا نميّز أعز الناس

على الرغم من محاولات البحث، بقيت حال أحمد العبد الله ومصيره مجهولين، وبقي أهله في حرقة وحيرة، يبحثون عن طرف خيط يدلهم على مكانه وأسباب اعتقاله، في 16 من نيسان عام 2013، حسبما قال شقيقه محمد لعنب بلدي، “جربنا دفع الرشاوى، واستخدمنا الواسطات، وتواصلنا مع عرابي المصالحات، لكن دونما أي جدوى، فكل الأفرع الأمنية كانت تنكر وجوده عندها”.

عامان استمرت فيهما المحاولات المضنية للبحث عن الشاب البالغ من العمر 24 عامًا، إلى أن فقد أهله الأمل ولجؤوا إلى صور “قيصر” بحثًا عن خبر يدلهم عليه، لكن بحثهم لم يثمر حينها.

قبل نحو أسبوعين أرسل أصدقاء أحمد صورته لأخيه بعد أن عثروا عليها بين آلاف الصور. لجأ محمد إلى “فيس بوك” لينعى أخاه شارحًا مشاعر الصدمة في أحد منشوراته، “منذ أن وصلت الصورة وأنا لا أستطيع التمييز، هل هو أم لا؟! خانتني المشاعر، خانني الدم وخانني حديثي، هل هي الصدمة أم أنني لم أعد أميّز أعز البشر على قلبي…”.

“المجلس الإسلامي السوري” أصدر فتوى، في 6 من تموز الحالي، بأن الأصل في المفقود أو المسجون الذي انقطعت أخباره “أنه حي” ما لم يصل الدليل على وفاته، و”الصور الفوتوغرافية ومقاطع الفيديو” ليست من تلك الدلائل.

لكن لم يوافق جميع الأهالي على تلك الفتوى، مثل علاء العيسى، الذي وجد صورة أخيه نور الدين ضمن صور “قيصر”، وقال لعنب بلدي إن الصور دليل كافٍ ولا يحتاج إلى تخمين أو إثبات أكثر.

أمل “زائف” أطال عناء الانتظار

“بالمصادفة” وجد علاء العيسى نفسه في موقع “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” في أثناء تصفحه للإنترنت، ليرى أخاه نور الدين مع أبناء عمه للمرة الأولى بعد سبع سنوات.

لم يبحث علاء عن أخيه بين صور “قيصر” عند انتشارها لأول مرة، لأنه حصل على تأكيدات بنجاته، ومنها “إخراج القيد” الذي اعتبره دليلًا قاطعًا على حياته عند استخراجه من دائرة النفوس عام 2015.

مشاركة علاء صورة نور الدين عبر حساباته على وسائل التواصل الاجتماعي نبهت كثيرين إلى صور “قيصر” من جديد، وقال لعنب بلدي، “شعرت أنني قد فتحت جروح الناس بصور أخي وأبناء عمي، ومن بعدها بدأت الضجة على مواقع التواصل، إذ كان الأغلبية قد نسوا أمر الصور ولم ينتبهوا لها، كما لم نكن نحن منتبهين”.

حاول علاء التشكيك بالصور لكنه لم يستطع، لأنه منذ اختفاء أخيه نور الدين بقيت ملامحه عالقة في ذهنه، حسب تعبيره، وملأ عبر موقع “الجمعية السورية للمفقودين ومعتقلي الرأي” استمارة الأقارب للتعريف عن أخيه، حتى حصل منهم على بقية الصور التي التقطها “قيصر” لنور الدين.

لكل معتقل أربعة صور تبين كامل جسده، وبرأي علاء فإن أهل الضحايا بإمكانهم تمييز أي علامات فارقة على أجساد أبنائهم عند التمعن فيها كما فعل هو.

“الشبكة السورية لحقوق الإنسان”، التي توثق أعداد ضحايا الاعتقال والتعذيب وانتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، لا تكتفي بشهادة الأهل للتحقق من هوية الأشخاص، حسبما قال مديرها، فضل عبد الغني، لعنب بلدي.

وإضافة لتأكيد الأهل، بعد تمعنهم بصور الضحية من زوايا مختلفة، يتم التحقق من قبل خبير في الطب الشرعي وتحليل الجثث، مع مقارنة المعلومات المتعلقة بمكان الاعتقال وزمنه وتفاصيله.

ويقارن برنامج مطابقة الصور بين صورة الضحية قبل وفاته وصورته لاحقًا، مع إشارة عبد الغني إلى أن البرنامج بحاجة إلى التطوير للتعامل مع صور “قيصر” التي عانى ضحاياها من تغير كبير بالملامح جراء التعذيب.

مقاطعة المعلومات السابقة جميعها هو السبيل لمعرفة هوية الضحية، حسبما قال عبد الغني، مضيفًا أن بعض الجثث “من شبه المستحيل” التعرف إلى أصحابها بسبب تشوههم.

وكانت “الشبكة السورية لحقوق الإنسان” وثّقت، في أيلول 2015، هوية 740 شخصًا من صور “قيصر”، وارتفع العدد في 2019 ليصل إلى 823 شخصًا، بحسب عبد الغني.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة