tag icon ع ع ع

“أخرجوها من منزلها ووضعوها بخيمة نُصبت في فسحته، وأسكنوا عائلة نازحة فيه، وذلك بعد أن رفضت دفع ألف دولار مقابل إبقائها في منزلها لعدم امتلاكها المبلغ”، هذا ما حدث مع السيدة “أم ديار” (اسم مستعار) من قرية كوخرة التابعة لناحية معبطلي في ريف عفرين، على لسان أحد أقاربها الذي تحدث لعنب بلدي عن الانتهاكات التي ترتكبها الفصائل العسكرية المسيطرة بحق الأهالي وممتلكاتهم. 

المصدر أضاف أن الفصائل عمدت أيضًا إلى إخراج فتاة من منزلها الذي كانت تقيم فيه لوحدها بعد وفاة والدتها بناحية شيخ الحديد في ريف عفرين، مشيرًا إلى أنه يتم بشكل عام إخراج العائلات الصغيرة المكونة من شخصين أو أقل، أو المؤلفة من نساء فقط، من بيوتهم بالإجبار لإسكان عوائل نازحة أو مقربة من الفصائل، وقد بلغ عدد المنازل التي أُخرج أصحابها منها في شيخ الحديد وحدها نحو 60 منزلًا منذ سيطرة الفصائل على المنطقة في آذار من عام 2018، وفقًا لشهود عيان.

وتفرض الفصائل على الأهالي الكرد، ممن لم يغادروا المنطقة، دفع مبلغ عشرة آلاف ليرة سورية كضريبة شهرية على كل منزل، سواء أكان من يقطنه صاحبه أم مستأجرًا له.

كما أن الضرائب والإتاوات شملت أيضًا الأراضي والمحاصيل الزراعية، وأكد المصدر فرض الفصائل ضرائب تصل إلى آلاف الدولارات على محصول الزيتون، وأخذ مبلغ عشر ليرات سورية على كل كيلوغرام من ورق العنب يتم بيعه، فضلًا عن اعتبار المحاصيل الزراعية مباحة شرعًا في حال عدم وجود أصحابها في المنطقة.

ولفت المصدر إلى أن الضرائب تُفرض في بعض الأحيان على الأغنياء الذين لم يغادروا المنطقة، دون توضيح أي أسباب، وأن آخرها وصل إلى فرض مبلغ 25 ألف دولار على شخصين من شيخ الحديد.

وتحفظ المصدر على ذكر اسميهما أو اسم أحد من الأشخاص الذين تفرض عليهم الضرائب حفاظًا على سلامتهم، إذ إن أي شخص يتحدث عن أي انتهاك، أو ينتقد أيًا من هذه التصرفات على وسائل التواصل الاجتماعي، يتم استدعاؤه مباشرة من قبل قادة الفصائل للتحقيق معه، وفي حال وجوده خارج البلد أو المحافظة يتم التوجه إلى أفراد عائلته في المنطقة، مشيرًا إلى مقتل ابن عمه لذات السبب.

 

في 20 من كانون الثاني 2018، شنت تركيا بمساندة فصائل “الجيش الوطني السوري” هجومًا على مدينة عفرين وريفها شمال غربي حلب، وأعلنت سيطرتها عليها في 18 من آذار من نفس العام، بعد توغل الفصائل داخل مركز المدينة، وتقدمها على حساب “وحدات حماية الشعب” (الكردية).

وأدت السيطرة إلى نزوح ما يزيد على 137 ألف شخص، بحسب الأمم المتحدة.

وتقسم منطقة عفرين إلى سبع نواحٍ هي: عفرين، شيخ الحديد، معبطلي، شران، بلبل، جنديرس، راجو، ويعيش فيها اليوم نازحون من مناطق أخرى يُقدر عددهم بعشرات الآلاف، أغلبهم من الغوطة الشرقية وحمص وإدلب.

 

جنود أتراك وسوريون معارضون بعد السيطرة على عفرين (رويترز)

انتفاع من المحاصيل والمحلات 

تحدثت مواقع إعلامية كردية، ومنها موقع “عفرين بوست”، عن استيلاء الفصائل المسيطرة في عفرين على مواسم الزيتون والسماق وأوراق العنب والكرز وغيرها من الأشجار المثمرة، إضافة إلى فرض إتاوات على معاصر الزيتون، ووثقت قطع أشجار من الغابات، وفرض إتاوة 15% على محصول ورق العنب، وعلى جميع عمليات الشحن.

كما طالت عمليات الاستيلاء المحال التجارية رغم وجود بعض أصحابها، وقد تم استثمارها من قبل قادة الفصائل لمصلحتهم الشخصية، أو تأجيرها لنازحين من الغوطة الغربية بدمشق، باتوا يستثمرون نحو 60% من المحلات التجارية في مدينة عفرين.

مساحات واسعة من أشجار الزيتون في ريف منطقة عفرين - 2 آذار 2018 (عنب بلدي)

مساحات واسعة من أشجار الزيتون في ريف منطقة عفرين – 2 من آذار 2018 (عنب بلدي)

 

شُكّل “الجيش الوطني السوري”، أواخر تشرين الأول 2017، بمبادرة ودعم تركيين، وهو يتبع لوزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” التابعة لـ”الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة”.

وفي 4 من تشرين الأول 2019، أُعلن عن اندماج “الجيش الوطني” و”الجبهة الوطنية للتحرير”، ليصبح مؤلفًا من سبعة فيالق، ويحتوي على نحو 80 ألف مقاتل.

ومن  أبرز الفصائل المسيطرة في عفرين: “فرقة الحمزة”، “لواء سليمان شاه”، “لواء الوقاص”، “لواء السلطان مراد”، “أحرار الشرقية”، “جيش الشرقية”، “الجبهة الشامية”، “فيلق الشام”.

 

مشاكل تثبيت الملكيات

“شيار” (اسم مستعار)، أحد العاملين في مجال العقارات بعفرين، تحدث لعنب بلدي عن الصعوبات التي واجهته في مهنته منذ سيطرة الفصائل العسكرية، والتي اضطرته إلى التخلي عن عمله، وترك مدينته واللجوء إلى ألمانيا بعد خسارته كثيرًا من ممتلكاته العقارية.

يقول “شيار” واصفًا ما حلّ بأملاكه، “كان لدي مجموعة من الشقق والأبنية والمزارع والمحلات بمركز المدينة، بحكم عملي في مجال العقارات، وقد باتت أغلبيتها تحت يد الفصائل المدعومة من تركيا، ولم أتمكن من تحصيل شيء منها”.

 

وثّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها استيلاء فصائل “الجيش الوطني” في عفرين على ممتلكات السكان الكرد ونهبها وتدميرها، وإسكان عائلات المقاتلين في منازل الأهالي، دون تعويض أصحابها.

وقالت المديرة المؤقتة لقسم الطوارئ في المنظمة، بريانكا موتابارثي، “على الجيش السوري الحر ألا يدمر أو يسكن أملاك من اضطروا إلى الفرار من القتال عند قدومه، بدل حماية المدنيين الضعفاء، يقوم هؤلاء المقاتلون بتعميق الانتهاكات”.

ودعت المنظمة السلطات الحاكمة إلى وجوب توفير مأوى للعائلات النازحة، دون انتهاك الملكية الخاصة للمالكين، أما استخدام الممتلكات الشاغرة فيجب أن يكون “مؤقتًا”، دون أن يلحق أي ضرر فيها.

وأكدت المنظمة أن قوانين الحرب تحظر النهب أو الاستيلاء على الممتلكات الخاصة بالقوة، أو استخدامها لأغراض شخصية أو تدميرها، وهو ما يمكن أن يشكل “جريمة حرب”.

 

وعن الطرق التي يتم من خلالها الاستيلاء على العقارات في عفرين، أوضح “شيار” أن بعض العاملين في مجال تثبيت الملكيات العقارية بالمجالس المحلية، يرفضون الاعتراف بالوثائق التي تم استخراجها خلال فترة سيطرة حزب “الاتحاد الديمقراطي”، ويعترفون فقط بالأوراق الثبوتية الصادرة عن مؤسسات النظام السوري، رغم وجود عدد من الأبنية التي شُيّدت في فترة سيطرة الحزب، وقد حصل مالكوها على رخص من قبله لعدم تمكنهم من الحصول على أوراق ثبوتية من مؤسسات النظام، لأنه لم يكن مسموحًا لهم في تلك الفترة الذهاب إلى حلب، “معظم هذه الأوراق لا يتم الاعتراف بها حاليًا إلا بوجود صاحب العقار، وبشروط ومتطلبات تعجيزية”. 

وأضاف “شيار” أن بعض “ضعاف النفوس” من أصحاب العقارات استغلوا فرض هذا الإجراء واستولوا على أملاك غيرهم، إذ إن بإمكان صاحب العقار الذي يمتلك أوراقًا ثبوتية موثقة لدى الدوائر الحكومية إعادة كل ما باعه من عقارات خلال فترة سيطرة الحزب إلى اسمه، فكثير من الأشخاص لم يتمكنوا من تثبيت عقود الشراء، ومنهم من لا تزال بياناتهم العقارية مسجلة باسم صاحب البناء. 

منازل على الطريق بين قرى جلبل ومريمين وأناب في عفرين - 11 آذار 2018 (عنب بلدي)

منازل على الطريق بين قرى جلبل ومريمين وأناب في عفرين – 11 من آذار 2018 (عنب بلدي)

وإضافة إلى ذلك، يتم توجيه تهم الانضمام لحزب “الاتحاد الديمقراطي” أو موالاته ودعمه، من أجل الاستيلاء على ممتلكات الأشخاص، وأشار “شيار” إلى أن هذه التهمة “فضفاضة وتناسب جميع المقاسات، ويمكن لأي شخص أن يلبسوه إياها للسيطرة على أملاكه”.

ولفت إلى أنه رغم وجوده بعفرين في أثناء دخول تركيا إليها، لم يتمكن من تحصيل شيء من أملاكه، وكانت التهمة جاهزة وهي الانتماء لحزب “الاتحاد الديمقراطي”، وقال في هذا الصدد، “كانت أغلبية العقارات مسجلة باسمي ولكنهم استولوا عليها، وعندما كان أي شخص يحاول تحصيل هذه الأملاك كانوا يوجهون له تهمة التستر عليّ، بمن في ذلك الأشخاص الذين كنت قد بعت أو اشتريت منهم”.

وتابع، “حتى إن كنت تطالب بحقك، يوجد احتمال كبير أن تذهب أنت وحقك بتهمة الانتماء للحزب، إذ من الممكن أن يتم اختطافك وتضطر لدفع مبالغ كبيرة”.

وعلى الرغم من بذل المجالس المحلية بعفرين جهودًا في تثبيت الملكيات العقارية وتصديق أوراقها، فإنه عند تقديم أي من هذه الأوراق كوثيقة لإثبات الملكية يقولون للشخص، “انقعها واشرب ماءها، هذا المنزل ليس لأحد، ويقطنه سكان نازحون”.

وعلاوة على الفوضى المرتبطة بإثبات الملكيات، يضطر صاحب المنزل لدفع مبلغ قد يصل إلى 1000 دولار أمريكي مقابل بقائه في منزله، وفقًا لـ”شيار” الذي أضاف أنه حتى في حال دفع المبلغ فإن عناصر الفصيل المسيطر سيعودون بعد شهرين أو ثلاثة لابتزازه، وإذا رأوا أنه يدفع لهم كثيرًا من الأموال قد يقومون بخطفه وطلب فدية مالية. 

وبحسب “شيار” فإن الموضوع شائك ومعقد، بسبب تحكم هذه الفصائل بأرزاق الناس، وفرضهم قوانين خاصة وإتاوات، فعلى سبيل المثال، حتى يحصل صاحب المنزل على الماء أو الكهرباء يجب أن يدفع مبلغًا من المال، وحتى يقوموا بفتح السد من أجل إرواء أرضه عليه أن يدفع أيضًا، لافتًا إلى أن هذا يحصل بشكل متكرر مع جميع الأشخاص.

 

وثقت منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة” في تقرير لها ممارسات تضييق اقتصادي وترهيب تتبعها الفصائل العسكرية التابعة لـ “الجيش الوطني” بحق الأهالي في عفرين، تمثلت بتحكمها بمفاصل الحياة الاقتصادية من خلال سيطرتها على الحواجز مع المناطق الأخرى، والمعابر الحدودية مع تركيا، إلى جانب فرضها ضرائب وإتاوات على المنازل والأراضي والمحاصيل الزراعية والمحال التجارية، ومصادرة منازل مدنيين من الكرد بعد طردهم منها.

ونقلت المنظمة عن الأهالي اعتقادهم بأن السياسة المتبعة من قبل الفصائل هدفها دفع السكان الأصليين المتبقين إلى مغادرة المنطقة والنزوح.

والتقت المنظمة مع قائد مجموعة ضمن “الجيش الوطني” (فضل عدم الكشف عن هويته)، أفاد بأن الفصائل قسمت نواحي “عفرين” السبع إلى قطاعات نفوذ، يتحكم كل فصيل بجميع نواحي الحياة في كل منها بشكل كامل دون وجود أي رقابة من الحكومة التركية، واعتبر أن تركيا تهدف من وراء ذلك إلى خلق ثغرات بين المجتمعين المحلي والنازح، إذ بإمكانها كف يد “الجيش الوطني” عن هذه الانتهاكات وضبط الأمور، بحسب تعبيره.

 

رد المجلس المحلي

رئيس المجلس المحلي في جنديرس، صبحي رزق، نفى من جانبه وجود أي عمليات استيلاء على الملكيات العقارية في عفرين، أو فرض إيجارات شهرية على أصحاب المنازل والمحلات التجارية والأراضي الزراعية، طالبًا تقديم إثباتات على ذلك، ومؤكدًا استعدادهم للمساءلة.

وفي حديثه إلى عنب بلدي، برر إسكان عائلات في منازل تعود ملكيتها للكرد من أهالي عفرين، بالقول، “بعد الهجمة القوية الشرسة على الأهالي في إدلب، وما رافقها من موجة نزوح كبيرة، وجهنا، باعتبارنا مجلسًا محليًا، بالتنسيق مع جميع القرى التابعة لنا، لمساعدة هؤلاء الأشخاص حتى دون أخذ أي إيجارات منهم، وقد فتح الجميع أبوابه لمساعدتهم، إلى جانب وجود كثير من المنازل الفارغة التي هاجر أصحابها إلى دول أوروبية، وتم إسكان النازحين في هذه المنازل بطرق نظامية عن طريق المخاتير ولجان القرى دون دفع إيجارات”.

وأكد رزق أنه في حال عودة أهالي المساكن ممن هم غير موجودين حاليًا في عفرين، فيمكن لأي منهم إذا وجد عائلة تقطن منزله أن يأخذه منها مباشرة، بعد تقديمه العقد الذي يثبت الملكية.

وبيّن أن لدى الأشخاص الموجودين في الخارج وكلاء من الأقارب أو المعارف أو الجيران، إذ يمكن توكيل أحد الأشخاص عبر مقطع فيديو يرسله من أجل تيسير الأمور، ويتم تثبيت ذلك عن طريق المخاتير والشهود، ويمكن للموكِّل أن يُؤجّر المنزل، أو يُسكن أحد الأشخاص المعروفين من قبله فيه دون أن يدفع الأخير إيجارًا، وذلك بحسب الاتفاق الشخصي بينهما.

وأضاف أنه في الحالات التي يقول لهم أحد الأشخاص إن صاحب المنزل ليس موجودًا وقد أخبره عن طريق الهاتف أن بإمكانه السكن في منزله، يطلبون منه التواصل مع صاحب المنزل الأساسي، وأن يُرسل لهم ورقة التوكيل من أجل تثبيت المنزل باسمه. 

وأوضح أنه تم إنشاء “قسم التوثيقات العقارية” لهذا الغرض، إذ يعمل على تثبيت العقارات المنقولة لأصحابها الأساسيين، وإصدار بيان عقاري لإثبات للملكية، ويمكن عن طريق المخاتير والشهود تثبيت ملكية العقارات التي فقد أصحابها أوراقهم الثبوتية بسبب تعرضها للسرقة أو الاحتراق أو الإتلاف.

وأشار إلى أن الهدف الأساسي من هذا القسم هو “خدمة المواطن وضمان حقوقه”، معتبرًا أن “بعض الجهات تعمد إلى إطلاق الإشاعات عندما ترى مؤسسات تقوم بعملها بشكل جيد”.

 

أصدر المجلس المحلي لمدينة عفرين بيانًا بتاريخ 8 من تشرين الأول 2018، دعا من خلاله أصحاب الأملاك إلى ضرورة مراجعة “مكتب التوثيق العقاري”، مصطحبين معهم جميع الثبوتيات من أجل تصديقها بصفة رسمية.

وأشار البيان إلى أن من فقد الأوراق التي تثبت ملكيته سيتم منحه حق الملكية المؤقتة، بعد إجراء التحرير العقاري المعتمد في المجلس.

ولفت البيان إلى أن المجلس لن يعترف بأي عملية بيع أو شراء جديدة للممتلكات، وأنها تعتبر باطلة. 

 

بيان من "المجلس المحلي في عفرين" لمراجعة "مكتب التوثيق العقاري" من أجل تصديق الأوراق الثبوتية، مركز توثيق الانتهاكات في شمال سوريا، 2018.

 

أشارت “لجنة التحقيق الدولية المستقلة حول سوريا”، في تقرير لها، إلى ورود كثير من البلاغات عن مصادرة الممتلكات ونهبها في عفرين على نطاق واسع، وإسكان مقاتلين من “الجيش الوطني” أفراد أسرهم في بعض المنازل التي يمتلكها كرد فروا من المنطقة، وتقديم عقود إيجار للساكنين الجدد، كما تحدثت عن طلب مقاتلين في “الجيش الوطني” سندات الملكية من المالكين الكرد الذين بقوا في منازلهم، لافتة إلى أنه في بعض الحالات لم يكن أمام العائدين من خيار سوى تقاسم منازلهم مع أفراد أسر مقاتلي “الجيش الوطني” الذين انتقلوا إليها.

وأضافت اللجنة أنه عندما اشتكى بعض المدنيين إلى ضباط كبار في “الجيش الوطني” لاستعادة ممتلكاتهم قوبلوا بالتهديد والعنف، وأدى حجم مصادرة الممتلكات إلى إنشاء آلية للتظلم داخل هياكل “الجيش الوطني”، غير أن الأهالي أشاروا إلى عدم فاعليتها بشكل كبير.

 

اجتماع لأعضاء مجلس جنديرس المحلي في محيط عفرين - 21 نيسان 2018 (الائتلاف السوري)

اجتماع لأعضاء مجلس جنديرس المحلي في محيط عفرين – 21 من نيسان 2018 (الائتلاف السوري)

وجهة النظر القانونية

القاضي رياض علي، اعتبر أنه لا يوجد أي أساس قانوني أو أخلاقي لإخراج العائلات السورية الموجودة في عفرين أو غيرها من المناطق التي دخلتها الفصائل المسلحة من منازلها وأراضيها.

وأشار، في حديثه لعنب بلدي، إلى أن هذه التصرفات لا يمكن اعتبارها أخطاء فردية، إذ إن عمليات الاستيلاء تتم بشكل ممنهج ومنظم، كون قادة الفصائل المسلحة المنضوية تحت مظلة “الجيش الوطني” لم يُحاسبوا العناصر الذين قاموا بالاستيلاء على المنازل، كما لم يصدر من رؤساء المجالس المحلية أي تعليمات أو أوامر لمنع تصرفات كهذه، بل على العكس هناك بعض الحالات التي اشترك فيها قادة الفصائل ورؤساء البلديات أنفسهم بذلك، عبر تحويل بعض المنازل الخاصة إلى مقار عامة، دون تقديم أي مبرر سوى أن مالكه قد تم تهجيره أو قتله أو إخفاؤه قسريًا، وعلاوة على ذلك فإن وزير الدفاع في “الحكومة المؤقتة”، وهو الرئيس الإداري الأعلى لـ”الجيش الوطني”، لم يُحرك ساكنًا ولم يُصدر أي أمر بوجوب عدم ارتكاب مثل هذه الانتهاكات، ولم يُحاسب أيًا من مرتكبيها.

وأضاف علي أنه يمكن اعتبار عمليات سلب وغصب العقارات “جريمة حرب”، وفقًا لـ”نظام روما الأساسي” التابع لـ”المحكمة الجنائية الدولية”، كونها حصلت وتحصل بطريقة ممنهجة وبشكل واسع.

وعن تهمة الانتماء إلى حزب “الاتحاد الديمقراطي”، التي توجهها الفصائل إلى بعض مالكي العقارات لتبرير مصادرة أملاكهم، أشار علي إلى أن كثيرًا من الأشخاص الذين تم اعتقالهم ومصادرة ممتلكاتهم بهذه الحجة كانوا من خصوم الحزب، ومن المعتقلين السابقين في سجونه، لافتًا إلى أنه حتى في حال صحة هذا الادعاء، فما ذنب عائلة وأولاد المالك (المتهم) ليُحرموا من حقهم بالسكن المنصوص عليه في العهود والمواثيق الدولية؟ فضلًا عن كون المصادرة تتم على يد “عساكر” من الفصائل، دون وجود جهة قضائية محايدة ومستقلة تحكم بموضوعها.

تحطيم تمثال “كاوا الحداد” في مدينة عفرين – 2018 (daraj)

الطرق القانونية لإثبات الملكية

من أجل إثبات ملكية العقارات المصادرة في عفرين، بيّن علي ضرورة توفر إخراج قيد عقاري، في حال كان العقار مفرزًا ومقيدًا باسم المالك أو كان يملك فيه حصة سهمية إذا لم يكن مفرزًا، كما يجب الاحتفاظ بقرارات المحاكم التي تثبت ملكية العقار، ووكالات الكاتب بالعدل، ودفاتر الجمعيات السكنية، ورخص البناء التي كانت تصدر من البلديات، وعقود البيع والشراء المنظمة بين البائع والشاري، وكل ما يمكن أن يكون دليلًا على ملكية المالك للعقار.

أما في حال عدم توفر الأوراق الثبوتية لسبب ما، فيمكن للمالك حاليًا توثيق ملكية عقاره من خلال اللجوء إلى المنظمات الحقوقية العاملة بمجال التوثيق، التي ستطلب الاستماع لشهادة الشهود، سواء كانوا من الجوار أو الأقارب، للتأكد من صحة ادعاءاته بخصوص الملكية، كما يمكنه الاعتماد على وسائل الإعلام في حال تغطيتها لمسألة مصادرة عقاره من قبل أي من المجموعات المسلحة، خاصة أنه يُفترض باللجان أو المحاكم التي ستنظر بمثل هذه القضايا مستقبلًا أن تأخذ بعين الاعتبار ظروف الحرب التي تسببت بإتلاف كثير من الوثائق، وافتراض سوء النية لدى الشخص الذي يدعي تملكه لعقار معيّن في منطقة غير منطقة سكنه الأصلي، لا سيما أن ذلك يتم في ظروف الحرب، إذ إن افتراض سوء النية لدى هذا الشخص سيكون هو المرجح ما لم يثبت عكس ذلك.

وأشار القاضي رياض علي إلى أنه حتى لو تم بيع العقار لأكثر من مرة، فإن ذلك لن يؤثر على إثبات ملكيته لمالكه الأصلي، لأن البيوع جميعها لم تتم بظروف طبيعية مستقرة، بل تمت في ظروف الحرب وسيطرة المجموعات المسلحة على هذه المنطقة أو تلك، وفي حين اضطر أكثر من نصف الشعب السوري لأن يكون نازحًا أو لاجئًا، وبالتالي يفترض سوء النية في الشاري طالما أنه يعلم أن البائع هو نازح من منطقة أخرى إلى منطقة العقار، وأشار إلى أن كولومبيا (على سبيل المثال) عالجت هذه المسألة من خلال قانون (رقمه /1448/ أصدرته في العام 2011) افترض أن الشاري (الحائز للعقار) سيئ النية إلا إذا أثبت العكس، وأنه لم يكن يعلم أن البائع ليس هو المالك الشرعي للعقار، وبأنه اشترى العقار بسعره الحقيقي، وعند إثباته كل ما سبق يتم تعويضه بقيمة ما دفعه للبائع، ويعاد العقار إلى مالكه الشرعي قبل النزاع بجميع الأحوال.

وعن طرق تعويض الأشخاص الذين تم الاستيلاء على أراضيهم الزراعية ومحاصيلهم، أوضح علي أنه عند انتهاء الحرب، يُفترض قانونًا إعادة الأراضي الزراعية إلى أصحابها الأصليين، ومباشرة إجراءات جبر الضرر ورد المظالم، وتعويض المالك عن منتوج أرضه الزراعية طوال السنوات التي حُرم فيها من استثمارها، ويكون ذلك من خلال إجراء الخبرة والتقييم، من قبل أشخاص متخصصين يُتّفق عليهم من قبل طرفي الدعوى أو من قبل المحكمة الناظرة فيها.

 

عقب إجرائها تحقيقات مستفيضة حول الأوضاع المعيشية في عفرين، أصدرت منظمة العفو الدولية” (أمنستي) تقريرًا اتهمت فيه فصائل “الجيش الوطني” بارتكاب انتهاكات “جسمية” لحقوق الإنسان في عفرين، بتواطؤ تركي.

وأشارت المنظمة إلى أن هذه الانتهاكات تتراوح بين الاعتقال التعسفي، والإخفاء القسري، ومصادرة الممتلكات، وأعمال النهب، متهمة تركيا بأنها تمد “الجماعات المسلحة المسؤولة عن هذه العمليات بالعتاد والسلاح”، كما انتقدت المنظمة قوات النظام السوري، و”وحدات حماية الشعب” (الكردية)، معتبرة أنها قصرت في حماية المدنيين الذين نزحوا من عفرين وزادت من معاناتهم.

 

عقوبة الاستخدام الشخصي للممتلكات من قبل المقاتلين

حول التعامل مع ممتلكات المدنيين التي اُستخدمت من قبل المقاتلين بشكل شخصي، أشار القاضي رياض علي إلى أن “اتفاقيات جنيف لعام 1949″ و”بروتوكوليها الإضافيين لعام 1977″ حظرت الاعتداء على الأهداف المدنية (كل ما هو غير عسكري ولا يستخدم لأغراض عسكرية)، وبالتالي فإن الاستيلاء على المنازل أو المحال التجارية من قبل المقاتلين لأغراض شخصية ممنوع قانونًا، ويُعتبر المقاتل مرتكبًا لـ”جريمة حرب” طالما أن الجرم وقع في زمن النزاع المسلح، ويجب قانونًا إعادة العقار إلى مالكه الشرعي قبل النزاع، ومحاسبة المقاتل الذي ارتكب انتهاكًا كهذا.

English version of the article

مقالات متعلقة